تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات اليوم السبت 7 يونيو 2025    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 7-6-2025 في مصر بعد آخر ارتفاع    أسعار الفراخ والبيض في بورصة وأسواق الشرقية اليوم السبت 7 يونيو 2025    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 7-6-2025    ارتفاع تأخيرات القطارات في ثاني أيام العيد    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 7-6-2025 في المنوفية.. الطماطم 10 جنيها    جيش الاحتلال يقصف منطقة بطن السمين في خانيونس    وزير العمل يهنئ فلسطين بمنحها "عضو مراقب" بمنظمة العمل الدولية    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    مباريات اليوم السبت.. إنجلترا وهولندا في مهمة خارج الديار بتصفيات كأس العالم    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    بعد تصريحات زيزو.. عضو مجلس الزمالك يوجه رسالة غامضة    إجراء تحليل المخدرات لسائق دراجة نارية دهس سيدة بأكتوبر    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 بالقاهرة.. اعرف موعد الإعلان    توافد جماهيري على الحديقة الدولية فى ثانى أيام عيد الأضحى    النشرة المرورية.. سيولة بحركة السيارات بمحاور القاهرة والجيزة    طريقة عمل كباب الحلة، ألذ وأسرع غداء على سفرتك في العيد    محافظ الإسماعيلية يوجه بفتح الأندية لنزلاء دور الرعاية والمسنين (صور)    تقديس السينما عند جعفر بناهي.. دروس للأجيال    بأمر المحكمة.. سفاح المعمورة في مستشفى العباسية للكشف على قواه العقلية    التفاصيل الكاملة لاتهام زوجة المطرب إسماعيل الليثي بالاعتداء عليها وسرقة مجوهراتها    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    بعد خلافه مع «ماسك».. «ترامب» يُفكر ببيع سيارته «تيسلا S»    ترامب يكلف بتوسيع إنتاج الطيران الأسرع من الصوت    «كذاب وبيشتغل الناس».. خالد الغندور يفتح النار على زيزو    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    «لعيبة تستحق تلبس تيشيرت الزمالك».. شيكابالا يزف خبرًا سارًا لجماهير الأبيض بشأن الصفقات الصيفية    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    كلهم مصريين، مصرع شخص وإنقاذ 36 آخرين في احتراق مركب هجرة غير شرعية قبالة سواحل ليبيا    صدام ترامب ونتنياهو بسبب إيران.. فرصة تاريخية لدى رئيس أمريكا لتحقيق فوز سياسي    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    منال سلامة ل"الفجر الفني": لهذا السبب قد أرفض بطولة.. ولا أفكر في الإخراج    دار الإفتاء تكشف آخر موعد لذبح الأضحية    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    الشناوي: المشاركة فى مونديال الأندية إنجاز كبير.. وحزين لرحيل معلول    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    صلى العيد ثم فارق الحياة.. تشييع جنازة صيدلي تعرض لأزمة قلبية مفاجئة في الشرقية    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق نشب في كشك بكرداسة    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    تفاعل مع فيديو هروب عجل قفزًا في البحر: «رايح يقدم لجوء لأوروبا»    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    لأصحاب الأمراض المزمنة.. استشاري يوضح أفضل طريقة لتناول البروتين في العيد    أستاذ رقابة على اللحوم يحذر من أجزاء في الذبيحة ممنوع تناولها    حدث في منتصف ليلًا| أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي على الدائري.. وموجة حارة بكافة الأنحاء    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف .. كيف يتعامل مع"شراك الذاكرة وتلك الرائحة؟"
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 24 - 11 - 2012

مر الزمان فهل محا الملامح وهل ضاعت نبرة الأصوات وتلك الرائحة ؟!.. كيف يتعامل المثقف مع الذاكرة وشراكها؟!، حديث الذاكرة يعنى أحضان الأم الدافئة والحنان بين فسحات الغيم.
بقايا الجمر فى موقد الشتاء، وضحك الصغار فى تعثر الكلمات الأولى وبدايات الرحلة، لكن شراك الذاكرة تثير دهشة مثقفين كبار هنا وهناك: لماذا تتذكر هذا وتنسى ذاك؟.
يتساءل الكاتب والشاعر والمترجم الأمريكي تشارلز سيميس فى مجلة "نيويورك ريفيو":
"ما الذى يجعل أماكن ووجوه بعينها تستقر في الذاكرة بقوة بينما تختفي أماكن ووجوه أخرى قد يكون الإنسان عاش فيها ومعها سنوات طويلة؟.. هل الأفضل للإنسان أن ينسى أم يتذكر؟ .. أليس النسيان أحيانا نعمة والذاكرة عذاب؟!".
هاهو تشارلز سيميس يسير في أحد شوارع نيويورك ويمر بمتجر مجوهرات فإذا به يتذكر أن هذا المتجر كان مطعما ايطاليا منذ 50 عاما ويستعيد بالتفصيل وقائع أمسية على ضوء الشموع قضاها في هذا المطعم مع فتاة أحبها وسرعان ما مضى كل في طريق.
أما أديب نوبل المصري نجيب محفوظ فقد تحدث مرة بصورة مبهمة عن حبه الأول الذي وجده في أحد قصور العباسية، وكانت فتاة تكبره قليلا فيما يضيف في حديث الذكريات: "أحيانا تقابل إنسانة وعندما ترى وجهها تشعر أنك مرتبط بهذا الوجه وتعرفه من زمن طويل، ولا تفسير لهذا الموضوع".
يبدى سيميس دهشته حيال شراك الذاكرة لأن المرء قد يرى أحد الأشخاص مرة واحدة أو لفترة قصيرة فيستقر في ذاكرته طويلا فيما تمحى من هذه الذاكرة وجوه لطالما عرفها، أي معنى يمنح للبشر والشوارع في لعبة الذاكرة وفخاخها، وهل يمكن القول إن رواية أي شخص عن ذاته يمكن أن تكون مكتملة وصحيحة فيما الذاكرة تمارس باستمرار لعبة استبقاء ما تريده ومحو ما لا تريده؟!.
وفى وضع كهذا يمكن للخيال أن يتدخل فإذا بوقائع لم تحدث تتحول إلى جزء من السياق، فيما تختفى من السياق ذاته وقائع حدثت بالفعل، ومن ثم فإن القصة التي يقدمها أي شخص عن ذاته وسرده لوقائع حياته قد لا يكون بريئا من تلفيقات خيال وإن بدا هذا السرد متماسكا!.
وللذاكرة والذكريات كتابها الكبار مثل نجيب محفوظ الذي كان يمتع سامعيه وهو يحدثهم أو يكتب لهم عن أزقة وحواري وشوارع وحدائق الجمالية والعباسية، فيما يحق القول عن محفوظ وذكريات طفولته المنطلقة إن الحياة كانت أكثر ذكاء من الجميع فقد منحته نفسها دون أن تؤذيه مدركة أنه سيرد لها الجميل وقد فعل عندما منحها في المقابل خياله ليحيطنا علما بما يحدث في الشوارع الخلفية والحارات التي يخفيها ضباب النسيان.
وأسعد ذكريات طفولة أديب نوبل المصري كانت عند ظهور عربة رش المياه في شوارع
الجمالية ودخول "سينما الكلوب المصري" ثم انتظار أبطال الأفلام التي يراها أمام باب السينما لأنه كان مقتنعا أنهم يخرجون من باب سري لا يعرفه أحد وفى كل مرة يعييه الانتظار فيتصور الطفل نجيب محفوظ أنهم يفضلون البقاء خلف ستار الشاشة.
وعلى العكس من طفولة نجيب محفوظ، يقول الكاتب الراحل سعد الدين وهبة عن نفسه "إنه لم يكن طفلا"، فيما أوضح أنه قرر منذ طفولته وسنوات دراسته الابتدائية أن يفكر ويقرأ ويكتب، ومع أنه يعترف بأنه لم يعش طفولته فإن هذا الكاتب المسرحي العظيم والمثقف الكبير يؤكد أن ذلك لم يسبب له ألما.
هذا كاتب ذكريات طفولته تكاد تخلو من اللعب وحتى عندما اتجه لكرة القدم في أيام الصبا قرر أن ينصب نفسه كمسؤول إداري للفريق دون أن يشارك أنداده اللعب، هل يمكن لطفل كهذا أن يلعب مع الذاكرة أو يقع في شراكها؟!.
وإذا كان نجيب محفوظ تذكر حبه الأول بكلمات غامضة في حديثه عن "فتاة قصر العباسية" فإن سعد الدين وهبة الذي لم يعش طفولته عرف بعد ذلك الحب لأول مرة أثناء دراسته الثانوية لفتاة يسميها "فتاة القطار"، حيث كانت تشاركه ركوب قطار الصباح في الإسكندرية وتعلق قلبه بها فإذا به يكتب فيها شعرا:"وما حب القطار قد شغفن قلبي..لكن حب من ركب القطار"!.
كان نجيب محفوظ يستمتع باختراق متاهة الزمن وكأن التفاصيل تعبر السنوات إليه ليسردها على مجالسيه وبقت "حكايات الفتوات" داخل ذاكرته فإذا به يستردها من طفولته ويحولها لروائع روائية كما هو الحال فى ملحمة "الحرافيش".
وفى كتاب صدر في مطلع القرن العشرين، تحدث هنري جيمس عن "شراك الذاكرة" في المشهد الأمريكي عندما زار الولايات المتحدة بعد غياب امتد عقدين ومضى يتجول في الشوارع التي عاش فيها وعرفها بنيويورك فإذا به يشعر برجفة لتغير الوجوه ومعالم المكان.
وهال هذا الروائي الأمريكي الذي حصل على الجنسية البريطانية يكتب بمداد المشاعر أن تتغير المدينة التي ولد بها إلى هذا الحد الكبير وأن يختفي أبناء الجيران الذين كان يلهو معهم في أيام الطفولة والصبا، كلما ذهب لمكان في مدينته الأثيرة يجده قد تغير بشدة واختفت العديد من معالمه التي عرفها من قبل فإذا بالذكريات تتحول إلى شراك.
وهنرى جيمس الذي ولد يوم الخامس عشر من ابريل عام 1843 وقضى في الثامن والعشرين من فبراير عام 1916 هو مؤسس ما يعرف بالمدرسة الواقعية في أدب الخيال وحدت أعماله البديعة بعديد من النقاد والأكاديميين المتخصصين في الدراسات الأدبية لاعتباره أحد أعظم سادة وأساتذة الحك والأنماط القصصية في العالم.
وبرع هنرى جيمس صاحب "جناحا اليمامة" و"تراجيديا الأخطاء" في روايات تصور حياة الأمريكيين في الخارج فيما كتب 24 رواية طويلة إلى جانب العديد من القصص والمسرحيات وترك الآلاف من الرسائل الأدبية.
واشتهر هنرى جيمس على وجه الخصوص بسلسلة من الروايات يصور فيها التلاقي بين
أمريكا وأوروبا كما تميز بتصوير الصراع النفسي الداخلي لشخصياته، فيما يقارن البعض أسلوبه في الكتابة بمدرسة الانطباعية في الرسم وكان مدافعا كبيرا عن حرية التعبير في الأدب والكتابة على وجه العموم.
كن اللافت في إبداعات وكتابات هنرى جيمس هذا الاهتمام غير العادي بالذاكرة وألاعيبها وشراكها ومفاجأتها عندما ينثال بغتة سيل من ذكريات دفنت طويلا، وقد يكون هذا الانفجار للذاكرة بلا سبب منطقي.
هل كان كبير الفلاسفة أرسطو على صواب عندما اعتبر أن الذاكرة التي هي مجموعات من الصور الذهنية يقوم الزمن بتركيبها معا إنما تنتمي كل مجموعة منها لجزء معين من الروح تماما كما أن كل مجموعة تنتمي لمنطقة بعينها في الخيال؟.
بالتأكيد الأماكن مرتبطة بلعبة الذاكرة كما يقول تشارلز سيميس حتى أن المرء قديستعيد رائحة مكان ما مر به منذ عشرات السنين كما حدث له في الصيف الأخير عندما مر بجوار بناية عاش فيها لفترة قصيرة مع زوجته في ستينيات القرن المنصرم ليستعيد رائحة دخان غامض في هذا المكان وأجراس إنذار من الحرائق تدوى بصورة متكررة والسكان يهرعون كل مرة خارج البناية دون أن يندلع أبدا أي حريق.
أما نجيب محفوظ صاحب "اصداء السيرة الذاتية" فقد تحدث عن اللعب مع رفاق طفولته فىميدان باب القاضى وعدم الاقتراب من "درب قرمز" إلا عندما يخلو الميدان من الاثارة"فيتجهون للدرب باحثين عن العفاريت التى كانوا يعتقدون أنها كانت تصل إليه منخلال البابين اللذين يؤديان لسور القاهرة"!. ذاكرةمحفوظ تجول فى دروب لاترى..دروب ساحرة.
إنها الذاكرة عندما تتدفق لتمزج الواقع بالخيال وتجمل الأيام وتكسر الصمت المكبل،فشكرا للذاكرة فقد اضاءت من الدرب ماكفى!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.