أوليفيه تود ترجمة: هبة الله العشماوي بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على وفاة سارتر، وبعد أكثر من نصف قرن من رحيل كامو، يدعونا ميشيل أونفراي لتقديس الأول وشيطنة الثاني إنه الجنون الفرنسي، بمعنى إضفاء طابع سياسي مبالغ فيه على الكاتبين، حتى إذا كان ذلك على حساب الحقيقة، أي على حساب أعمالهما الأدبية من روايات ومسرحيات وقصص قصيرة ومقالات بعد أن تورط أونفراي في السياسة، استعرض مساراتهما المتوازية وفقًا للترتيب الزمني، ولكن دون نظرة متعمقة. كان كامو ينحدر من أسرة فرنسية متواضعة تعيش في الجزائر العاصمة، وكما يُقال كانت أسرة متعففة، بمعنى أنها كانت فقيرة، وقد عايش كامو بؤس البروليتاريا البيضاء، ومنذ عام 1938 رأى بؤس العرب والقبائل وندّد به. أما سارتر فكان بورجوازيًا باريسيًا وخريج المدرسة العليا، ويسعى للهروب من طبقته لم يكن يعاني من أي مشكلات مالية: لقد تخلى عن أمواله، ونبذ أملاكه: الشقة والسيارة والطاحونة الموجودة في الأقاليم. وفي شبابه، رأى كامو والدته تشتري الزبد على شكل ألواح تزن 125 جرامًا. وقد توفي في وقت مبكر بعد إصابته بمرض السل أما سارتر، فكان يتمتع بصحة جيدة، وينغمس في التجريدات الحالمة أثناء النوم للفلاسفة الألمان ومُخدر الكوريدرين. «ينبغي أن تنظر إلى «الآن» بعيون الآن»، هكذا كان ينصح أراجون، المحاصر بين شقيّ النزاع الستاليني اللينيني داخل الحزب الشيوعي الفرنسي يشرح أونفراي بالتفصيل وبغضب وبأمانة انتقائية معنى «الآن» «الآن» بالنسبة إلى كامو وسارتر، يعني الحرب الأهلية الأسبانية والاحتلال والمقاومة والتحرير وفترة ما بعد الحرب، والانقسام الثنائي بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي، والمقاومة الجزائرية لنيّل الاستقلال، والملحمة القاسية المستمرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين لم يكن جدار برلين قد سقط بعد لقد انتصرت أحداث نهاية القرن العشرين لصالح كامو في مقابل سارتر، فيما يختص بموقفه في إدانة الأنظمة الشمولية السمراء والحمراء، حتى ولو لم يكن ذهب لأبعد مما وصل إليه جورج أورويل. وحتى وفاته، ظل كامو فريسة للشكوك، وظل يُصرح أنه يساري، «على الرغم منه، وعلى الرغم مني» في حين كان سارتر يسخر من اليسار كله هل يمثل التصويت التزامًأ هامشيًا؟ ربما. لم يُصوّت سارتر أبدًا وكان ينتقد هذا الطقس الديمقراطي، إنه « فخ الأغبياء». وقد صوت كامو بلا حماس. كان سارتر وكامو من الحالمين بجديّة باليوتوبيا، ولكنهما كانا أيضًا وريثيّن للفوضويين وللمنحازين للحرية المطلقة في القرن 19. وكذلك كان أونفرايّ! لم يكن سهلًا صياغة تعريف لمصطلح «libertaire المنحاز للحرية المطلقة» اعتمد أونفراي التعريف الذي يقدمه قاموس «لو روبير»: «هو ذلك الذي لا يقبل، ولا يعترف بأي حدود لحريته الشخصية في المجال الاجتماعي والسياسي» ورغم ما يقوله المثابر أونفراي، إلا أن كامو كان يميل للديمقراطية الاجتماعية وعقيدة حزب العمال وتطبيق الإصلاحات. وبدورِه، سعى سارتر وراء أفق الثورة الذي لم يصل إليه أبدًا، وكانت الثورة دائماً مؤجلة ووفقًا لأونفراي، لم يعترف سارتر أبدًا بأي خطأ من أخطائه في العلن، بدون شك كان الرجل ماكرًا ويتصرف في السر بطريقة أخرى. وفي 9 فبراير عام 1980، قبل وفاته بقليل، قال لي إنه أخطأ مرة واحدة على الأقل عندما اعتقد أن الحزب الشيوعي الفرنسي كان يجسد البروليتاريا. عندما سرد أونفراي تجاوزات سارتر في مواجهة العالم الشيوعي، كان يتجاهل عدة حقائق في دفاعه كان سارتر عنيفًا ودمويًا، وكان مثله مثل كامو مقاومًا شرسًا للاستعمار. وبتحريض من كلود لانزمان، كان يدافع عن الإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك عن المنسيين من بيافرا وعلى عكس ما كتبه أونفراي، لم يشجع سارتر أبدًا اليساريين الفرنسيين المتطرفين على الانخراط في الإرهاب. تحدث أونفراي عن «تبرير أفعال عصابة بادر ماينهوف» وفي الحقيقة، هناك تحولات في الرأي يصعب فك شفرتها، لأنه إذا كان سارتر زار في السجن أعضاء من فصيل الجيش الأحمر، إلا أنه لم يشجع نهائيًا بعض المعجبين الفرنسيين للسقوط في الإرهاب. وقد تورط كامو وسارتر في ذلك دون رغبتهما، ما يُغفله أونفراي. كان سارتر يخوض المعارك متأخرًا ومترددًًا: وأما كامو، فكان «معتدلًا» وقد وضع أونفراي خطًا أسفل ذلك بالقلم الرصاص العريض ورغم أن الشاعر جون بول دي دادسن صديق كامو لا يزال مجهولًا حتى اليوم، فإنه حاول تحديد فكرة الالتزام الغامضة والمشوشة: «لقد ولِدنا لتَحمُل الزمن، لا للانسحاب منه.» كان سارتر يؤكد أننا أحرار دائمًا عند الاختيار؛ على عكس كامو الذي كان أقل انقيادًا للقرارات التعسفية الأخلاقية والميتافيزيقية، وكان يعلن عن نفسه أنه « ضد الأدب الملتزم»، لأن «الإنسان ليس إلا كائن اجتماعياً». كان يشعر بنفسه متورطًا مثل باسكال، وكان يدرك أنه في موضع مثل سارتر. كتاب أونفراي، «الحياة الفلسفية لألبير كامو» الضخم والشيّق والمثير يقترح تجميعًا لحقبة زمنية لم يعرفها أونفراي نفسه، وحيث لا نتعرف فيها على سارتر. وفقًا لأونفراي، فإن كامو «زرديشت القادم من الجزائر»، «الفيلسوف الأعظم في القرن العشرين»، «المفكر الراديكالي للوجود الداخلي»، سيكون مُنزهًا عن العيوب المهنية أو الشخصية، بينما سارتر كذاب متلاعب ومَُنفِر. كانت أعوامًا سوداء: كان كامو مقاومًا فعلًا، يحمل اسمًأ مستعارًا وبطاقة ومسدس ويتسم بالتواضع؛ بينما كان سارتر مقاومًا هاويًا. ويلاحظ أونفراي عن حق أن جاك لوران بوست، عضو الخلية المقاومة المنتمية لسارتر، لم يكن يستطيع حتى نقل آلة نسخ في عهد الاحتلال، كما ذكرت سيمون دي بوفوار. اعترف بوست لي أن هذه المقاومة كانت من فئة «اصنع بنفسك»- على حد تعبيره. وأثناء أيام التحرير المزدهرة، والتي أرسلها كامو في مجلة Combat لتحرير فرقة الكوميدي فرانسيز، كان سارتر يغفو مع الأوركسترا وبعد نشر رواية «المتمرد» عام 1951، وعبر الخصومة البديعة الأسلوب والعقيمة سياسيًا، والتي فرقت بينهما في مجلة « Les Temps modernes عام 1952، كان كامو يسخر من هؤلاء الذين لم يشاركوا في صنع التاريخ، واكتفوا بالجلوس على مقاعدهم ومسايرة حركته». وفي باب البورتريهات، يقدم أونفراي عشرين صفحة متميزة وأصلية عن جون جرونيه، أستاذ كامو في الفلسفة في مدرسة ليسيه الجزائر ويُصور جرونيه على أنه «كاثوليكي خفيّ» و»معارض للمقاومة» و»غير مُحصن من معاداة السامية». ونعثر هنا وهناك على صور مبهجة لبرودون وأخرين غيّره، مثل فرناند بيلوتييه (1867-1901)، والتي يخشى كامو فيها «أن يتلاشى تحت وطأة أفكار ماركس». خديعة: ينتقد أونفراي «الصمت المنظم عن أعمال كامو وأفكاره، قانون الصمت المفروض على فلسفته». ربما عن طريق طائفة من مشجعي سارتر. ولكن بالنسبة لملايين القراء. تأملات هزلية: إذا صدقنا كلام أونفراي، فإن سارتر كان يذكر باستمرار كتب كامو بالسوء، وهذا ليس صحيحًا وعلى سبيل المزاح، سألتُ سارتر عشر مرات عمن لا أتوافق معهم سياسيًا، وما هي أفضل كتب كامو. وكان رده يأتي دائمًا: «السقوط»، وذلك لأن كامو «موجود فيه كليةً ومختبئ داخله تمامًا» كان أونفراي يلجأ لمفردات خاصة ويدور حول الأنطولوجيا والفينومينولوجيا، ويَُنفس عن نفسه ويكبت مشاعره في نفس الوقت، ولا يتورع عن ترديد القصص الهابطة. إذن هل يُمثل هذا الكتاب سيرة لكامو أم أنه يُعد سيرة ذاتية لأونفراي؟ إذا كان هذا الأثر الأدبي، وهذا الصرح من التململ، وهو دون شك مخلص وغير مُتقن ويعيدنا إلى نصوص كامو وسارتر، فهذا أفضل. وإذا زاد التناقض، فلا بأس وفي عام 2012، يبدو الأمر عبثيًا ولا فائدة من معارضتهما كان سارتر وكامو قبل كل شيء فنانيّن ومحترفين في نَظْم الكلمات كانا «يحملان زمنهما» دون إنكاره. وفي خلال خمسين عامًا، نسينا معركة «المتمرد» وأخطاء سارتر. أصبحت محاولات كامو المترددة تقبع في الكتب المدرسية وفي مزبلة التاريخ، عندما تتردد في الذاكرة «حفلات الزفاف» و«الغريب» و«السقوط» ، وبالمثل «الغثيان»، و«الأبواب المغلقة»، و»الكلمات».