يقول الفيلسوف الألمانى إيمانيول كانط إن بداية الأخلاق أن تتصرف بنفس الطريقة التى ترضاها لنفسك إذا تعامل الجميع بها معك. والأصل فى الأمور أن الإنسان يفضل أن يعامل الناس معاملة حسنة عسى أن ينعكس ذلك فى تعاملاتهم معه، وحين تسود هذه المعاملة الحسنة فى المجتمع يرتفع رأس المال الاجتماعى القائم على الثقة والاحترام المتبادل والرغبة الصادقة فى إقامة جسور العلاقات الطيبة مع الآخرين. وهو ما لا يبدو بعيداً عن التوجيه القرآنى الوارد فى سورة الإسراء: «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا» (53)، ومن عجب أن الإنسان يلاحظ تردياً عاماً فى لغة الحوار والتعبير بين المصريين يجعلنا أمام معضلة أننا لم نعد نعرف أين نرسم الخط الفاصل بين المقبول وغير المقبول. هناك حدة فى الانتقاد، ومبالغة فى الانتقاص، وغلو فى الخصومة، ثم نشتكى ونقول: الناس وحشة ليه؟ تعالوا نأخذ مثالاً وقف النشاط الرياضى بعد أحداث استاد بورسعيد. أرواح بريئة أزهقت، وصورة سلبية عن مصر والمصريين طيّرتها وسائل الإعلام فى العالم، ونشاط رياضى كان يستهدف إسعاد الملايين، وتوفير الشروط الضرورية للمنافسة الشريفة توقف. هل قلنا التى هى أحسن؟ أم نزغ الشيطان بيننا بسبب غفلتنا وأصبحنا جميعا جناة فى حق من ماتوا؟ ما هى الحاجة لأن يسب الجمهور لاعباً منافساً أو جمهوراً ضيفاً على النحو الذى تضيع معه تلك النفوس الزكية؟ قديما قالوا: «يُقضى للناس أقضية بقدر ما يحدثون من ذنوب». وهو كلام صحيح، وقف النشاط الرياضى هو نتيجة منطقية لعدم قدرة بعض جمهورنا على أن يضبط لسانه وأن يشجع فريقه دون أن يسب الفريق المنافس وجمهوره، وصولاً إلى الترويع والقتل. ومن الرياضة إلى السياسة، يجد الإنسان أننا نتكلم كثيراً جداً، أكثر مما ينبغى. ويا ليتنا نتحدث أقل ونعمل أكثر. وكأن السياسى الشاطر هو من يظهر يومياً فى أكبر عدد ممكن من البرامج وتلتقط له الصور فى أكبر عدد من الصحف حتى لو أن ما يقوله لا يساوى قيمة الحبر المكتوب به أو الوقت الضائع فى الإنصات إليه. ولن أنسى اتفاقاً بذلت فيه عدة قوى سياسية جهداً كبيراً، وقبل أن يتم الاتفاق، خرج أحد السياسيين معلناً أنه يتحفظ على ما سيتم الاتفاق عليه حتى قبل أن يصل الجميع إلى اتفاق نهائى. وحين تم استبعاد هذا الشخص من الاجتماعات اللاحقة لأنه لا يعرف كيف يقول ما هو أحسن، خرج ليقول ما هو أسوأ وكأن الخطأ فى من التزم وكان على قدر المسئولية وليس فى من قصّر وقال التى هى أسوأ. ومن السياسة إلى الإعلام، حيث يتم التركيز بصورة مبالغ فيها على إظهار العيوب والمشاكل والأخطاء مهما كانت بسيطة على نحو يضرب فى مقتل ثقة الناس فى أن هناك أملاً. ومن رحلة سريعة إلى الولاياتالمتحدة، تبين للمرء حجم التأثير السلبى للإعلام الذى يجعل المصريين والعرب فى الخارج يظنون مصر وكأنها صومال جديدة.. لمصلحة من هذا؟ خسائر مصر ضخمة من هذا اللسان المنفلت بالباطل قبل الحق، بالكذب قبل الصدق، بالشر قبل الخير، بالسب قبل الود. تأمل الآيات مرة أخرى، أيها القارئ الكريم، ولو رصدت فيها معنى مختلفاً لم يصل لك من قبل، فاسأل الله لنا جميعاً الإخلاص والسداد والقبول والمغفرة. «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا» (53) صدق الله العظيم.