(1) استقر الإسلام فى مصر وكبر على يد عمرو بن العاص، لكن من القائل إن ابن العاص كان أول مسلم تطأ قدماه هذه الأرض؟ (2) يوم مات سيدنا إبراهيم ابن سيدنا النبى من مارية القبطية كان عمره أقل من عامين، وكُسفت الشمس يوم موته، فقالوا كُسفت لموت ابن النبى، فقال «الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته». بكى الرسول كما لم يبكِ أحدًا من قبل.. بكى ليعلمنا أن البكاء على الراحلين رحمة من الله، كان عبد الرحمن بن عوف (وفى رواية أخرى سيدنا أبو بكر) قد قال للنبى «أولم تُنهَ عن البكاء؟»، فقال سيدنا النبى «إنما نُهيت عن النياحة ونعت الميت بما ليس فيه»، بكى النبى فقيده وقال «إنما البكاء رحمة، ومن لا يَرحم لا يُرحم». كان سيدنا إبراهيم قد أسلم روحه وهو فى حِجر النبى.. «يا إبراهيم لولا أنه أمر الحق لحزنّا عليك حزنًا أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب».. قال سيدنا النبى. صلى عليه ثم دفنه وساوى تربته بيديه الكريمتين. (3) عندما وصلت السيدة مارية إلى المدينة قادمة من مصر، وفى رفقتها أختها سيرين، اختار سيدنا النبى مارية ووهب أختها لحسان بن ثابت شاعر الرسول. أسكنها النبى بمكان قريب منه فى بيت لحارثة بن النعمان، وكانت جارة للسيدة عائشة، تقول السيدة عائشة «ما غِرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية»، كانت جميلة صبوحة حسنة الدين تختزل فى روحها سحر مصر بأسرارها وغموضها، وكان سيدنا النبى يزورها كثيرًا حتى شكت السيدة عائشة، فأسكنها سيدنا النبى مكانًا بعيدًا يسمى «العالية» ولم يثنه ذلك عن زيارتها كثيرًا.. تقول السيدة عائشة «فكان ذلك أشد علينا». كان بين السيدة مارية والسيدة خديجة عشر زوجات لم يهبن سيدنا النبى ولدًا، لذلك اختصها بمحبة من نوع خاص أثارت غيرة باقى نسوته. كان لرسول الله ناقة وقطعة غنم، فكانت مارية تشرب من ألبانها وتسقى ولدها، وفى يوم اصطحب سيدنا النبى ابنه لزيارة عائشة، وسألها أن تنظر إلى جماله فأنكرت عليه هذا الجمال، فقال لها سيدنا النبى: ألا ترين بياضه ولحمه، فقالت: من قصرت عليه النياق وألبان الضأن سمن وابْيضّ. كادت عائشة تبكى من شدة قهرها، فانصرف النبى بولده وهو يرثى لعائشة ويطلب من الله أن يهون عليها ما تكابد. كانت ابتسامة إبراهيم فى وجه سيدنا النبى نسمة ربانية منَّ عليه بها ليخفف على روحه آلام فقْد ابنته الغالية زينب وقبلها رقية وأم كلثوم وعبد الله والقاسم. بعد الوفاة.. أراد سيدنا النبى أن يخفف عن ستنا مارية فأوصى عموم المسلمين أن يَصلوا رحم سيدنا إبراهيم ابن مارية القبطية فقال «إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم، فإن لهم ذمة وإن لهم رحمًا».. لكن مَن أول من ذكّر المسلمين بهذه الوصية؟ (4) «من ينطلق بكتابى هذا إلى صاحب مصر؟».. سأل سيدنا النبى. رد حاطب بن أبى بلتعة: «أنا يا رسول الله». فأصبح «حاطب» هو أول مسلم تطأ قدماه أرض مصر. عرض رسالة الإسلام على مقوقس مصر، لكنه أَبَى أن يتنازل عن مُلكه.. وأمره أن يرجع إلى صاحبه بالهدايا، جاريتين (مارية وأختها سيرين)، ومن بين الهدايا كان بعض من عسل بنها دعا له سيدنا النبى بالبركة. قبل أن ينطلق الركب بالهدايا رأى حاطب فى وجه ستنا مارية رهبة ووحشة من مفارقة الوطن، سألته عن سيدها الذى تفارق أهلها باتجاهه، حدثها حاطب عن سيدنا النبى وعن الإسلام فشرح صدرها له، فأسلمت قبل أن تغادر مصر. (5) كانت السيدة مارية قد وُلدت وعاشت طفولتها فى قرية «حفن» التابعة لمركز ملوى بمحافظة المنيا. وعندما تنازل حفيد سيدنا النبى، سيدنا الحسن بن الإمام على رضى الله عنهما، عن الخلافة لمعاوية 41 هجرية كان مما اشترطه أن يعفى قرية حفن من الخَرَاج، تكريمًا لستنا مارية وعملا بوصية سيدنا النبى. قبلها كان الصحابى الجليل عبادة بن الصامت قد بحث عن هذه القرية بعد فتح مصر، حتى وجدها فبنى بها مسجدًا، بعدها أصبح اسمها قرية «الشيخ عبادة» المعروفة به حاليًّا. ■ مصادر: «زوجات النبى وآل البيت» للشيخ الشعراوى. «تراجم سيدات بيت النبوة» للدكتورة عائشة عبد الرحمن. «نساء النبى» لسعيد هارون عاشور.