تحل ذكرى رحيل الأديب الكبير يحيى حقي يوم 9/12 من كل عام، حيث يعد يحيي حقي أحد أعمدة الإبداع العربي في القرن العشرين، وصاحب البصمة الأعمق في مسيرة القصة والرواية والمقال. ويستعيد الوسط الثقافي في هذه المناسبة إرثًا أدبيًا ظل حاضرًا في الوجدان الجمعي، لما اتسم به من صدق التعبير وعمق الرؤية وقدرته الفائقة على تصوير المجتمع المصري في تحولاته المختلفة. نشأ يحيى حقي في حي السيدة زينب بالقاهرة لأسرة ذات جذور تركية، وبدأ مسيرته التعليمية في الكتاب قبل أن ينتقل إلى عدد من المدارس حتى حصوله على البكالوريا عام 1921. التحق بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول وتخرج عام 1925، ليبدأ رحلة مهنية شملت النيابة والمحاماة والإدارة المحلية قبل أن يشق طريقه إلى السلك الدبلوماسي. مارس يحيى حقي العمل الدبلوماسي في جدة وإسطنبول وروما، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية عاد إلى القاهرة حيث تدرج في مناصب وزارة الخارجية حتى أصبح مديرًا لمكتب وزير الخارجية عام 1949، كما عمل سكرتيرًا أول في سفارتي مصر بباريس وأنقرة، ثم وزيرًا مفوضاً لمصر في ليبيا. تزوج يحيي حقي من الفنانة التشكيلية الفرنسية جان ميري، واتخذ مساره تدريجيا نحو العمل الثقافي، فعمل بوزارة التجارة ثم مستشارًا بدار الكتب المصرية قبل أن يتولى رئاسة تحرير مجلة "المجلة" التي شكلت في ذلك الوقت منصة رئيسية للحراك الفكري والأدبي. ترك يحيي حقي إرثاً أدبيًا ثريًا وتميزببساطة الأسلوب وعمق الفكرة، مما وضعه في طليعة رواد القصة العربية الحديثة. ومن أبرز أعماله رواية "قنديل أم هاشم" الصادرة عام 1944، والتي ترجمت إلى لغات عدة إلى جانب أعماله الخالدة مثل "البوسطجي" و"سارق الكحل" و"أم العواجز" و"فكرة وابتسامة" و"صح النوم" و"عنتر وجولييت" و"يا ليل يا عين" و"حقيبة في يد مسافر". وقد تحول عدد من هذه الأعمال إلى أفلام ومسلسلات رسخت حضوره في وجدان الجمهور، وفي مقدمتها "البوسطجي" و"قنديل أم هاشم". فيما حظى يحيي حقي خلال مسيرته الإبداعية بتكريمات وجوائز رفيعة تعبيرا عن تقدير المؤسسات الثقافية والأكاديمية لعطائه المتميز، من أبرزها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1969، ووسام الفارس من الطبقة الأولى من الحكومة الفرنسية عام 1983، والدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا في العام نفسه، قبل أن يتوج مسيرته بحصوله على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1990، تقديرا لريادته وإسهامه في تطوير فن القصة. رحل يحيى حقي عن عالمنا عام 1992، غير أن أعماله ما زالت تتردد أصداؤها في وجدان قرائه شاهدة على عبقرية أدبية فريدة تجدد حضورها مع كل قراءة، ليظل اسمه واحدا من العلامات الخالدة في تاريخ الأدب العربي.