بدأت فيتنام تتجه خلال الأشهر الأخيرة إلى إعادة هندسة سياستها الخارجية عبر توسيع دوائر شراكاتها خارج نطاق المحيطين الهندي والهادئ. ووفقًا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، تتحرك هانوي بخطوات محسوبة لتخفيف اعتمادها على واشنطنوبكين معًا، في وقت تتصاعد فيه رهانات الجغرافيا السياسية وتزداد مخاوف القوى المتوسطة من الانجراف إلى قلب الصراع بين العملاقين. التحركات الجديدة من عقد شراكات مع دول بعيدة جغرافيًا وصولًا إلى توسع غير مسبوق في الاتفاقات الاستراتيجية تعكس هواجس فيتنام المتنامية من تأثير التوترات الكبرى على أمنها القومي ومسار صعودها الاقتصادي. اقرأ أيضًا: فيتنام تبحث عن مفقودين مع بلوغ حصيلة الفيضانات 55 قتيلا شراكات جديدة خارج المحيطين أفادت «فورين بوليسي» أن فيتنام رفعت مستوى شراكاتها مع عدة دول، كذلك جنوب أفريقيا بعد جولة قام بها رئيس الوزراء فام منه تشينه في نوفمبر. ورغم أن هانوي اعتادت تحديث علاقاتها دوريا، إلا أن هذا التوجه يحمل دلالة أوسع في ظل المناخ الجيوسياسي الحالي. وأوضحت مصادر دبلوماسية أن هذه أول مرة تتجه فيها فيتنام بهذا الزخم نحو دول أفريقية وشرق أوسطية، ما يشير إلى استراتيجية واضحة لتنويع التعاون الاقتصادي والسياسي، وتقليل الاعتماد على الولاياتالمتحدةوالصين في ملفات الأمن والتجارة. دبلوماسية حذرة قبل مؤتمر الحزب الشيوعي تستعد فيتنام الشهر المقبل لمؤتمر الحزب الشيوعي، الذي يعقد كل خمس سنوات، لاعتماد تغييرات محتملة في القيادة ووضع خطط السياسة العامة. وضمن هذا الإطار، تبنى الحزب شعارًا جديدًا يصف الدبلوماسية بأنها ركيزة "أساسية ومتكررة" في حماية المصالح الوطنية. وأوضحت المجلة، أن القيادة الفيتنامية تعتبر أن الأمن القومي يعتمد بشكل وجودي على دبلوماسية فعالة، خصوصًا في ظل احتدام المنافسة بين بكينوواشنطن، وما قد يسببه ذلك من اضطراب إقليمي يضر بمصالح هانوي الحيوية. من آسيا إلى العالم.. توسع غير مسبوق بالشراكات الاستراتيجية أفادت المجلة، بأن فيتنام انضمت في يونيو إلى مجموعة «بريكس» كشريك، في خطوة غير معتادة لأنها نادرًا ما تشارك في تكتلات خارج رابطة «آسيان». وهدف هذه الخطوة هو فتح قنوات اقتصادية جديدة بعيدًا عن نفوذ القوى الكبرى. كما توسعت قائمة الشراكات الاستراتيجية الشاملة لهانوي لتشمل 14 دولة، بعدما كانت محصورة في الصين والهند وروسيا فقط خلال الفترة بين 2008 و2016. وبدءًا من 2022، عقدت فيتنام اتفاقات استراتيجية مع الولاياتالمتحدة، وأستراليا، وفرنسا، واليابان، وكوريا الجنوبية، ومؤخرًا المملكة المتحدة. ويشير هذا التوسع إلى سعي فيتنام لتقليص اعتمادها على الصين دون خسارتها، وفي الوقت نفسه الحفاظ على مسافة آمنة من النفوذ الأمريكي. بين واشنطنوبكين.. توازن دقيق وتعايش اضطراري أفادت «فورين بوليسي»، بأن فيتنام تواصل لعب ورقة "تنويع العلاقات" مع إبقاء قنوات التعاون مفتوحة مع القوى الكبرى. فبرغم رغبتها في الإفلات من فخ الصراع الأمريكي الصيني، أجرت لأول مرة تدريبات عسكرية مشتركة مع الصين في يوليو، رغم أن سياستها الدفاعية عادة تمنع ذلك. وفي المقابل، اتفقت هانوي وواشنطن خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث على تعزيز التعاون الدفاعي في مجالات تشمل التدريب المشترك، والطب العسكري، والإغاثة، والصناعة الدفاعية والأمن السيبراني. وأكد محللون، أن فيتنام متمسكة بشعارها التقليدي: "المزيد من الأصدقاء، وعدد أقل من الأعداء"، لتجنب الانحياز القاطع لأي قوة كبرى. طموحات عصر الصعود الوطني.. نفوذ متزايد في آسيا تسمي القيادة الفيتنامية السنوات الخمس المقبلة ب"عصر الصعود الوطني"، في إشارة إلى خطط تسريع النمو والتحديث والابتكار. ويشكل هذا النشاط الداخلي قاعدة للتوسع الخارجي، إذ ترى هانوي أن تعزيز قوتها الاقتصادية سيمنحها قدرة أكبر على المناورة سياسيًا. وبحسب مؤشر «لوي» لقوة آسيا لعام 2025، حققت فيتنام ثاني أكبر قفزة من بين 27 دولة، وأصبحت ضمن أقوى 12 دولة في المنطقة، ما يعزز موقعها كقوة متوسطة صاعدة. تحديات أمام واشنطن.. كيف تتعامل إدارة ترامب مع فيتنام؟ أشارت المجلة، إلى أن التطورات الأخيرة قد تضع إدارة ترامب أمام معضلة في التعامل مع فيتنام. فبرغم رغبة هانوي في تعاون دفاعي أكبر مع واشنطن، إلا أنها قد تُبقي هذا التعاون محدودًا لتجنب الاعتماد على الولاياتالمتحدة. وخلال العام الجاري، فرضت واشنطن رسومًا جمركية وصلت إلى 46% على واردات فيتنام قبل تخفيضها لاحقًا إلى 20%، ما أزعج هانوي وفتح الباب لتعزيز علاقتها ببكين كقوة موازية. وترى «فورين بوليسي»، أن أحد الحلول أمام الولاياتالمتحدة هو العمل مع فيتنام عبر حلفائها المقربين مثل أستراليا واليابان والهند وسنغافورة، خاصة وأن هذه الدول موجودة في قائمة تنويع هانوي. كما أن المنافسة بين واشنطنوبكين ستظل في مقدمة حسابات فيتنام، وأن هانوي ستستمر في تعديل سياساتها وفق تقلبات هذه المنافسة. وعلى الرغم من محاولاتها توسيع خياراتها الدبلوماسية، ستبقى فيتنام تحت ضغط التوازن الصعب بين القوتين الكبريين، مستندة إلى استراتيجية تنويع مرنة تحميها من الانجرار الكامل إلى أحد الطرفين.