أصبحنا نتعامل ببساطة مع تلك الألقاب مثل فقيه دستورى وخبير استراتيجى، فلو تطلب الأمر حديثًا عن الأحكام المتضاربة ما بين دستورية ونقض، وبين إعلان دستورى وقرار رئاسى، تجد برامج التوك شو وقع اختيارها على أستاذ قانون، ويمنحونه لقبًا يضفى على ما يقوله قدرًا من المصداقية تصل إلى تخوم القدسية «الفقيه».. كما ظهرت مصطلحات يتم تداولها على نطاق واسع مثل خبير استراتيجى، فما رأى زملائى النقاد والصحفيين الفنيين أن نعتبر رمضان فرصة لنا لكى نحمل ولو لمدة 30 يومًا لقب فقيه فنى استراتيجى، خصوصًا أننا نتعامل مع ما يربو على 70 مسلسلا وضعف هذا الرقم من البرامج، والاختيار بين كل تلك الأطباق يحتاج إلى خبرة فقيه ورجاحة عقل استراتيجى!! كان أمير الشعراء أحمد شوقى ينصح تلميذه الموسيقار محمد عبد الوهاب بأن يصبح مثل النحلة، ينتقل من غصن إلى غصن، ومن وردة إلى وردة، يستحوذ على رحيقها ليفرز لنا عسلاً شهيًّا.. ولكن الناقد لن تجدى معه طريقة النحلة، عليه أن يتذوق كل شىء ويتحمل أيضا كل شىء، ولهذا تعودت فى شهر رمضان أن أخترع نظرية أخرى إنها حيلة الفأر.. المعروف أنه فى عالم الفئران مهما كان الأكل شهيًّا والمعدة خاوية، فإن الفأر لا يحصل سوى على جرعة قليلة من الطعام، تحسبًا لاحتمال وجود سم قاتل، وبعد أن يتأكد أنه لم يُخدع يواصل التهام الطعام. آخذ فى رمضان فى أثناء مشاهدتى للمسلسلات والبرامج بنصيحة الفأر، وفى الأيام الأولى أعيش داخل خيمتى الرمضانية التى أقيمها بجوار التليفزيون وألهث فى المشاهدة طوال الأسبوع الأول.. أحيانا تصلنى أصداء طيبة أو غير طيبة عن عمل فنى، ولكنى لا أصدق إلا نفسى وأشاهد الجرعات كاملة، ويصل زمن المشاهدة اليومية إلى قرابة 12 ساعة، وبعد هذا الأسبوع الإجبارى أشعر أن من حقى أن أتخفف قليلاً من هذا الحمل الثقيل، أنتقى فقط ما أريده، أصبح مثل نحلة عبد الوهاب، وأنتقل بالريموت كنترول من غصن إلى آخر. هل من الممكن مثلاً أن تغفل «فرقة ناجى عطالله» المؤكد أننى سوف أبحث عنه مثل الملايين الذين لا يمكن سوى أن يشاهدوا ما يقدمه عادل إمام بعد غياب ربع قرن.. المؤكد أن سنوات الغياب عن الشاشة الصغيرة تلعب دورًا لا يمكن تجاهله.. المسلسل الذى تجرى أحداثه فى تل أبيب، إما أنه يصعد إلى القمة لو صدقناه، وإما أن يسقط للهاوية ويعيدنا إلى تهريج نادية الجندى فى فيلميها «24 ساعة فى إسرائيل» و«مهمة فى تل أبيب»، حيث كانت تقتحم الموساد بشفرة تقول فيها «خالتى بتسلم عليك»، كما أن المسلسل، شاء أم أبى، سوف يقدم وجهة نظر فى الصراع العربى- الإسرائيلى، وليس فقط المصرى- الإسرائيلى، لأن الفرقة أقصد «ناجى عطالله» فى انتقالها من مكان إلى آخر وهى تحاول العودة إلى مصر على الحدود السورية واللبنانية والفلسطينية والأردنية مع إسرائيل ستتورط سياسيًّا.. ولدينا محمود عبد العزيز و«باب الخلق» هل يأتى الحضور لائقا بعد غياب 8 سنوات، أنتظر بشغف ما يسفر عنه المسلسل.. وهناك سطل العرقسوس الرمضانى يحيى الفخرانى لا يجوز الصيام دون رشفات فخرانية مع «الخواجة عبد القادر».. ونور الشريف فى «عرفة البحر» أحد أعمدة رمضان.. وهناك بالتأكيد عِشرة قديمة وتراكم عبر السنين مع إلهام شاهين «قضية معالى الوزيرة»، ويسرا «شربات لوز»، وغادة عبد الرازق «مع سبق الإصرار»، ووفاء عامر «تحية كاريوكا».. ولا يمكن إغفال الذى يقدمه الجيل الجديد، هؤلاء النجوم أصبحوا أوراقًا رمضانية، يعمل لها ألف حساب مثل خالد صالح «9 شارع جامعة الدول العربية»، وآسر ياسين «البلطجى»، وكريم عبد العزيز «الهروب»، وأحمد السقا «خطوط حمرا»، وهانى رمزى «ابن النظام»، ومصطفى شعبان «الزوجة الرابعة»، وحنان ترك «أخت تريز»، وهند صبرى «فيرتيجو»، وعمرو سعد «خرم إبرة».. ولدينا أعمال بنكهة تاريخية «سيدنا السيد» جمال سليمان، و«نابليون والمحروسة» ليلى علوى، إلا أن المسلسل الذى أؤكد لكم أنه سوف يستحوذ على أعلى كثافة مشاهده فهو «عمر» رغم موقف الأزهر الشريف الرافض للتجسيد، إلا أننى مع كل الاحترام للأزهر سوف أشاهده.. ولن أتخلى أبدًا طوال الشهر الكريم عن نظرية الفأر وفلسفة النحل ولقب الفقيه الاستراتيجى!!