فى مشهد يعكس تعقيدات العلاقة بين جماعة الإخوان الإرهابية وتركيا فى الفترة الأخيرة، ألقت السلطات التركية القبض على ثلاثة شباب من العاملين فى قنوات الجماعة بعدما حاولوا اقتحام القنصلية المصرية فى إسطنبول، فى أعقاب ما روجته الجماعة لأكاذيب تتعلق بغلق مصر لمعبر رفح. الخطوة التركية فى نظر الخبراء والمراقبين لا تمر مرور الكرام، لأنها تعد بمثابة تقديم «كود جديد للإرهاب»، عبر تصنيف الواقعة تحت بند «الإرهاب»، مما يفتح الباب أمام دلالات سياسية وأمنية عميقة، ويطرح تساؤلات حول مستقبل وجود الإخوان على الأراضى التركية.. وبينما تتصاعد دعوات شباب الجماعة للتظاهر والضغط على قياداتها للإفراج عن المقبوض عليهم، يطفو على السطح سؤال جوهرى: هل أدرك هؤلاء الشباب أن القيادات تدفعهم إلى الهلاك وتستغلهم كورقة ضغط سياسية وإعلامية؟ وأن الجماعة لا تمانع فى التضحية بهم لتحقيق أهداف خبيثة ومصالح لأجندات إقليمية متعددة؟ اقرأ أيضًَا | سقوط الإخوان في 2025.. تسريبات تفضح فساد الجماعة وعلاقاتها المشبوهة هل باتت تركيا، التى كانت ملاذًا آمنًا لهم، فى طريقها للتخلى عنهم بعدما وضعت محاولتهم فى خانة الإرهاب، وأدركت أن جماعة الإخوان الإرهابية باتت خطرا على أمن تركيا ومصالحها فى المنطقة؟ فى البداية تقول د. نهى بكر أستاذة العلوم السياسية إن إلقاء السلطات التركية القبض على ثلاثة شبان يعملون فى قنوات جماعة الإخوان الإرهابية بعد اتهامهم بالتخطيط لاقتحام القنصلية المصرية، يمثل خطوة فارقة فى مسار العلاقات التركية المصرية وأن تصنيف القضية تحت «كود إرهاب» يعكس جدية أنقرة فى التعامل مع الحادثة باعتبارها تهديداً مباشراً لأمنها الدبلوماسى، ورسالة واضحة بعدم السماح باستغلال أراضيها لأعمال غير قانونية تستهدف بعثات دبلوماسية. وأضافت أن هذه الخطوة تعد إشارة تقارب تركى مصرى واضحة، وتؤكد توجه أنقرة نحو إعادة تطبيع علاقاتها مع القاهرة، بما يعنى تضييق الخناق على نشاط الجماعة الذى كان يستخدم سابقاً كورقة ضغط سياسية. وأشارت بكر إلى أن التوقيف يمثل رسالة تحذير لقيادات الجماعة، بأن النشاط المعادى لمصر لن يمر دون حساب، وهو ما يضعهم أمام خيارين إما مراجعة خطابهم أو مواجهة المزيد من العزلة. وأضافت د. نهى بكر أن هناك نمطاً متكرراً لاستغلال القيادات للشباب عبر تجنيدهم للمخاطرة، حيث يتم حشدهم للقيام بأعمال خطيرة مثل اقتحام السفارات لخدمة أجندة الجماعة، بينما تبقى القيادات فى الخلفية، وأوضحت أن التضحية بالعناصر عند الضرورة باتت سلوكاً متكرراً، إذ تتردد القيادات فى التدخل الفعال لإطلاق سراحهم، وتكتفى باستخدام الحملات الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعى كبديل عن الإجراءات الدبلوماسية أو القانونية الجادة، وهو أسلوب سبق استخدامه فى قضايا مشابهة. وأكدت أن بوادر وعى بدأت تظهر بين الشباب المنتمين للجماعة، حيث دعا بعضهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية أمام منازل قادة الإخوان للضغط عليهم للتدخل لإطلاق سراح المتهمين. وقالت إن هذه الخطوة غير المسبوقة تشير إلى تصدع فى الثقة بين القاعدة والقيادة، وإدراك متزايد بأنهم يستخدمون كأدوات قابلة للتضحية، مما قد يفتح الباب أمام صراع داخلى. وفيما يخص تصنيف المحاولة تحت «كود إرهاب»، أشارت استاذ العلوم السياسية إلى أن هذا التصنيف رفع سقف التهمة من مجرد مخالفة أمنية إلى جريمة إرهابية، وهو ما يترتب عليه عقوبات أشد وإجراءات تحقيق أوسع، فضلاً عن تقييد حركة الجماعة داخل تركيا وخارجها. وقال العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولى وحرب المعلومات إن السلطات التركية نجحت بالتنسيق الوثيق مع الجهات الأمنية المصرية فى إحباط محاولة اقتحام القنصلية المصرية فى إسطنبول، والقبض على ثلاثة عناصر محسوبة على جماعة الإخوان قبل تنفيذ المخطط. وأضاف صابر أن الواقعة تؤكد أن ما جرى لم يكن تحركا عفويا أو احتجاجا عابرًا، بل محاولة منظمة جرى التعامل معها بمنطق العمل الاستخباراتى الاستباقى. وأشار إلى أن التحرك السريع من جانب الأجهزة التركية، مدعوما بتبادل معلومات دقيق مع الجانب المصرى، أسهم فى تحييد التهديد قبل تحوله إلى فعل ميدانى قد يعرض البعثات الدبلوماسية للخطر ويخل بالأمن العام، وأضاف أن هذا النوع من التنسيق لا يقتصر على إجراءات ضبط تقليدية، بل يعكس تكتيكات متقدمة فى مكافحة الإرهاب العابر للحدود، حيث يتم منع الخطر قبل وقوعه. وأكد صابر أن أهمية الواقعة تكمن فى أنها تعكس تحول الإجراءات الأمنية من رد الفعل إلى المنع، عبر قراءة مبكرة للمؤشرات ورصد الشبكات المحرضة وتجفيف مسارات التحرك قبل بلوغ نقطة الصدام كما أوضحوا أن حماية المنشآت الدبلوماسية لم تعد شأنًا محليًا منفصلًا، بل مسؤولية مشتركة تتطلب تعاونا استخباراتيًا عابرًا للحدود فى مواجهة تنظيمات عابرة للحدود. وقال إن ما حدث فى إسطنبول يمثل نموذجًا ناجحًا للعمل الوقائى الذى يفشل المخططات فى مهدها، ويبعث برسالة واضحة مفادها أن استهداف البعثات الدبلوماسية خط أحمر، وأن التنسيق الأمنى الفعال قادر على تحويل التهديد إلى ملف مغلق قبل أن يتحول إلى أزمة. وأشار خبير مقاومة الإرهاب الدولى وحرب المعلومات إلى أن نجاح العملية يؤكد أيضًا أن مواجهة الإرهاب لم تعد تقتصر على ملاحقة العناصر بعد ارتكاب الجريمة، بل باتت تقوم على بناء منظومات إنذار مبكر قادرة على قراءة التحركات المشبوهة ورصدها فى طور التخطيط. وأكد أن التعاون الاستخباراتى بين الدول الصديقة يشكل خط الدفاع الأول عن الاستقرار، وأن حماية البعثات الدبلوماسية هى جزء من حماية السيادة الوطنية والشرعية الدولية، وبالتالى فإن الرسالة التى خرجت من هذه الواقعة هى أن أى محاولة لاستهداف الرموز الرسمية ستواجه بحزم قبل أن تتحول إلى تهديد فعلى. الإعلامى حسام الغمرى الباحث فى شئون الجماعات المتطرفة أشاد بخطوة الحكومة التركية تصنيف المقبوض عليهم تحت كود إرهاب وهو ما ينقل ملفهم من إدارة الهجرة إلى الملف الأمنى. وأوضح الغمرى أنه من المتوقع أن يتم على الأقل مطالبة المقبوض عليهم بمغادرة الأراضى التركية أو إلغاء جنسيتهم التركية إذا كانوا قد حصلوا عليها نظرا لمخالفتهم شروط الحصول عليها. وأكد أن استهداف عناصر الإخوان للسفارة المصرية الفترة الماضية فى أوروبا لا يمكن اعتباره حرية رأى، وأشار إلى وجود فيديوهات توثق محاولات اقتحام ووضع أقفال على أبواب السفارات وأن أحد المشاركين فى الهجوم ظهر لاحقا كضيف فى التليفزيون الإثيوبى ليمدح سد النهضة ويحاول النيل من السد العالى. وأوضح الغمرى أن الجماعة روجت لادعاءات إسرائيلية كاذبة بأن مصر هى من تحاصر غزة، وقال إن ذلك يخدم الأجندة الإسرائيلية ويصرف الأنظار الدولية عن المطالبة بفك الحصار الإسرائيلى. وأشار إلى أن العلاقات المصرية التركية استراتيجية وتاريخية وأن التوتر الأخير مجرد استثناء لا ينفى القاعدة الراسخة. وأشار الغمرى إلى أن تحركات الجماعة خارج مصر لم تعد مجرد نشاط سياسى بل تحولت إلى أدوات ضغط تخدم أجندات إقليمية ودولية، وقال إن هذه التحركات تكشف عن تنسيق غير معلن بين أطراف تسعى لإضعاف الموقف المصرى فى ملفات حيوية مثل قضية المياه والأمن القومى، وأوضح أن ذلك يفرض على الدولة المصرية متابعة دقيقة لهذه الأنشطة والتعامل معها باعتبارها تهديدا مباشرا للاستقرار الوطنى. أما د. حسام النحاس أستاذ الإعلام بجامعة بنها والخبير الإعلامى فأشار إلى ضرورة وقف مصادر الأذرع الإعلامية للجماعة، مضيفا أن التعامل الأمنى مع هؤلاء الأشخاص أمر ضرورى لأن لديهم أحكاماً جنائية. وأكد النحاس أنه يجب حظر وجودهم على الأراضى التركية وطردهم خارج البلاد، وأضاف أن الدولة المصرية ليست فى حاجة لهؤلاء الأشخاص. مشيرا إلى أن هذه العناصر تنتمى لجماعات إرهابية تمارس أعمالاً عدائية وتخريبية فقد شاركوا سابقاً فى محاولات اقتحام السفارات المصرية بالخارج بعد نشر الأكاذيب والشائعات ضد الدولة المصرية ومؤسساتها. وأوضح النحاس أن العلاقات المصرية التركية حالياً جيدة، وأشار إلى ضرورة إدراك الأمن التركى لخطورة وجود هذه العناصر التخريبية على السلم العام فى تركيا نفسها مطالبا بوقف القنوات الإعلامية التى تبث من الخارج وتسليم الأشخاص الصادر بحقهم أحكام جنائية أو طردهم حفاظاً على المصالح الاستراتيجية بين البلدين. واستطرد النحاس أن هذه العناصر لا تكتفى بالتحريض الإعلامى وإنما تسعى إلى خلق حالة من الفوضى ووجودهم فى تركيا يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومى التركى والمصرى وأضاف أن استمرار نشاطهم الإعلامى يضر بالعلاقات الثنائية ويعطى مساحة لنشر خطاب عدائى ضد مؤسسات الدولة. وأكد أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تعاوناً أمنياً وقانونياً شاملاً بين البلدين لضمان استقرار المنطق، مشيرا إلى أن بعضهم يسعى لتوظيف القضايا الإقليمية كغطاء لنشاطهم التخريبى، وهذه الممارسات لا تهدد مصر وحدها بل تمثل خطراً على استقرار المنطقة بأكملها، والتصدى لهم يتطلب موقفاً حاسماً من الدول التى تستضيفهم حتى لا تتحول أراضيها إلى منصات للتحريض والفوضى.