كالكتاب الثمين الذى تتعدد صفحاته وتتنوع وتثرى العين والعقل والوجدان، وكالموسوعة المنوعة التى تمسك بأطراف موضوعات شتى وتنتقل من موضوع إلى آخر وكأنه تخصصها واهتمامها الأصيل، هكذا د.محمود المناوى العاشق للوطن والمتيم بجامعة القاهرة والمغرم بمهنة الطب والمتتبع والمنقّب عن كل ما هو تاريخ أو أدب أو فن وكل ما هو ثقافة مصرية خالصة. حدثنى د. المناوى عن مكتبة تستحق المشاهدة، المكتبة المركزية الجديدة لجامعة القاهرة، التى يبدو من الوهلة الأولى أنها مكتبة دراسية لطلبة الجامعة، لكننى فوجئت بما بها من كنوز ربما لا يدرى كثيرون منا أنها بها وأنه يمكن الاطلاع عليها وأنها تمثل تراث الجامعة ومقتنياتها، والإهداءات التى حصلت عليها منذ مطلع القرن العشرين ثروة من الوثائق والمخطوطات والقطع الأثرية واللوحات الفنية يندر أن تجتمع فى مكان واحد وبمثل هذه الوفرة. يقول د. محمود الذى يسترجع محتويات المكتبة التى يحفظها عن ظهر قلب: المكتبة بها وثائق الحملة الفرنسية على مصر التى لم تُنشر من قبل، وبها نسخ من كتاب وصف مصر الطبعة الإمبراطورية لعام 1802 والطبعة الملكية لعام 1819 والنسخة الواحدة تحوى ثلاث مجموعات كاملة مكونة من عشرة كتب لوصف مصر وخمسة عشر كتابا كبيرا للخرائط وكتابين للخرائط الضخمة المفصلة، بالمكتبة أيضا مجموعة كبيرة من المخطوطات الحبشية عبارة عن ثلاثة عشر كتابا تمت كتابتها على رق الغزال ويرجع تاريخها إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين وباللغة الحبشية القديمة تحكى عن مزامير داود، وعن السيدة العذراء والسيد المسيح عليهما السلام، وهذه المجموعة تعتبر أقدم مجموعة مخطوطات قبطية قديمة فى مصر، ولا أحد يعلم كيف وصلت إلى مقتنيات جامعة القاهرة ومحفوظة بشكل جيد ومغلفة بالخشب. بالمكتبة أيضا وبمتحف التراث ثانى أكبر مجموعة فى العالم من المسكوكات القديمة التى وجدت جميعها فى مصر ابتداء من عام 450 قبل الميلاد وحتى نهاية الحكم العثمانى، منها العملات المعدنية المستخدمة فى تلك العصور، ومنها قوالب صب العملة، وكذلك قوالب تزويرها وكثير من أنواع المسكوكات الأخرى، ويبلغ عددها تسعة آلاف وخمسمائة قطعة، وهذه المجموعة الثمينة كانت هدية إلى الجامعة من العالم الإيطالى البروفيسور «داثارتى» وقدمها إليها فى شهر أبريل عام 1911 وكان ثمنها المقدر وقتئذ ثلاثة آلاف جنيه مصرى، هذا فى الوقت الذى تم فيه تقدير جملة تكلفة مبانى الجامعة بثمانية عشر ألف جنيه، وقد علق على هذه الهدية الأمير أحمد فؤاد الذى كان رئيساً لمجلس إدارة الجامعة الأهلية عام 1912 بأنها «تمثل الطريقة المثالية لتعليم الأجيال أسماء حكامهم وتاريخ بلادهم بطريقة غير مسبوقة» وأوصى بإطلاع الطلبة عليها. بمتحف التراث بالمكتبة- يواصل د. محمود المناوى- الوثائق الأصلية ودفاتر محضر الإدارة الأصلى لمجلس إدارة الجامعة المصرية، ومما يضاعف من قيمتها أنها جميعها بخط المفكر الكبير قاسم أمين، وبها مخطوط نادر ضخم الحجم يحوى ألفية ابن مالك، ومخطوط نادر آخر عن جامع السلطان حسن، به وصف تفصيلى له، والكتاب الأصلى للمراسلات التى كانت بين المناضل مصطفى كامل والسيدة جولييت آدم، الصحفية الفرنسية الشهيرة، التى آمنت بقضية مصر وحقها فى الاستقلال ونضال مصطفى كامل من أجل هذه القضية، وتولت نشر مواد تخصها فى الصحف الأوروبية، والكتاب موجود بالنسختين العربية والفرنسية وكان مصادراً ثم سُمح بتداوله وأهداه شقيق الزعيم المصرى للجامعة. بالمتحف أيضا مجلدات معرض باريس الدولى الذى حضره الخديو إسماعيل، وأفردت إدارة المعرض لمصر مجلداً خاصاً تقديرًا لوزنها ولمشاركتها بالمعرض، وكانت الدولة الوحيدة من بين دول العالم التى لها مجلد خاص. بمتحف المكتبة أيضا صور للمجوهرات التى أهدتها الأميرة فاطمة ابنة الخديو إسماعيل إلى الجامعة مساهمة منها فى بناء مبانيها بعدما تبرعت بأراض لها، والمجوهرات مسجلة بالصورة وبالوزن وبالثمن وبجوارها صورة زيتية للأميرة. طال الحديث ولم تنته بعد محتويات المكتبة الثرية، أو المكتبة الاكتشاف.. ولنا عودة إليها بإذن الله. [email protected]