كتب المسيو فوربيه في مقدمته التاريخية التي إستهل بها مجلدات هذا الكتاب الفريد النادر وصف مصر: أنه لم يسبق لأي بلد آخر أن خضع لأبحاث بمثل هذا الشمول وهذا التنوع. وفضلا عن ذلك فليست هناك بلاد أخري جديرة بأن تكون موضوعا لأبحاث كهذه, فمعرفة مصر أمر يهم في الحقيقة كل الأمم المتحضرة,وهكذا فمصر ليست ككل الأمصار وكتاب وصف مصر ليس ككل الكتب. .. ليس فقط لأنه يقع في ستة وعشرين مجلدا ضخما نصفها رسوم ولوحات تسجل كل شئ عن مصر, وليس فقط لأن طبعاته محدودة وأصبحت اليوم نادرة وباهظة الثمن.. ولكن لأنه ما من كتاب مثله طبع من قبل أو من بعد حتي يومنا هذا وعلينا لآخر مرة الحفاظ علي تراثنا الذي يضيع أمام أعيننا كل يوم من قبل الثورة وحتي الآن. بعد إحتراق وصف مصر قال د. شاكر عبد الحميد وزير الثقافة, إنه توجد في مصر ثلاثة نسخ أخري وحددها.. نسخة بمجلس الشعب.. ونسخة بالمتحف المصري.. ونسخة بدار الكتب والوثائق. والحقيقة أنه توجد في مصر أكثر من خمس وعشرين نسخة من الكتاب كما يقول الفنان والكاتب عصمت داوستاشي رئيس مركز الحرية للإبداع السابق وهي موزعة علي المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية من الطبعتين الأولي والثانية غير مكتملة و المكتبة الأمريكيةبالقاهرة من الطبعة الأولي كاملة وفي حالة جيدة والجمعية الجغرافية في حالة سيئة ونسخة بوزارة الري والموارد المائية بالقاهرة و نسخة ببيت السناري( مقر مرسم فناني الحملة الفرنسية) والمعهد الفرنسي بالقاهرة والمكتبة المركزية بجامعة القاهرة وكلية الفنون الجميلة بالقاهرة ونسخة بمحافظة القاهرة وسبع نسخ في دار الكتب والوثائق القومية برملة بولاق ومعظمها ناقص ونسخة كاملة في مركز بحوث المياه بالقاهرة مع نسخة ناقصة مجلدين وبمكتبة القصر الجمهوري بعابدين و نسخة بمجلس الشعب ونسخة أهديت لمكتبة الإسكندرية و نسخة بمكتبة قناة السويس و مئات من اللوحات منزوعة من الكتاب عند بعض الأفراد. ويضيف عصمت داوستاشي: لكن قيمة النسخة المحترقة في أنها نسخة بروفة موقعة من الفنانين بخط اليد ولايوجد في العالم غير نسختين فقط, واحدة في فرنسا والثانية التي إحترقت بالمجمع العلمي في مصر.. أما مخطوطات كتاب مصر اليدوية فلم تخرج أبدا من متحف اللوفر بباريس التي حفظت فيه بعد طبع الكتاب.. وكل النسخ الموجوده في مصر وأنحاء العالم نسخ مطبوعة بواسطة ألواح من النحاس علي ورق معد خصيصا وقد طبع الكتاب مرتين.. الطبعة الأولي بدأ طبعها عام1809 وإستغرقت ثلاثة عشر عاما في22 مجلدا كبير وهي طبعة نادرة الآن وتعرف بطبعة نابليون بونابرت.. والطبعة الثانية بدأ طبعها عام1820 وتتكون من26 مجلدا وحجمها أصغر من الطبعة الأولي ومعظم الموجود في مصر من هذه الطبعةالثانية وتعرف بالطبعة الإمبراطورية. أما الدكتور يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية فيقول: إن المكتبة تحتفظ بثلاثة نسخ من كتاب وصف مصر وليست واحدة ويفجر يوسف زيدان مفاجأة حيث يقول إن الدكتور إسماعيل سراج الدين قد قدم مشروعا للدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأسبق لعمل نسخة رقمية من كل محتويات المجمع العلمي تتاح للباحثين من أنحاء العالم وتحفظ بالمكتبة, ولكن للأسف تم رفض المشروع رغم إلحاح المكتبة لمدة عامين لتنفيذ هذه الخطوة,ويضيف إنه لاأحد في مصر يعلم علي وجه الدقة محتويات المجمع من الخرائط التي تأتي أهميتها في المقام الأول حيث أنها كنوز معرفية نادرة وحجة قانونية قوية وقد رأينا ذلك في إثبات حقنا في طابا, ويضيف أن الخرائط كانت تحتاج ترميما وفهرسة وحفظا جيدا قبل الثورة وكم ناديت مرارا بضرورة فهرسة وحفظ ورقمنة كل المجموعات القديمة ويري أن الخرائط التي ضاعت لايمكن تعويضها لأنه ليس لها نسخة بديلة مثل وصف مصر, ويطالب يوسف زيدان بضرورة الإهتمام بمحتويات الجمعية الجغرافية وفهرستها وحفظها في مكان آمن لأنها الآن معرضة للخطر. ويضيف عصمت داوستاشي أن عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ المصري المشهوردون في كتابه عجائب الأثار في التراجم والأخبار في أحداث سنة1213 هجرية20 محرم(4 يوليه1798 م): وردت مكاتبات من الثغر( الإسكندرية) ومن رشيد ودمنهور بأنه في(2 يوليه1798 م) وردت مراكب وعمارات للفرنسيس كثيرة فأرسلوا جماعة يطلبون القنصل وبعض أهل البلد فلما نزلوا إليهم عوقوهم عندهم. فلما دخل الليل تحولت منهم مراكب إلي جهة العجمي, وطلعوا إلي البر ومعهم ألات الحرب والعساكر فلم يشعر أهل الثغر وقت الصباح إلا وهم كالجراد المنتشر حول البلد. لقد كانت الحملة الفرنسية علي مصر نقطة تحول مهم في المسار الثقافي والحضاري لهذا البلد الذي كان ساكنا وهادئا في ظل الحكم التركي. وبعد زوال أمجاد حضارة عظيمة أندثرت ودفنت في الرمال.. لذلك إصطحب نابليون بونابرت معه إلي جانب جيوشه.. جيشا أخر من العلماء حقق إنتصارا عظيما سجل له في التاريخ وكان قوام هذا الجيش الخاص167 عالما موزعين علي ثمانية عشر تخصيصا وعندما عاد هذا الجيش الفريد محملا بألاف من الرسوم والإسكتشات والدراسات والأبحاث والعينات إلي فرنسا.. أنفقوا سبعة عشر عاما في إعداد وتصنيف هذه المواد التي تجمعت لديهم.. وحشدت فرنسا كل جهود فنانيها من أجل إصدار هذا الكتاب وصف مصر وبدأ العمل بعدد كبير من الرسامين والخطاطين ورجال الطباعة المهرة والميكانيكيين وما يقرب من أربعمائة من الحفارين, عملوا جميعا بمثابرة تدعو للأعجاب في إقامة هذا الصرح الكبير. لقد خرج هذا الإنجاز العظيم عن الحدود المألوفة حتي الآن للمجموعات المحفورة( اللوحات) فقد كان يلزم ورق له قوالب وأحجام لم يسبق إستعمالها, بل لقد تطلب من صناع هذا الورق العثور علي إسم جديد له.. ولم تكن مصانع الورق في أوروبا قد صنعت من قبل أوراقا بهذا الحجم الذي أستعمل في طبع كتاب وصف مصر أو علي هذه الدرجة من الجمال.. وقد أشتهرت بيننا منتجات كونتيه مثل أقلام كونتيه للرسم ويعود الأسم إلي مسيو كونتيه الذي عين قوميسيرا علي تنظيم ومباشرة تنفيذ هذا العمل الضخم والذي تدين له وصف مصر بكثير من المنجزات الخلاقة النافعة بفضل موهبة الأختراع لديه فأستحضر في معمله ألوانا بالغة الأنبساط والتدرج للتعبير عن صفو سماء مصر وأوجد صبغات يمكن لها أن تنتج عند النظر إليها من مسافة قريبة نفس تأثير الألوان المائية, وإستطاع الرسامون نقل عظمة الآثار المصرية بصدق وموضوعية وقد شاهد الجبرتي المصورين الفرنسيين وهم يعملون وسجل ذلك في مؤلفه حين كتب عن زيارته لمرسم الحملة في بيت السناري فيقول: وبعد أن إستقر الفرنساويةبالقاهرة أفردوا لجماعة منهم بيت إبراهيم كتخدا السناري وهم المصورون لكل شئ: ومنهم اريجو المصور وهو يصور صور الأدميين تصويرا يظهر من يراه أنه بارز في الفراغ, بجسم يكاد ينطق حتي أنه صور صورة المشايخ كل واحد علي حدة في دائرة وكذلك غيرهم من الأعيان وعلقوا ذلك في بعض مجالس صاري عسكر( نابليون بونابرت). تمني الفرنسيون كما يقول داوستاشي أن يكون لبلادهم كتاب مثل كتاب وصف مصر بل تمنت هذا كثير من دول العالم ولكن هذا لم يحدث إلا لمصر أم الدنيا.. وكانت وزارة الثقافه المصرية تفكر في طبع نسخة فاخرة من الكتاب ثم توقف المشروع.. وكنت منذ عام1985 أعمل علي طبع نسخة من الكتاب نصوص ولوحات وكان الراحل الكبير أنيس منصور مستشارا للمشروع وهو الذي أتاح لي الإطلاع علي كل نسخ الكتاب الموجودة في مصر وقد كانت النسخه الموجوده بالمكتبة الأمريكيةبالقاهرة من الطبعةالأولي هي أكمل النسخ وفي حالة جيدة.. ولكن دار النشر التي كنت مشرفا فنيا علي مطبوعاتها تراجعت عن طبع الكتاب.. وطبعه الناشرمدبولي في طبعة متواضعة وأخذته منه هيئة الكتاب وطبعته في طبعة شعبية.. لذلك يجب التفكير الجدي في طبع( وصف مصر) في طبعة طبق الأصل من الطبعة الأولي وهو مشروع وطني وفي نفس الوقت مربح لو قامت به إحدي المؤسسات الخاصة.. فالإقبال علي شراء نسخة سيكون عظيما لكتاب لا مثيل له في العالم كله.