اتجهت الأنظار هذا الأسبوع إلى نيودلهي حيث عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقاءً مهمًا مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في ظل مشهد دولي يزداد اضطرابًا بين حرب روسياوأوكرانيا، وتصاعد نفوذ الصين، ومحاولات واشنطن إعادة رسم موازين القوى. وبحسب تقرير لصحيفة «الجارديان» البريطانية، تأتي الزيارة في توقيت يشهد ضغوطًا أمريكية غير مسبوقة على الهند، وتقدمًا روسيًا على الجبهة الأوكرانية، مما يجعل القمة أكثر من مجرد اجتماع ثنائي لتكون محطة اختبار لقواعد النفوذ في آسيا وتوازنات القوة بين واشنطنوموسكووبكين. وفي الوقت الذي يحذر فيه خبراء من أن الهند تعيش أسوأ لحظة جيوسياسية منذ سنوات، تسعى نيودلهي لاستغلال زيارة بوتين لتعزيز موقعها التفاوضي، بينما تعتبر موسكو أن مجرد حدوث اللقاء مكسب سياسي يُخفف عزلتها المستمرة منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية. اقرأ أيضًا| فيديو| المفوضية الأوروبية تخطط لقرض تعويضات.. من سيستفيد أولا من أموال روسيا؟ بوتين يعود إلى دلهي.. زيارة تحمل رسائل تتجاوز البروتوكول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصل إلى العاصمة الهنديةنيودلهي في زيارة رسمية هي الأولى له منذ عام 2021، وكان في استقباله رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ومن المقرر أن يبحث الجانبان العلاقات الثنائية والعديد من القضايا والملفات الدولية. pic.twitter.com/LBPy4jFOT1 — Asharq News الشرق للأخبار (@AsharqNews) December 4, 2025 أفادت «الجارديان»، بأن لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يأتي في وقت سياسي عصيب للطرفين، حيث تمنح الزيارة موسكو متنفسًا دبلوماسيًا يقلل من عزلة روسيا الدولية، بينما تبحث الهند عن تعزيز نفوذها في مواجهة الولاياتالمتحدةوالصين في عهد ترامب. وتشير الصحيفة إلى أن آخر زيارة لبوتين للهند قبل أربعة أعوام فقط جرت في عالم مختلف، إذ اقتصرت على خمس ساعات بسبب جائحة كوفيد، وتركزت آنذاك على ملفات التعاون الاقتصادي والعسكري، لكن بعد أشهر قليلة تحول بوتين إلى "منبوذ دولي" عقب بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ما قلص حركته الخارجية وأعاد تشكيل علاقات موسكو عالميًا. لقطات من انطلاق المحادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في نيودلهي. pic.twitter.com/E5h7xnu018 — RT Arabic (@RTarabic) December 5, 2025 تحولات ترامب تقلب معادلة واشنطنونيودلهي وأضافت الصحيفة أن إعادة انتخاب دونالد ترامب في عام 2024، أدت إلى انقلاب كبير في العلاقات الأمريكيةالهندية، إذ أصبحت واشنطن أكثر عدائية تجاه نيودلهي عبر خطابات تحريضية وفرض رسوم جمركية مرتفعة، وهو ما دفع الهند إلى التعامل مع حالة غموض جيوسياسي غير مسبوقة. وفي ظل هذا السياق المضطرب، يرى محللون أن زيارة بوتين التي ستستمر لمدة يومين لنيودلهي تُعد رسالة واضحة تفيد بأن الطرفين لا يعتزمان التراجع أمام الضغوط الأمريكية، بينما وصل بوتين إلى الهند بعد رفضه خطة السلام الأمريكية الأخيرة بشأن أوكرانيا، مدفوعًا بوثوق أكبر في موقفه العسكري بفضل التقدم الروسي الميداني. وصف الزيارة ب "الحدث التاريخي".. رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، يعبر عن سعادته بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للهند.#فيديو #اكسبلور #بوتين #مودي #الهند#روسيا pic.twitter.com/8MECmQGOwN — RT Arabic (@RTarabic) December 5, 2025 روسيا تبحث عن "عودة طبيعية" للمشهد الدولي ونقلت الصحيفة عن بيتر توبيشكانوف، الباحث في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، قوله إن أهمية الزيارة بالنسبة لموسكو تكمن في حدوثها بحد ذاته، معتبرًا أنها مؤشر على سعي روسيا للعودة إلى علاقات دولية أكثر طبيعية، دون خشية كبيرة من مخاطر العزلة السياسية. في المقابل، تواجه الهند وفقًا لأبارنا باندي، مديرة مبادرة الهند وجنوب آسيا في مركز هدسون للتحليلات السياسية والقضايا العالمية أصعب بيئة استراتيجية منذ سنوات، بسبب "أمريكا شبه الانعزالية، وروسيا الأضعف، والصين الأكثر قوة". وتزامنت الزيارة مع انتقاد غير مسبوق من دبلوماسيين غربيين للهند؛ إذ نشرت صحيفة «تايمز أوف إنديا» الهندية، مقال رأي مشترك لسفراء فرنسا وألمانيا وبريطانيا بعنوان: "روسيا لا تبدو جادة بشأن السلام". وأثار المقال ردًا حادًا من وزارة الخارجية الهندية التي اعتبرت الأمر "غير مقبول دبلوماسيًا". اقرأ أيضًا| بين التهديدات والمفاوضات.. هل السلام في أوكرانيا أصبح بعيد المنال؟ جذور العلاقة الهندية الروسية ورصدت الصحيفة أن علاقات الهندبروسيا تعود إلى الحقبة السوفيتية، وظلت راسخة باعتبار موسكو أكبر مورّد دفاعي للهند، ورغم سماح الغرب لسنوات بالاستثناءات تجاه شراء الهند أسلحة روسية، إلا أن مناخ ترامب الجديد غيّر الحسابات. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تجاهلت واشنطن وأوروبا شراء الهند كميات ضخمة من النفط الروسي بأسعار منخفضة رغم العقوبات، لكن بعد فشل مساعي ترامب لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، بدأ يتهم الهند بتمويل الهجوم الروسي، وفرض رسومًا جمركية إضافية بنسبة 25% على وارداتها. وقالت باندي، إن هذه الضغوط أعادت الهند إلى "سياسة التحوط"، أي تنويع تحالفاتها والإشارة لواشنطن بأنها تملك بدائل. «الهند بين الصينوروسيا.. معادلة أمن معقدة» وأشارت الصحيفة، إلى أن أولويات الهند في تعزيز العلاقة مع روسيا تتجاوز النفط والسلاح، وتمتد إلى التوازن مع الصين، التي تعتبرها نيودلهي أكبر تهديد جيوسياسي. وتخشى الهند من التقارب غير المحدود بين موسكووبكين، وتسعى لضمان بقاء روسيا على مسافة من الصين أو على الأقل استخدام نفوذها للضغط على بكين عند الضرورة. ولهذا، تسعى الهند اليوم إلى تقليل اعتمادها الدفاعي على موسكو تدريجيًا؛ فبعدما كانت روسيا تزوّدها ب70% من أسلحتها، انخفضت النسبة إلى أقل من 40% خلال أربع سنوات. «الأسلحة والطائرات».. ملفات ثقيلة على طاولة القمة ورجّحت الصحيفة، أن يتصدّر ملف الدفاع القمة بين مودي وبوتين، خصوصًا ما يتعلق بأنظمة الدفاع الجوي S-400 والطائرات المقاتلة Su-57، وأوضحت باندي أن الهند ستسعى لحفظ توازن دقيق حول شراء ما يكفي للحفاظ على التحالف، دون الوصول إلى درجة الاعتماد الخطير. ورغم المظاهر الودية التي جمعت الزعيمين في السنوات الأخيرة، قالت باندي، إن العلاقات بين الطرفين "تحركها الواقعية السياسية البحتة". «ملف النفط».. بين ضغوط الغرب وشهيّة السوق الهندية وذكرت الصحيفة، أن التعاون الاقتصادي سيحظى بحضور واسع في القمة، خصوصًا بعد دعوة بوتين لتطوير التعاون مع الهندوالصين رغم العقوبات. ورغم إصرار رئيس الوزراء الهندي على استمرار شراء النفط الروسي، إلا أن العقوبات الأمريكية والأوروبية الأخيرة أدت إلى تباطؤ مشتريات الشركات الهندية الخاصة. وفي محاولة لتهدئة ترامب، وافقت الهند على زيادة واردات النفط والغاز من الولاياتالمتحدة. وفي مؤتمر صحفي، اعترف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بوجود "عقبات" أمام التعاون، لكنه أكد استمرار تدفق النفط الروسي مؤكدًا أن تأثير العقوبات "مؤقت ومحدود". ونقلت الصحيفة عن محللين أن ملف أوكرانيا سيكون حاضرًا في المحادثات، لكن من غير المتوقع أن تؤثر الهند فعليًا على مسار الحرب الروسية الأوكرانية، وأوضحت باندي، أن "الهند تستطيع التحدث مع بوتين وزيلينسكي، لكنها لا تملك النفوذ اللازم لتغيير مواقف الطرفين، باستثناء الدعوة للحوار". اقرأ أيضًا| كيف سيؤثر اجتماع فلوريدا على مسار الحرب الروسية الأوكرانية؟