انقلابات عسكرية غيّرت موازين القوى في النيجرومالي وبوركينا فاسو، هذه الدول الثلاث التي كانت ضمن أهم شركاء فرنسا والغرب في مكافحة الإرهاب، اتخذت مسارًا جديدًا يقوم على إنهاء الوجود العسكري الفرنسي، والاقتراب من روسيا، وتأسيس تكتل إقليمي خاص بها، وذلك حسبما ذكرت رويترز. ومع إعلان "تحالف دول الساحل" والدعوات إلى بناء جبهة دفاعية واقتصادية مشتركة، يبرز سؤال محوري: هل نحن أمام ولادة محور جديد في غرب أفريقيا؟ جذور التحول... لماذا انقلبت دول الساحل على نفوذ الغرب؟ فشل المقاربة الأمنية الغربية ، رغم وجود آلاف الجنود من فرنسا والولايات المتحدة، لم تنجح الجهود الدولية في وقف تمدد الجماعات المسلحة ، والمواطنون فقدوا الثقة في النموذج الأمني الغربي، مما مهّد الطريق لانقلابات عسكرية ترفع شعار "السيادة أولًا". تصاعد الشعور المناهض لفرنسا ، اتُّهمت باريس بالتحكم في الموارد والقرارات السياسية، وبأن وجودها العسكري لا يخدم إلا مصالحها ، هذا المناخ ولّد رغبة شعبية في "القطيعة". مالي كانت أول من طلب دعم مجموعة "فاغنر"، ثم بدأت النيجر وبوركينا فاسو اتباع نهج مشابه ،هذا التحول فتح الباب أمام علاقة جديدة مبنية على الدعم العسكري المباشر مقابل النفوذ السياسي. إعلان محور جديد... تحالف دول الساحل كما أكدت روتيرز أن في 2023–2024 أعلنت ماليوالنيجر وبوركينا فاسو تأسيس تحالف عسكري أمني مشترك، ثم تطور لاحقًا ليشمل تعاونًا اقتصاديًا وتنسيقًا في مواجهة الضغوط الغربية والإقليمية ، وأهداف التحالف الدفاع المشترك ضد أي تدخل خارجي ، وتحرير القرار السياسي من النفوذ الفرنسي ، وتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب بعيدًا عن الهياكل الغربية وإحياء التكامل الاقتصادي عبر تبادل السلع والطاقة والمعادن ، وإقامة نموذج حكم مستقل يعتمد على الأنظمة العسكرية الانتقالية. انعكاسات التحالف على خريطة النفوذ في غرب أفريقيا تراجع الدور الفرنسي بشكل غير مسبوق ، وخروج القوات الفرنسية من مالي ثم بوركينا فاسو وأخيرًا النيجر يمثل انهيارًا استراتيجيًا لنفوذ باريس في منطقة كانت تاريخيًا حديقتها الخلفية ، وصعود النفوذ الروسي فموسكو باتت اللاعب الأبرز في تسليح وتدريب جيوش الساحل ، والتحالف الجديد يعتبر روسيا "الضامن الأمني" في مواجهة الإرهاب والضغوط الدولية. اقرأ أيضا : الخارجية الروسية تحذر من محاولات الاستيلاء على الأصول السيادية في الغرب توتر مع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إكواس) التحالف الثلاثي دخل في مواجهة سياسية مع "إكواس" بسبب التهديدات بفرض عقوبات، بل إن الدول الثلاث أعلنت رسميًا انسحابها من المنظمة، في خطوة تعيد تشكيل الخريطة الإقليمية ، المحور الجديد يعتمد على تكثيف العمل العسكري المحلي ورفض الوصاية الدولية ،ربط السلام بالأمن والموارد لا بالمفاوضات الغربية. التحديات التي قد تعرقل ولادة المحور الجديد رغم الخطاب القوي، تواجه دول التحالف صعوبات كبيرة أزمات اقتصادية خانقة ، فشعوب الساحل تعاني من الفقر والبطالة وانكماش التجارة بعد إغلاق الحدود وضعف البنية المؤسسية ،والأنظمة العسكرية تفتقر للخبرة الإدارية والقدرة على إدارة اقتصاد معقد مثل النيجر أو بوركينا فاسو. تصاعد الهجمات الإرهابية رغم التعاون الأمني، لا يزال تنظيمات ارهابية تنفذ عمليات واسعة في الحدود المشتركة ، والاعتماد الكبير على الدعم الروسي ، ما قد يخلق شكلًا جديدًا من التبعية إذا لم يتم تطوير بنية أمنية وطنية مستقلة. اقرأ أيضا :بوركينا فاسو تلغي رسوم تأشيرة الدخول للأفارقة إن ما يحدث في النيجرومالي وبوركينا فاسو ليس مجرد تحالف عابر، بل تحول جذري في بنية النفوذ السياسي في غرب أفريقيا ،ومع تراجع الدور الفرنسي وصعود الشراكات مع روسيا، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة إعادة تشكيل كاملة ، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، فإن محور الساحل الناشئ قد يتحول إلى قوة إقليمية جديدة تعيد صياغة موازين القوى في أفريقيا خلال السنوات المقبلة.