تقرير: داليا فهمى التراث المصرى ثرى ثراء يليق بدولة عمرها يمتد فى جذور الإنسانية لأكثر من 7 آلاف سنة على أقل تقدير، والمطبخ المصرى بتاريخه وأطباقه يمثل جزءا أصيلا من هذا الثراء، لذا فليس مستغربا أن يتم إدراج «الكشرى المصرى» فى إنجاز ثقافى جديد على القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادى للإنسانية لعام 2025، ليصبح أول طبق مصرى يحظى بهذا الاعتراف الدولى فى خطوة تعكس تقدير المجتمع الدولى للممارسات الثقافية المرتبطة بالحياة اليومية للشعوب، واعتبارها جزءًا أصيلًا من التراث الإنسانى المشترك.. لكن التراث المصرى مليء بالأطباق المشابهة، فماذا بعد الكشرى ؟ لا تزال بعض الأكلات المصرية الأصيلة مثل «الملوخية» و«الطعمية» على وجه الخصوص تتعرض لمناوشات من بعض جماهير الدول الصديقة والشقيقة خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، تدعى أن الملوخية مثلا تم استخدامها كطبق تراثى فى اليابان، أو أن الفلافل أو الطعمية لها جذور فى مطابخ دول الشام خاصة فلسطين والأردن وسوريا، ودخل الصهاينة على الخط مدعين أن الطعمية استخدمت فى المطبخ اليهودى قبل مئات السنين!!، لذا فمن المنتظر أن تشهد الخطوات القادمة نيرانا صديقة وجهدا أكبر للجانب المصرى فى إثبات الحقوق التاريخية للأطباق المصرية الأصيلة. الولع بالكشرى لم يقتصر على المصريين فقط، بل صار ولعا عالميا أكدته عشرات الفيديوهات والصور التى صورت الأمراء والوزراء والسفراء وكبار المسئولين وهم يستمتعون بتناول الأكلة المصرية الشهيرة وخاصة فى مطعم شهير بوسط البلد الذى صار مقصدا لأغلبيتهم، وحرص بعضهم على إعداد طبقه بنفسه متقمصا أدوار الطهاة داخل المطعم، وهو ما ساعد على الترويج للطبق وانتشاره عالميا. من جهتها كشفت الدكتورة نهلة إمام، مستشار وزير الثقافة للتراث الثقافى غير المادى، أن ملف تسجيل الكشرى على قائمة «اليونسكو» خضع لمعايير دقيقة كان لا بد من استيفائها بالكامل، مشيرة إلى أن وزارة الثقافة عملت على إعداد الملف على مدار عامين متواصلين، وأوضحت أن مصر قدمت جميع المتطلبات اللازمة وفى مقدمتها موافقات المجتمع المحلى، إلى جانب مواد توثيقية شملت أفلام فيديو، مع ملء الاستمارة الخاصة بالملف وشرح كل معيار بالتفصيل بما يعكس القيمة الثقافية للكشرى بوصفه عنصرًا معبرًا عن الهوية المصرية.. وأضافت أن الملف مر بثلاثة اجتماعات تقييمية سرية قبل عرضه على لجنة مختصة فى الهند للتصويت النهائى على إدراجه ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادى.. وأشارت إلى أن هذا الملف يُعد الرقم 11 لمصر، ليصبح الكشرى العنصر الحادى عشر المسجل باسمها على قائمة «اليونسكو»، لافتة إلى أن مصر سبق أن سجلت عناصر عدة، من بينها التحنيط، والأراجوز، والحرف اليدوية، والنسيج اليدوى، والنقش على المعادن، وفنون الخط العربى، إلا أنه لم يكن هناك أى عنصر غذائى مسجل من قبل، ليأتى الكشرى ممثلًا للطعام والمطبخ المصرى على الساحة الدولية. وأكدت أنه لم تواجه مصر أى تحديات أو اعتراضات خلال إجراءات التسجيل، مشيرة إلى أن وفودًا من 185 دولة تذوقت الكشرى، ما عكس انتشاره وقبوله عالميًا. وحول الخطوات المقبلة، أوضحت أن تسجيل «الطعمية الفلافل» قد يكون مطروحًا مستقبلًا ولكن بعد عام، مع تفضيل الاتجاه لاحقًا إلى تسجيل ممارسات ثقافية طبيعية بعيدة عن المأكولات. وتاريخيًا، نشأ الكشرى كمزيج ثقافى يعكس تفاعل المجتمع المصرى مع ثقافات وافدة، حيث جمع بين الأرز والعدس والمكرونة، وهى مكونات دخلت مصر فى فترات زمنية مختلفة، قبل أن يُعاد تشكيلها محليًا بإضافة الصلصة الحمراء والبصل المحمّر، ليصبح رمزًا للبساطة والابتكار الشعبى. وتجاوز الكشرى كونه مجرد طعام شعبى ارتبط بالحياة اليومية وظهر فى الأدب والسينما بوصفه تعبيرًا صادقًا عن الشارع المصرى وثقافته، ومشهدًا يجمع مختلف الطبقات الاجتماعية دون تمييز، كما أسهم الانتشار الواسع لمطاعم الكشرى داخل مصر وخارجها فى ترسيخ مكانته كطبق يحمل هوية ثقافية واضحة، خاصة مع وصوله إلى عواصم عربية وأجنبية، ليقدم كأحد أبرز رموز المطبخ المصرى التقليدى.