أنا آسف.. كل عام وأنت -عزيزى القارئ- بخير.. لكن هل يمكن أن يكون للابتسام المر طعم خاص؟ وثواب خاص؟ قالوا نعم، قيل وكيف كان ذلك؟ قال زعموا أن البنت سألت أخاها: ما هذا؟ قال أخوها: هذا ماذا؟ قالت البنت: كل هذا. قال: لماذا تسأليننى أنا بالذات؟! قالت: أسأل مَن إذن؟ قال: لا تسألى أصلا، سوف تعرفين أولا بأول، كل شىء فى حينه، فهو سؤال كل الناس. قالت: لكن «كل الناس» هم السبب فى ما نحن فيه الآن، أليسوا هم الذين أتوا لنا بهؤلاء؟ قال: ماذا تقولين؟ هل نسيتِ القاعدة؟ هل نلغى ما اجتمع عليه كل الناس لمجرد أن نطيِّب خاطرك أو نُرضِى مزاجك؟ قالت: لكن كل الناس ليسوا هم كل الناس فعلا، هم رُبْعُ الناس فقط، لا تخدع نفسك. قال: ربْع، خمْس، هذه هى الديمقراطية التى دفع إخوتنا وإخواننا حياتهم ثمنًا لها. قالت: هم دفعوا حياتهم فداء لمصر، لا من أجل هذا. قال: هذا ماذا؟ قالت: هأ، أنت الذى تسأل «هذا ماذا؟»، هذا الديمقراطية. قال: يا نهاركِ هباب، ما هذا الذى تقولين؟ هل هى مذكر أم مؤنث؟ قالت: إذا كانت مع أبلة هيلارى، فهى مذكر، وإن كانت مع الشيخ «حمد» فهى مؤنث. قال: تقصدين العكس. قالت: بل أقصد ما أقول، وأنت الذى لا تفهم. قال: ولمّا أنتِ تعرفين أننى لا أفهم، لماذا تسأليننى من أصله؟ قالت: أختبر ذكاءك، وها أنت تستعبط. قال: لكننى لا أعرف فعلا إلا الشيخ حمد المقرئ خفيف الظل صاحب والدنا، هل هناك حمد آخر، وشيخ أيضا؟ قالت: الشيخ حمد «بتاع» قطر، «بتاع» الديمقراطية. قال: ما له هذا الحمد الآخر؟ وما دخله بالديمقراطية؟ قالت: ألا تعرف بماذا صرح هذا الشيخ حمد بعد لقائه الرئيس؟ قال: قولى لى أولا مَن الشيخ حمد، ولو من باب التأكد من معلوماتى. قالت: والله؟ تلاقيك لا تعرف مَن رئيس وزرائنا الجديد. قال: وهل أنت تصدقين أن لنا رئيسًا جديدًا ورئيسًا قديمًا؟ قالت: اعمل معروفا لا تسخر، قل لى أولا مَن الشيخ حمد. قالت: هو مفتى الديار العربية للشؤون الإسرائيلية الديمقراطية الشعبية؟ قال: نعم؟! نعم؟! تعنين ماذا؟ قالت: أنت خبيث، أنا التى بدأت الأسئلة، ثم ها أنت تستعبط، وتلبسنى دور «الأبلة». قال: أنا لا أستعبط. قالت: يا ليتك تستعبط، أحسن ما تكون غبيًّا هكذا. قال: أنا وجدت أن الغباء يوفر الوقت، لقد ضاع منى وقت كثير وأنا أحاول أن أفهم ما الدولة العميقة، والدولة العريقة، والدولة العتيقة، والدولة الغريقة، إن الاسم الأخير هو الذى يصلح لنا الآن. قالت: كلنا نغرق. قال: اغرقى أنتِ وحدك بيأسك وتحليلاتك. قالت: إنى أتنفس تحت الماء، إنى أغرق أغرق أغرق. قال: دمك ثقيل وصوتك قبيح، لكن قولى لى بجد، ما حكاية الشيخ حمد هذا؟ قالت: اللهم طوّلك يا روح، تعالَ حتى تصدقنى، أليس هذا هو «أهرام» اليوم برئيس تحريره الجديد، تتصدر صفحته الأولى تصريحات المتحدث باسم رئاسة الجمهورية عن نتيجة لقاء الرئيس مرسى وتعهدات الشيخ حمد. قال: آه، تقصدين أمير دولة قطر؟ قالت: أخيرًا يا شاطر! برافو. قال: لكن ما له هو بمصر؟ ولماذا يحرص كل هذا الحرص على نجاح التجربة الديمقراطية بمصر؟ قالت: ألم تقرأ بقية الخبر يا باشا؟ إنه يفعل ذلك «حتى تحقق الثورة المصرية كل الأهداف التى قامت من أجلها»! قال: ما هذا الكلام؟ أنتِ تؤلفين. قالت: كنت أعلم أنك سوف تقول مثل هذا، لذلك جعلتك تقرأ الخبر بنفسك. قال: لا بد أن رئيس تحرير «الأهرام» الجديد فات عليه خطأ مطبعى فى زحمة أعبائه الجديدة، ونسى أن يصحح الخبر ويضع اسم هيلارى كلينتون بدلا من الشيخ حمد هذا. قالت: اسم الله عليك وعلى حواليك، ما رأيك لو ترسل إلى بريد «الأهرام» تصحح الخبر ينوبك ثواب فى رئيس التحرير الجديد قبل أن يفصلوه. قال: أنا ما لى؟ قالت: فاعل خير، مثل الشيخ حمد تمامًا، فما هو إلا فاعل خير فى أبناء مصر يا حسرة عليهم، لا بد أنه يريد لهم أن يقتدوا بشعب قطر الذى حقق أعلى معدلات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التى هى أهداف الثورة المصرية. قال: لكن أليس هذا الشيخ هو الذى انتزع الحكم من والده بقوة السلاح بعد حبسه فى الحمام، ثم نفيه، مما ذكّرنى أيامها بتداول السلطة الديمقراطية فى عصر المماليك. قالت: بلى هو، لكن كانت له أسبابه الديمقراطية الخاصة. قال: أوضحى فتح الله عليك، منكم نستفيد. قالت: لأن هذا الذى فعله نفى تمامًا، شبهة التوريث التى هزت عرش مبارك، ولا بد أن هذا الابن الشاب أراد أن يثبت أنه قادر أن يأخذ حقه بذراعه، أعنى بذراع الديمقراطية، لا بتأثير جينات لا فضل له فيها. قال: كفى مسخرة. قالت: هل هذا الذى أقوله هو المسخرة أن هذا الخبر هو المهزلة بعينها. قال: لا بد أن أحدهم قد دسّ الخبر على رئيس التحرير الجديد ليثبت أنه غير جدير بالمنصب. قالت: هل أنت أعمى؟ ألم تقرأ بداية الخبر؟ إنه «صرح الدكتور ياسر على المتحدث باسم رئاسة الجمهورية.. أنه كذا وكيت». قال: لكنهم يقولون إن هذا المتحدث هو ابن خالة رئيس الوزارة الجديد. قالت: يا عم بطّل تفكير تآمرى، هذا اسمه ياسر على، وذاك اسمه هشام قنديل. قال: آه صحيح، نسيت أنه ابن خالته لا ابن عمه. قالت: بصراحة، لا هذا ولا ذاك، اسم الله عليك وعلى ذكائك، طالع لأبيك. *** دخل والدهما عليهما وسمع الجملة الأخيرة من ابنته فتهلل وجهه وانفرجت أساريره وقال لها: اسم الله عليكِ أنكِ عرفتِ أخيرًا أن هذا الشبل من ذاك الأسد، سوف أخبر أمك. قالت البنت: لا يا أبى اعمل معروفًا حتى لا تسىء أمى فهم هذا المثل بالذات. قال الوالد: وهل عندكِ مثل يناسبها؟ قالت البنت: ويناسبنى. قل لها «اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها». خرج الوالد راضيًا مرضيًّا، واتجه إلى المطبخ مباشرة وهو يتمتم بصوت تعمد أن تسمعه زوجته: لقد أنجبنا! لقد أنجبنا! قالت الأم: ألم تتذكر إلا الآن؟ قال الأب: يبدو ذلك!