نوال سيد أصدرت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وثيقة «استراتيجية الأمن القومى» الجديدة، والتى تعد الإطار الفكرى المنظم لرؤية واشنطن تجاه العالم خلال المرحلة المقبلة وتكشف الوثيقة تحولاً واضحًا فى المقاربة الأمريكية، يقوم على إعادة تعريف الدور الأمريكى خارجيًا، وتقليص الالتزامات الدولية، والتركيز على المصالح الحيوية المباشرة. وتقدم «استراتيجية الأمن القومى» الجديدة رؤية أمريكية أكثر واقعية وبراجماتية، تركز على الداخل وتعيد ترتيب الأولويات الخارجية وهى وثيقة تعكس مرحلة انتقالية فى الدور الأمريكى عالميًا، من الهيمنة الشاملة إلى مقاربة أكثر حذرًا، حيث تتقدم المصالح الوطنية المباشرة على الشعارات الكبرى، ويصبح الاقتصاد والتكنولوجيا محور القوة فى السنوات المقبلة. اقرأ أيضًا | أمريكا - فنزويلا.. أصابع واشنطن على الزناد تبدأ الاستراتيجية بانتقاد صريح للمرحلة السابقة، معتبرة أن الولاياتالمتحدة تحملت أعباءً تتجاوز قدرتها، وأن سياسة الهيمنة العالمية لم تعد مجدية. لذلك تتجه الإدارة نحو مقاربة «أكثر واقعية»، تركز على حماية الداخل الأمريكى وتعزيز القوة الاقتصادية، مع الحد من الانخراط فى النزاعات البعيدة، ويأتى ذلك ضمن تحول يبتعد عن دور «الشرطى العالمى» لصالح دور أكثر انتقائية فى التدخلات. وتحدد الاستراتيجية أربع أولويات رئيسية: حماية الحدود والأمن الداخلى، وإعادة تنظيم العلاقة بمنطقة نصف الكرة الغربى وفق صيغة موسعة من مبدأ مونرو، ثم تعزيز الأمن الاقتصادى وإعادة بناء الصناعة، وأخيرًا التركيز على الصين ومنطقة الإندو-باسيفيك بوصفها ساحة المنافسة الأبرز، وتعكس هذه الأولويات رؤية أكثر انغلاقًا على الداخل، وأكثر صرامة تجاه الملفات ذات الصلة المباشرة بالأمن القومى الأمريكى. وترسم الوثيقة إطارًا لخمس مصالح تعتبرها واشنطن «أساسية» تأتى منطقة الأمريكيتين فى المقدمة، باعتبارها المجال الحيوى الأكثر تأثيرًا على الأمن الداخلى الأمريكي، سواء فيما يتعلق بالهجرة أو الجريمة المنظمة. يلى ذلك التركيز على الإندو- باسيفيك لضمان حرية التجارة، ثم أوروبا باعتبارها شريكًا استراتيجيًا يحتاج إلى «استعادة الثقة الحضارية». أما الشرق الأوسط فينظر إليه باعتباره منطقة يجب منع القوى المعادية من السيطرة عليها. وتضيف الإدارة ملف التكنولوجيا المتقدمة باعتباره ساحة المنافسة الفاصلة فى السنوات المقبلة. وتتضمن الوثيقة إشارة واضحة إلى النية فى إعادة توزيع القوات الأمريكية عالميًا، بما يتماشى مع الأولويات الجديدة فالإدارة ترى أن الانتشار المكلف فى مناطق بعيدة لم يعد ضروريًا، وأن التركيز يجب أن يكون على التهديدات القريبة من المجال الحيوى الأمريكى يعكس ذلك تراجعًا فى الدور العسكرى الخارجي، والتوجه نحو صيغة «الردع عن بعد» بدلًا من التواجد المباشر. وتظهر الاستراتيجية تغيرًا فى الخطاب الأمريكى تجاه الصين؛ إذ لم تعد تصنف ك«تهديد أيديولوجي» كما فى استراتيجيات سابقة، بل كمنافس اقتصادى يفرض ضغوطًا على سلاسل الإمداد. وتشير الوثيقة إلى أن محاولات الضغط السابقة لم تحقق نتائج حاسمة، وأن الصين عززت قوتها الصناعية. لذلك تراهن الإدارة على بناء تحالف اقتصادى واسع، اعترافًا ضمنيًا بتراجع قدرة الولاياتالمتحدة على المواجهة منفردة. كما تتبنى الوثيقة لغة أكثر حذرًا فى ملف تايوان، مع الإقرار بأن التفوق العسكرى الأمريكى لم يعد مضمونًا كما فى السابق. ورغم وضوح الخطوط العامة، تكشف الوثيقة عن تناقض فى المنطق الأمريكي، فبينما تسعى واشنطن لحشد تحالف اقتصادى ضد الصين، فإنها فى الوقت نفسه تضغط على شركائها وتعيد التفاوض معهم بصيغ أقرب إلى الصفقات التجارية. وقد يضعف هذا التناقض قدرة الولاياتالمتحدة على إقناع الحلفاء بالتضحية بمصالحهم الاقتصادية لصالح مواجهة لا يشاركون فى صياغة قواعدها.