يُعد مفهوم «الاتزان الاستراتيجى»، الذى أرساه الرئيس عبد الفتاح السيسى، نقلة نوعية فى صياغة السياسة الخارجية المصرية، حيث يعكس استجابة واعية لتحولات دولية متسارعة تتسم بتعدد مراكز القوى، وتراجع أنماط الاستقطاب التقليدي، وتزايد التشابك بين الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية، ويأتى إصدار وزارة الخارجية للكتاب الأبيض حول هذا المفهوم ليسلط الضوء على التجربة المصرية ويحولها من ممارسة سياسية لرؤية استراتيجية. ويرتكز الاتزان الاستراتيجى لمصر على معادلة دقيقة تجمع بين حماية المصالح الوطنية وتنويع دوائر الشراكة، دون الانخراط فى تحالفات صفرية أو الارتهان لمحاور متصارعة، ويظهر ذلك بوضوح فى قدرة الدبلوماسية المصرية على التحرك المتوازى داخل الدوائر العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الكبرى، بما يمنح مصر هامشًا واسعًا للمناورة ويعزز من مكانتها التفاوضية. وتكشف قراءة مضمون الكتاب، عن إدراك مصرى متقدم لطبيعة التحديات المعاصرة، حيث لم تعد السياسة الخارجية محصورة فى الملفات السياسية والأمنية فحسب، بل امتدت لتشمل الدبلوماسية الاقتصادية والبيئية، ودعم مسارات التنمية، والمشاركة الفاعلة فى إدارة الأزمات الإقليمية والدولية ومكافحة الإرهاب، كما يعكس هذا النهج المتزن، قدرة مصر على الجمع بين الاستقرار الداخلى والتأثير الخارجي، وهو ما جعلها فاعلًا رئيسيًا فى جهود التهدئة ومنع تفاقم الصراعات فى محيطها الإقليمي. أخيرًا.. يؤكد هذا الاتزان الاستراتيجي، أن السياسة الخارجية المصرية تقوم على رؤية طويلة المدى، تتجاوز ردود الفعل الآنية، وتسعى لترسيخ دور مصر كقوة استقرار وتوازن فى نظام دولى يشهد إعادة تشكيل مستمرة وصراعات وأزمات وأوضاع لم يسبق لها مثيل، ومما لا شك فيه، أن الاتزان الاستراتيجى من شأنه تعزيز مكانة مصر كفاعل مؤثر فى النظام الدولى.