فى كل لحظة يمرّ فيها الوطن بمنعطف جديد تتجدد الأسئلة القديمة... من يصنع وعى الآخر؟ هل الدولة تُشكّل وعى المواطن؟ أم أن المواطن هو الذى يفرض وعيه على الدولة؟ الحقيقة أن العلاقة لم تعد أحادية ، ولا يسع أحدهما أن يتقدم دون الآخر ولا أن ينجو وحده فى زمن تتغير فيه الخرائط أسرع مما تُكتب التقارير. الدولة تصنع السياسات ترسم المسار تبنى المؤسسات وتقدم ما بوسعها لتثبيت أركان الاستقرار. لكنها مهما بلغت قوتها لا تستطيع أن تُلزم الناس بنظرة واحدة للعالم. فوعى المواطن اليوم أكثر جرأة أكثر اتصالا وأكثر قدرة على التأثير من أى وقت مضى. فهو لم يعد مجرد متلق بل شريك فى تشكيل المزاج العام وحارس لقيم المجتمع ومحرك للإرادة الشعبية حين تشتد اللحظات أو تعلو التحديات. وفى المقابل... لا يستطيع المواطن أن يصوغ وعيه بمعزل عن الدولة. فهى الحاضنة التى توفر المساحة الآمنة للنقاش والمظلة التى تنظم الصراع الاجتماعى، والإطار الذى يمنح الوعى اتجاها ومعنى. فلا وعى ينمو فى فراغ ولا رأى يكتمل بلا سياق ولا مجتمع يزدهر بلا دولة تحمى وتدير وتوازن. إن العلاقة بين الطرفين لم تعد صراعا على من يؤثر فى الآخر بل أصبحت شراكة تُبنى على عنصر واحد: الثقة. ثقة الدولة فى وعى الناس وثقة الناس فى نوايا الدولة. وكلما زادت تلك الثقة اتسعت مساحة الفهم المشترك وتعززت القدرة على مواجهة الأزمات وارتفع مستوى الوعى الجمعى الذى ينهض بالأوطان. اليوم، نحن بحاجة إلى وعى يُصنع من عقلين: عقل الدولة الذى يقرأ المستقبل، وعقل المواطن الذى يرى التفاصيل. وعى لا يتشبث بالماضى ولا يخشى الجديد ولا يترك الساحة للضجيج أو الشائعات. وعى يعرف أن البناء الحقيقى يبدأ عندما يدرك كل طرف أنه ليس خصما، ولا منافسا، بل شريكا فى عبور الوطن إلى غد أقوى وأوسع أملا. هكذا فقط... يُصنع الوعى الذى يليق بمصر ، دولة وشعبا... وعملا ومستقبلا.