هناك جمل لا تولد من فراغ جمل تصنعها التجربة، وتصنعها المقارنة، وتصنعها الحقيقة التي يراها الناس بأعينهم، واحدة من هذه الجمل هي: "اللي هايجي هايتعب بعده".، ومع مرور السنوات داخل وزارة الشباب والرياضة، لم أجد جملة تلخص المشهد أكثر من هذه الجملة، فكلما نظرت إلى حجم الإنجازات، وطريقة الإدارة، والملفات التي لم تترك معلقة، أدركت أن الشخص الذي سيجلس على هذا الكرسي من بعد الدكتور أشرف صبحي سيحتاج إلى جهد استثنائي ليواكب هذا الإيقاع. أنا هنا لا أتحدث عن مسؤول عادي ، بل عن وزير أعاد تعريف مفهوم الإدارة في قطاع الشباب والرياضة. فمنذ 2018، الرجل لم يكتفي بأن يكون مسؤولًا إداريا، بل نزل إلى الشارع، إلى مراكز الشباب، إلى الملاعب الشعبية، إلى الأحياء التي لم تكن الرياضة تعرف طريقها إليها. ومن خلال لقائي به في عدة مناسبات، لمست شخصيته العملية القريبة من الناس، وشاهدت بنفسى كيف يراجع خطواته باستمرار، وكيف يحاسب نفسه أولًا قبل أن يحاسب الآخرين. قال لي مرة: "أراجع مساري دائمًا ولدي نفس لوّامة... أزعل من نفسي لو جرحت حد، لكن في العدل لا ألوم نفسي" تذكرتها حينما أعادها مرة ثانية مع الناظر أحمد شوبير في برنامجه الجديد جملة تكشف جوهر الرجل وطريقة إدارته. أكثر ما لفت نظري في تجربته هو تلك العلاقة الواضحة بينه وبين رؤية الدولة. لم يكن الوزير يتحرك بشكل منفصل، بل كان دائمًا يؤكد أن حديث الرئيس السيسي بالنسبة له ليس توجيها لحظيًا، بل رؤية مستقبلية يعمل عليها. ومن الأمور التي جعلتني أؤمن بأن القادم سيواجه صعوبة كبيرة أن كل ملف في الوزارة أصبح واضحا، منظما، ومغلقا بطريقة احترافية. فالوزارة لم تعد كيانا إداريا عاديا، بل أصبحت مؤسسة حقيقية لها عائد استثماري وأصبحت الرياضة نفسها جزءًا من الدخل القومي بنسبة 1.3%. لم يكن التطوير مجرد بناء بل كان رؤية تترجم إلى تفاصيل دقيقة للغاية. يكفي أن أذكر نموذج استاد بورسعيد، الذي عاش سنوات من الغياب، ثم عاد إلى الواجهة باحترافية فريدة. أخبرني الوزير بفخر: "وصلنا لإنجاز كبير في استاد بورسعيد وبذلنا جهد كبير لتوفير أرض للنادي والانتهاء من الاستاد، والافتتاح قريباً جداً. وفي آخر جلسة جمعتني به داخل مكتبه في العاصمة الإدارية، لم أستطع أن أمنع نفسي من أن أقولها صراحة: "يا معالي الوزير ، أنا شايف إن اللي هيقعد على الكرسي بعدك هايتعب، وحضرتك فعليا هاتتعب أي حد يجي بعدك". ابتسم الوزير ورد بهدوء يعبر عن شخصيته: "لا يا هيما كما عودني أن -أسمع أسمي منه ... أخالفك. اللي ييجي بعدي مش هاتعبه. أنا رتبت له كل الملفات وخليت له الدنيا مهيأة يشتغل". يومها ابتسمت أنا الآخر... لأني لم أكن أقصد أن الرجل ترك ملفات صعبة، بل كنت أعني — وما زلت — أن حجم ما فعله، وقربه من الشارع، ووجوده في قلب كل حدث، يجعل من يأتي بعده يبحث طويلا عن نقطة يبدأ منها، كنت أقصد أنه أغلق اللعبة باحترافية ، جعل سقف التوقعات أعلى من أن يمس، وجعل الإنجاز المسموع والملموس هو معيار الحكم، لم أقابل وزيرا يستطيع أن يكون صباحا في الشرق، ظهرا في الغرب، عصرا في أقصى الشمال، مساءً في أقصى الجنوب... يطير من أسوان إلى الإسكندرية إلى حلايب وشلاتين إلى القهاوي إلى الملاعب إلى الأبطال والشباب... يحضر كل شيء بنفسه، ولا يُدير من خلف مكتب مكيف. وما بين استاد بورسعيد واستاد العاصمة الإدارية الذي اقترب من الجاهزية تنفيذًا لتوجيهات الرئيس، وما بين أكثر من 500 بطولة عالمية وقارية استضافتها مصر، ومنظومة مواهب، ودوري مراكز شباب، وممارسات رياضية أعادت الروح إلى الشارع... أدركت لماذا أصبح هذا المنصب بعده تحديا ثقيلا. الحقيقة التي أكتبها عن قناعة شخصية أن الدكتور أشرف صبحي لم يترك ملفا معلقا، ولا مبادرة غير مكتملة، ولا رؤية دون مسار. كل شيء مرتب، محسوب، موثق، ومنفذ، وهذا تحديدا ما يجعل أي وزير قادم أمام واقع صعب ، ليس لأنه سيبدأ من الصفر، بل لأنه سيجد سقفا مرتفعا جدا... أعلى بكثير من الطموحات التقليدية. اللي هايجي هايتعب بعده ، ليست مجاملة، وليست مبالغة، بل قراءة واقعية لنموذج إداري وضع معيارا جديدا للنجاح. معيارا لن يكون من السهل تجاوزه، ولا حتى الاقتراب منه دون نفس الجهد، والانضباط، والوعي، والشغف ، الذي جعل هذا الوزير واحدا من أبرز من مروا على الوزارة في تاريخها الحديث .