نشاط مختلف يشهده مجمع اللغة العربية فى الأونة الأخيرة بدأت القصة بالعثور على نسخة أصلية ونادرة من كتاب «وصف مصر» النسخة كاملة من الطبعة الأولى «الإمبراطورية» أهداها الملك فؤاد الأول للمجمع خلال افتتاحه عام 1932، وقد تبع الكشف عن هذه النسخة العثور على مجموعة أخرى من المخطوطات، تعود حقبتها الزمنية إلى القرن الثانى عشر الهجرى. العثور على هذه المقتنيات الأثرية جاء بعد أيام معدودات من اصدار قرار تكليف الدكتور عاطف المغاورى - المدير العام للمعجمات العلمية واللغوية واحياء التراث - بالإشراف على مكتبة المجمع وتطويرها، إلا وقد وضع يده على مشروع ثقافى وعلمى، أراد به تقديم إضافة علمية وثقافية للدور الذى يقدمه المجمع. عن قرار التكليف، ومشروع خطته لتطوير المكتبة وكيفية التعامل مع مثل هذه الكنوز التراثية، كان هذا الحوار مع الدكتور عاطف المغاورى؟ فكانت البداية بالبحث عن نسخة كتاب وصف مصر «23 جزء» لتكون لبنة مشروع عرض متحفى يضم أجزاء هذا الكتاب الأثرى الفريد ومجموعات المخطوطات النادرة والإهداءات الخاصة بأعضاء المجمع الأوائل. فى عام 2019، أصدر مكتب المجمع قراراً بتشكيل لجنة المكتبة، على أن يكون مقررها، الدكتور عبد الستار الحلوجى وضمت فى عضويتها د. وفاء كامل، د. عبد الحميد مدكور «أعضاء المجمع»، مع الاستعانة بخبراء من الخارج: د. سلوى ميلاد، وأمانة د. فوزى مبروك، وقد توقف عمل اللجنة لخلافات إدارية بين مقررها د .الحلوجى، وهيئة مكتب المجمع. وفى مايو الماضى صدر قرار من مكتب المجمع بتكليفى مشرفا على مكتبة المجمع وفى إنجازى لهذه المهمة تصرفت بناء على خبرتى فى التعامل مع المخطوطات، وخلال هذه الفترة الوجيزة من مايو الماضى للآن، وأثناء البحث فى المخطوطات، وأنا أعلم بوجود نسخة من كتاب «وصف مصر»، وجدت نسخته فى دولاب ملقى فى بدروم المجمع تعلوه شبكة الصرف الصحى، المهددة مياهها لسلامته، وقد أسفت لهذا الوضع المهين الذى يلقاه تراثنا النادر، هذا كان تخطيطى، إنقاذ هذا التراث، ووضعه فى المكان الذى يليق به ويحفظه. فكانت فترة إعداد قاعة أو غرفة لوضعه به وتكون بعد ذلك لبنة لتكون متحفاً وقاعة عرض لوصف مصر، وهيأتها بالفعل بموافقة ادارة المجمع، ونالت إعجاب د. عبد الستار الحلوجى (مقرر اللجنة المعتذر عنها)، ود. عبد الحميد مدكور. «المفوض بمنصب السلطة المختصة من مجلس المجمع» واستقبلت الغرفة عرض ال 23 مجلداً من وصف مصر، ثلاثة من الحجم الكبير (تضم اللوحات العملاقة) وتسعة - مجلدات من الحجم الوسط، وأحد عشر مجلداً من الأقل. وهنا أشير إلى جهود الدكتور فوزى مبروك والباحث بالمجمع والمشرف السابق على المكتبة، حيث انه قام بجهود كبيرة متعلقة بكل البحوث والدراسات المتعلقة بنسخة وصف مصر، كما إنه قد أعد دراسة كاملة توثيقية بنسخ من وصف مصر فى المجمع وخارجه. وماذا عن القيمة الأثرية لنسخة كتاب وصف مصر الكائنة فى المجمع؟ هذه الطبعة نسخة من الإصدار الأول «الطبعة الإمبراطورية» تمت طباعتها بعد الحملة الفرنسية بعشرين عاما) ولم يتم بيعها، بل وزعت على المكتبات الوطنية والقصور الإمبراطورية، وعلى الشخصيات المهمة، وهذه النسخة أصلية كاملة من الطبعة الأولى الإمبراطورية (1809 1828)، وهى نسخة نادرة كانت محفوظة فى معهد مصر الواقع فى قصر حسن كاشف بحى الناصرية بالقاهرة حتى عام 1933، ثم تم نقلها بعد ذلك بأمر من الملك فؤاد الأول إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة بعد تأسيسه، وهى لا تزال تحتفظ بالتجليد الإمبراطورى الأصلى جلد الموروكو الأحمر المذهب »، رغم وجودها فى مكان سيئ لسنوات ( ببدروم المجمع ) وهذه النسخة تطابق النسخة التى دمرتها نيران حريق المجمع العلمى بالقاهرة، وهى نسخة درة معرفية، وثقافية نادرة، تكتسب قيمتها من سياقها الوطنى المصرى قام بإعدادها أكثر من مائة وسبعين عالماً متخصصاً مدنياً استقدمهم نابليون فى حملته على مصر، إضافة إلى 1600 خطاط ورسام فنى. وترجع أهمية كتاب وصف مصر لكونه أكبر وأشمل موسوعة للأراضى المصرية وآثارها، إذ يسجل الكتاب بالنصوص والرسومات اليدوية والخرائط كل مناحى حياة المصريين آنذاك، وكل ما يتعلق بالحضارة المصرية القديمة، ويصف بدقة الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى مصر منذ العصر الإسلامى حتى الحملة الفرنسية إلى جانب دراسة شاملة للتاريخ الطبيعى لمصر، كما يوثق الكتاب مظاهر الحياة النباتية والحيوانية والثروات المعدنية والكنوز الفنية والدينية التى كانت تزخر بها البلاد فى ذلك الوقت، فالكتاب ذاكرة للأمة المصرية. ماذا عن التقرير الناتج من عملية فحص ومعاينة معمل الميكروبويولوجى التابع لوزارة السياحة والآثار؟ تم مخاطبة إدارة معامل علاج التلف البيولوجى بمركز وبحوث الآثار، وقد جاء فى تقرير المعمل الذى قام بإعداده كل من د. ريهان عادل عبد المنصف، والإخصائى وليد عبد المنعم عبد الواحد، أنه تم معاينة وفحص عدد ثلاث نسخ من كتاب «وصف مصر» فحصاً دقيقاً وتبين وجود إصابة ميكروبية بعدد من الصفحات، وتم أخذ مسحات ميكروبية لزراعتها بالمعمل والتعرف على نوع الميكروب المسبب للإصابة ومادة العلاج الميكروبى المناسبة والتركيز المناسب وطريقة التطبيق. وماذا عن التوصيات التى أقرتها لجنة الفحص فيما يخص كتاب وصف مصر؟ طالبت اللجنة فى تقريرها بتغيير المكان الذى تم فيه وضع نسخة الكتاب، لأسباب منها، أن الجزء الموضوع به أجزاء كتاب وصف مصر كبيرة الحجم، وأن المكان غير مناسب لحجم الكتاب، حيث إن المكان ضيق جداً، لا يسمح بالتهوية، فضلا عن أن تداول المخطوط بإدخاله وإخراجه من المكتبة «الدولاب» يؤثر على تماسك الكتاب فيؤدى إلى تفكيكه وخاصة أن حجمه كبير. كما جاء فى التقرير أن تكون المكتبة ذات أرفف متعددة بحيث يوضع الكتاب بشكل افقى للمحافظة عليه، وعند توفير المكان المناسب لهذه النسخة يجب تعقيمها ضد الميكروبات والحشرات قبل استخدامها. كما أوصى إخصائيو المعمل بضرورة تطبيق خطة العلاج الميكروبى اللازم للكتاب ومجموعة المخطوطات، حتى لا تنتشر الإصابة الميكروبية لباقى الكتب، حيث إنها تراث نادر لا يُقدر بثمن، وضرورة أن يكون هناك تهوية مستمرة بالمكان. هذا ما جاء نصا فى تقرير مركز بحوث وصياغة الآثار. ماذا وجدت فى «البدروم»- أيضاً- غير كتاب وصف مصر؟ وكأن البدروم خبيئة أثرية، بالفعل وجدت مع مجموعة وصف مصر، مخطوطات تعود إلى مجموعة مكتبة الراحل الدكتور إبراهيم مدكور، منها: مخطوطة أصلية «غير مثبتة فى مقتنيات أو فهرسة مكتبة المجمع الورقية أو الرقمية» وهذه المخطوطة نسخة لرسالة نفيسة للشيخ أبى العباس المستغفرى، يرجع تاريخها إلى شهر جمادى الأولى عام 1103ه، وهى رسالة فى طب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، مخطوطة باللغتين العربية والفارسية، حيث إن المتن باللغة العربية، والشرح بين السطور باللغة الفارسية. وثمة مخطوط آخر فى شرح ما يعتقده النصارى من الحقائق ومؤلفه باسيلى فخرو. كما عثرت- أيضاً- على نسخة فريدة من المصحف الشريف مكتوب وفق نظام رموز الإمام السجاوندى فى وقوف القرآن الكريم قمت بضم هذه المخطوطات إلى مجموعة المخطوطات الكائنة بمكتبة المجمع والتى يبلغ عددها 65 مخطوطة. هل استقبل المجمع مكتبات كاملة مهداة من أصحابها؟ تم بالفعل إهداء مكتبات كاملة للمجمع، وتم تخصيص أماكن محددة لمكتبتين فقط هما: مكتبة د. شوقى ضيف، ومكتبة د. إبراهيم مدكور، أما باقى المكتبات فقد تم ضمها إلى المكتبة العامة للمجمع، وفق تصنيف ديوى، مثال ذلك مكتبة د. حسنين ربيع.