تتزايد حالات الجدل حول الفتاوى غير المنضبطة التي تصدر عن أشخاص غير مؤهلين علميًا أو شرعيًا ما يثير حالة من الفوضى والارتباك بين المواطنين الذين لا يفرقون غالبًا بين المختصين وغيرهم حتى أصبحت هذه الفتاوى التي تُعرض على الشاشات أو منصات التواصل الاجتماعي تتناقض أحيانًا مع النصوص الشرعية والمنطق وتسهم في تشويه المفاهيم الدينية وتؤدي إلى انحرافات أخلاقية واجتماعية، الأمر الذي دعا أحد المحامين إلى تقديم بلاغ إلى النائب العام في هذا الشأن. تنظيم الفتوى لا يعني احتكارها بل يهدف إلى ضمان صدورها من جهات مسئولة وطنيًا ودينيًا مثل الأزهر ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية وذلك لضمان مراعاتها للمعايير الشرعية والاجتماعية وحماية المجتمع من الفتاوى المضللة. فالفتوى صناعة دقيقة وثقيلة تتطلب معرفة معمقة بالقرآن الكريم والحديث الشريف والمذاهب الفقهية إلى جانب خبرة طويلة في الاستدلال الشرعي والقدرة على التقدير الحكيم لمقتضيات العصر وأي تجاوز لهذه القواعد يؤدي إلى بلبلة المجتمع وتشويش الجمهور وقد يصل الأمر إلى فتاوى تمثل خطورة فعلية على القيم والأخلاق أو حتى على حقوق الدولة والمواطنين. من أبرز مظاهر هذه الفوضى ظهور أشخاص على وسائل الإعلام دون مؤهلات علمية لإصدار الفتاوى قد تكون في بعض الأحيان لأغراض تجارية أو للظهور الإعلامي ما يضع المواطنين في حيرة بسبب تضارب المعلومات والرؤى بين هذه الفتاوى، فبعضها صادرة عن غير المختصين تضمنت مسائل غريبة مثل جواز سرقة التيار الكهربائي أو تحريم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم وهو ما تم توضيحه وتفنيده من قبل الجهات الدينية الرسمية والتي يمثلها الأزهر الشريف لما له من مكانة علمية ودينية في نفوس أكثر من مليار مسلم حول العالم. الإعلام الرقمي الأمر الذي دفع المحامي كريم نور إلى تقديم بلاغ رسمى للنائب العام في هؤلاء الذين لا يزالون يصرون على إصدار الفتاوى هنا وهناك، ويقول متابعًا ل"أخبار الحوادث": بالإضافة لذلك يلعب الإعلام سواء التقليدي أو الرقمي دورًا رئيسيًا في تعزيز أو تقليص هذه الفوضى بداية من ضوابط اختيار الضيوف في البرامج الدينية ومراجعة المحتوى قبل بثه والتأكد من مؤهلات من يقدمون الفتوى وهل لهم الحق في إصدار الفتاوى من عدمه حيث تعد من أهم الآليات لضمان تقديم المعلومات الصحيحة للجمهور. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تخضع لأي معايير مهنية أسهمت في اتساع دائرة الفوضى؛ إذ يمكن لأي شخص يمتلك منصة أن يصدر فتاوى مما يزيد التشتيت ويولد تصورات مغلوطة لدى الناس ولهذا تهدف الفتوى الصحيحة إلى توجيه الناس في حياتهم اليومية وفق النصوص الشرعية وتقديم حلول عملية لمشكلاتهم مع مراعاة الحكمة والتيسير وعدم التعسير. كما يجب أن يتحلى المفتي بالمعايير الأخلاقية والورع والموضوعية مع مراعاة اختلاف الظروف بين الناس والمجتمعات وتقديم بدائل مشروعة مناسبة لكل حالة. ومن ثم الحاجة إلى تنظيم الفتوى والضوابط الإعلامية ليست مجرد إجراء شكلي بل ضرورة لضمان استقرار المجتمع وحماية القيم الدينية والاجتماعية وتجنب انتشار أفكار مضللة أو ممارسات خاطئة فتنظيم الفتوى يشمل تحديد الجهات المخولة رسميًا بالإفتاء والتأكد من مؤهلات المفتين وإيجاد آليات رقابية على عرض الفتاوى في وسائل الإعلام بما يضمن الوصول إلى خطاب ديني مسئول وواضح يحافظ على استقامة المجتمع ويحد من الانحرافات والتشدد والتضليل. ولهذا كان القانون رقم 86 لسنة 2025 والخاص بشروط وضوابط إصدار الفتوى الشرعية ضرورة واجبة حيث نصت المادة الاولى من القانون إنه تسرى أحكام القانون في شأن تنظيم إصدار الفتوى الشرعية والمختصين بمهام الإفتاء الشرعى وذلك دون الإخلال بالإرشاد الدينى والاجتهادات الفقهية في مجال الأبحاث والدراسات العلمية والشرعية. وحددت المادة الثالثة من القانون أن المختص بالفتوى الشرعية العامة كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أو مجمع البحوث الإسلامية أو دار الإفتاء المصرية لكن رغم ذلك ما زال البعض يدلون بدلوهم في فتاوى دينية على مواقع التواصل الاجتماعي وهذا الأمر الذي دفعني كمحامي لتقديم بلاغ رسمي للنائب العام يتعلق بما أصفه بسيولة الفتاوى أو فوضى الفتاوى في مصر، فالقانون المنظم للفتوى حدد وبشكل قاطع الجهات المختصة بإصدار الفتاوى الشرعية وهي الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية وهيئة كبار العلماء وهذا التحديد جاء على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال. تطبيق القانون ويستطرد المحامي كريم نور قائلا: إنه على الرغم من ذلك لا تزال بعض المنصات في مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من القنوات التي تقدم نفسها كقنوات دينية تستضيف أشخاصًا يتحدثون في الأحكام الشرعية ويصدرون فتاوى حول ما يجوز وما لا يجوز ويحددون ما هو حلال وما هو حرام ، وكل ذلك يجري دون أي مظلة قانونية ودون أن يكون لهؤلاء ارتباط بأي جهة من الجهات التي نص عليها القانون مؤكدًا أن البلاغ لم يتضمن اتهامًا مباشرًا لأي شخص. وأضاف؛ أنه ذكر أسماء مثل عبد الله رشدي وياسر البرهامي ومصطفى العدوي ومحمد إسماعيل المقدم وغيرهم على سبيل البيان فقط وأن ذكر الأسماء جاء بهدف طلب التحقيق لا الاتهام فإذا كانوا يتبعون رسميًا لإحدى الجهات التي ينص عليها القانون فهنا تكون الأمور واضحة أما إذا لم يثبت ذلك فيجب تطبيق القانون كما يطبق على أي فرد، والقانون ينص على عقوبة تصل إلى الحبس لمدة شهرين وغرامة قدرها 100 ألف جنيه مع إمكانية مضاعفتها في حالة التكرار. ويقول المحامي كريم نور: إنه أرفق في بلاغه روابط لصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بينها صفحة عبد الله رشدي وصفحة قناة الرحمة وصفحة التيار السلفي المسماة أنا سلفي كما أرفق مقاطع مصورة يرى أنها تتضمن حديثا يخالف الفتوى الرسمية منها مقطع للشيخ مصطفى العدوي يحرّم فيه فوائد البنوك رغم تأكيد دار الإفتاء أنها غير محرمة ومقطع آخر لأحد الشيوخ في إحدى القنوات يحرم بطاقات فيزا المشتريات التي تصدرها البنوك بزعم أن فيها فائدة. ويشير المحامي إلى أن مثل هذا الكلام يمكن أن يسبب اضطرابا في الرأي العام ويؤثر على الاقتصاد ويقول إنه لم يمس سمعة أي شخص ولم يقدم اتهاما مباشرا بل قدم بلاغا تساؤليا يطلب فيه من الجهات المختصة التحقق مما إذا كان من يظهرون في هذه المنصات يرتبطون رسميًا بالجهات التي خولها القانون حق إصدار الفتوى ويضيف أنه قدم فيديو للشيخ عبد الله رشدي يتحدث فيه عن جواز الرق والتجارة فيه وأنه طالب بالتحقيق فيما إذا كان هذا الكلام صحيحا ومنضبطا أم لا وأنه في انتظار رد الجهات المختصة ويرحب في المقابل بأي بلاغ قد يقدمه أي شخص ضده باعتباره يعيش في دولة قانون والمجتمع المصري بطبيعته مجتمع يحترم الدين ويصغي إلى الفتوى ولذلك فإن التشكيك في فتاوى المؤسسات الرسمية مثل دار الإفتاء يمكن أن يؤدي إلى بلبلة واسعة وتأثير مباشر على الجمهور وهكذا يبقى السؤال الأهم إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا المشهد دون أن تنتقل آثاره إلى قلب المجتمع نفسه فالفتوى في مصر ليست مجرد رأي ديني بل هي جزء من استقرار الناس وثقتهم في مؤسساتهم وحين يتعدد مصدر الفتوى وتتباين الأحكام ويختلط صوت المختص بغير المختص تتحول السوشيال ميديا من مساحة للنقاش إلى ساحة تؤثر في الاقتصاد وفي الأسرة وفي الرأي العام ككل. ويبقى الحسم في يد الجهات الرسمية إما أن يثبت من يتصدرون للفتوى أنهم جزءا من المؤسسات الشرعية وإما أن يطبق القانون كما وضع ليحسم الفوضى ويعيد الانضباط للمشهد، فالقضية في جوهرها لا تتعلق ببلاغ أو أسماء أو منصات بل تتعلق بمستقبل الخطاب الديني نفسه في مصر وما إذا كان سيظل منضبطا ومنسجمًا تحت مظلة المؤسسات الشرعية أم سيبقى عرضة للاجتهادات الفردية التي قد تبني رأيًا عامًا على فهم خاطئ أو تأويل مبتور أو رغبة في الظهور، فتنظيم الفتوى ليس إجراءً قانونيًا فقط بل هو حماية للوعي الجمعي وصون للمرجعية الدينية التي يستند إليها الملايين في حياتهم اليومية وعلاقاتهم ومعاملاتهم. *** وما يطرحه بلاغ المحامي كريم نور ليس مجرد شكوى بل إنذارا مبكرا من اتساع الفجوة بين الفتوى الرسمية والفتوى العشوائية وهي فجوة إذا تُركت تتسع قد تتحول إلى أزمة ثقة بين الناس ومؤسساتهم الدينية، فالسؤال اليوم لم يعد من قال وماذا قال بل من يملك حق القول ومن يملك المعرفة التي تحمي المجتمع من الانحراف والتشدد والتضليل. اقرأ أيضا: «الإفتاء» تفتتح أُولى فعاليات دورة مهارات صياغة الفتوى الشرعية