في إطار فعاليات المؤتمر السنوي الخامس والعشرين للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، عقد المركز الجلسة الثانية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي وحوكمة البحوث الاجتماعية»، في صورة ورشة عمل علمية، برئاسة الأستاذة الدكتورة نجوى خليل، أستاذ الإعلام بالمركز ووزيرة التضامن الاجتماعي الأسبق ورئيسة المركز الأسبق. اقرأ أيضا| تفاصيل انعقاد المؤتمر السنوي 25 للمركز القومي للبحوث وتناولت الجلسة التحولات الجذرية التي فرضها الذكاء الاصطناعي على منظومة البحث العلمي في العلوم الاجتماعية، من خلال عرض ورقة بحثية مشتركة قدمها الأستاذ الدكتور وليد رشاد زكي، أستاذ علم الاجتماع بالمركز، والدكتور خالد كاظم أبو دوح، أستاذ مساعد علم الاجتماع بجامعة سوهاج، حيث استعرضت الورقة التأثير المتنامي للتقنيات الذكية على جميع مراحل البحث العلمي، بدءًا من اختيار الإشكاليات البحثية وصياغة الفرضيات، مرورًا بجمع البيانات وتحليلها وتفسيرها، وصولًا إلى النشر العلمي. وأكدت الورقة أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية مساندة، بل تحول إلى واقع معرفي يفرض مراجعة شاملة للأطر المنهجية والأخلاقية الحاكمة للبحث الاجتماعي، مشيرة إلى ما يتيحه من فرص كبيرة لتحسين جودة البحوث، وتعزيز القدرات التحليلية، واكتشاف الأنماط الاجتماعية المعقدة، ودعم صناعة السياسات العامة القائمة على الأدلة العلمية. وفي المقابل، حذرت الورقة من التحديات المصاحبة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وفي مقدمتها التحيز الخوارزمي، وغياب الشفافية في تفسير النتائج، ومخاطر انتهاك الخصوصية، وإنتاج محتوى مضلل، بما قد يهدد نزاهة البحث العلمي ومصداقيته. وشددت المناقشات على أهمية حوكمة استخدام الذكاء الاصطناعي في البحوث الاجتماعية، من خلال تبني مقاربات متعددة التخصصات تدمج بين العلوم الاجتماعية والتقنية والقانونية، وترسيخ مبادئ المسؤولية والشفافية والمساءلة، مع التأكيد على الدور المحوري للمؤسسات البحثية والجامعات ودور النشر في وضع ضوابط واضحة لاستخدام هذه التقنيات. وفي هذا السياق، أُعلن عن تدشين مؤلف علمي يضم مجموعة من القواعد التنظيمية لعمليات البحث العلمي وقواعد النشر والتأليف، يُهدى إلى الباحثين في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية، بهدف تنظيم وضبط استخدام الذكاء الاصطناعي داخل الحقل البحثي. وشهدت الجلسة مداخلات علمية موسعة من عدد من الخبراء، من بينهم الأستاذ الدكتور بهاء درويش، أستاذ الفلسفة بجامعة المنيا ونائب رئيس اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا باليونسكو، والدكتورة أميرة تواضروس، أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وعضو مجلس الشيوخ، إلى جانب نخبة من الأكاديميين وصناع القرار. وأسفرت الجلسة عن مجموعة من التوصيات، أبرزها التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي لا يُعد مؤلفا للمحتوى البحثي، وأن المسؤولية الكاملة عن أصالة ودقة المعلومات تقع على الباحث البشري، مع ضرورة الإفصاح عن أي استخدام لأدوات الذكاء الاصطناعي وتوثيقها بدقة. كما شددت التوصيات على دور المؤسسات الأكاديمية ودور النشر في ضمان التدقيق العلمي الصارم، وضرورة بقاء عمليات التحكيم والمراجعة تحت إشراف بشري كامل، ورفض الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إعداد تقارير التحكيم. ودعت الورشة إلى إعداد أطر وطنية وعربية لحوكمة البحوث الاجتماعية، وتقييم دوري للأثر الاجتماعي لقواعد استخدام الذكاء الاصطناعي، وتعديل التشريعات المنظمة للعمل الجامعي، وتبادل الخبرات إقليميا ودوليا، بما يضمن تحقيق التوازن بين تعظيم فوائد الذكاء الاصطناعي وتقليل مخاطره، مع توجيه البحث العلمي منذ بدايته لخدمة صانع القرار وإنتاج سياسات قائمة على المعرفة.