وكيلة اقتصادية الشيوخ: التسهيلات الضريبية الجديدة تدعم استقرار السياسات المالية    النائب محمد مصطفى: التسهيلات الضريبية الجديدة دفعة قوية للصناعة المصرية    النائب ناصر الضوى: الإصلاحات الضريبية الجديدة تدعم تحول الاقتصاد نحو الإنتاج والتشغيل    نتنياهو بعد غزة: محاولات السيطرة على استخبارات إسرائيل وسط أزمة سياسية وأمنية    احفظها عندك.. مجموعات كأس العالم 2026 كاملة (إنفوجراف)    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    "بيطري الشرقية" يكشف تفاصيل جديدة عن "تماسيح الزوامل" وسبب ظهورها المفاجئ    «بيصور الزباين».. غرفة تغيير ملابس السيدات تكشف حقية ترزي حريمي بالمنصورة    وفاة عمة الفنان أمير المصري    عالم مصريات ل«العاشرة»: اكتشاف أختام مصرية قديمة فى دبى يؤكد وجود علاقات تجارية    أحمد مجاهد ل العاشرة: شعار معرض الكتاب دعوة للقراءة ونجيب محفوظ شخصية العام    البلدوزر يؤكد استمرار حسام حسن وتأهل الفراعنة فى كأس العالم مضمون.. فيديو    لارا أبوسريع تحصد الميدالية الذهبية في كأس مصر للجمباز    يورتشيتش يكشف عن قائمة بيراميدز لمواجهة بتروجت في قمة مؤجلة بالدوري الممتاز    تايكوندو - معتز عاصم يتوج بذهبية بطولة العالم تحت 21 عاما    كأس العالم 2026 – ساسي: سنتحد لصناعة التاريخ.. وهذه ميزة للنسخة المقبلة    الخارجية الفلسطينية تُرحب بقرار الأمم المتحدة بتمديد ولاية وكالة الأونروا    مسئول أمريكى: قوة الاستقرار الدولية فى غزة قد تُصبح واقعًا أوائل عام 2026    تطورات غزة تلقي بظلالها على إسرائيل: ضغوط داخلية وتحذيرات أمنية في القطاع    محامي ضحايا مدرسة "سيذر" يكشف تفاصيل إحالة القضية إلى النيابة العسكرية    رئيس لبنان: نعتمد خيار المفاوضات مع إسرائيل لوقف الأعمال العدائية    غرامة على إكس، معركة دبلوماسية بين أمريكا والاتحاد الأوروبي على المحتوى المضر    أزمة أم مجرد ضجة!، مسئول بيطري يكشف خطورة ظهور تماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    قارئ قرآن فجر نصر أكتوبر: «دولة التلاوة» يحتفي بالشيخ شبيب    المدير التنفيذي لمعرض الكتاب يوضح سبب اختيار شعار «ساعة بلا كتاب.. قرون من التأخر» للدورة المقبلة    لأول مرة.. زوجة مصطفى قمر تظهر معه في كليب "مش هاشوفك" ويطرح قريبا    تباين الأسهم الأوروبية في ختام التعاملات وسط ترقب لاجتماع الفيدرالي الأسبوع المقبل    حيلة سائق للتهرب من 22 مخالفة بسيارة الشركة تنتهي به خلف القضبان    رسالة بأن الدولة جادة فى تطوير السياسة الضريبية وتخفيض تكلفة ممارسة الأعمال    رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الأسبق: ما حدث بحق قحطان الشعبي حماقة.. وأجندات خارجية وراء الصراعات    الصحة تفحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    الصين: نساعد في تحسين الوضع الإنساني في غزة وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني    القاصد يهنئ محافظ المنوفية بانضمام شبين الكوم لشبكة اليونسكو لمدن التعلم 2025    بيل جيتس يحذر: ملايين الأطفال معرضون للموت بنهاية 2025 لهذا السبب    مكاتب البريد تتيح إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    بالأسعار، الإسكان تطرح أراضي استثمارية بالمدن الجديدة والصعيد    دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة    وزارة الداخلية تحتفل باليوم العالمي لذوى الإعاقة وتوزع كراسى متحركة (فيديو وصور)    عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة يوضح أسباب تفشّي العدوى في الشتاء    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    وزارة العمل: وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    من بينهم ترامب.. 3 رؤساء حاضرون في قرعة كأس العالم    حافظوا على تاريخ أجدادكم الفراعنة    14ألف دولة تلاوة    تفاصيل تخلص عروس من حياتها بتناول قرص حفظ الغلال بالمنيا بعد أشهر قليلة من زوجها    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    جامعة الإسكندرية تحصد لقب "الجامعة الأكثر استدامة في أفريقيا" لعام 2025    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    مواعيد مباريات الجمعة 6 ديسمبر 2025.. قرعة كأس العالم 2026 وبطولة العرب وقمة اليد    مصر ترحب باتفاقات السلام بين الكونجو الديمقراطية ورواندا الموقعة بواشنطن    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى حوار مع الفائز بجائزة بوكر لعام 2025 |ديفيد سالاى: كافكا كاتب كوميدى
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 28 - 11 - 2025


حوار: بيليندا بامبر ، ترجمة: بسمة ناجى
أعلنت جائزة البوكر البريطانية فوز الكاتب البريطانى المجرى ديفيد سالاى فى دورة 2025 عن روايته "جَسَد"، وهى العمل الروائى الخامس لسالاي، وتحكى حياة رجل واحد، ايشتفان، من شبابه حتى منتصف العمر.
تُفتتح الرواية بحادثة صادمة: سقوط ايشتفان، المراهق الذى يعيش فى مجمع سكنى مع والدته بالمجر يتتبع سالاى البطل وهو يقضى وقتًا فى الخدمة العسكرية قبل أن ينتقل إلى لندن، حيث يبدأ العمل لدى طبقة فاحشى الثراء وتستكشف الرواية المكتوبة بأسلوب نثرى متقشف، مواضيع الذكورة، والطبقة الاجتماعية، والهجرة، والصدمات النفسية، والجنس، والسلطة.
وصف رئيس لجنة تحكيم الجائزة، رودى دويل، الرواية بأنها "من نواحٍ عديدة، رواية كئيبة جدًا، لكن قراءتها متعة" وقال دويل إن قرار منح الجائزة كان "إجماعًا".
وأضاف أن الرواية "تركز على رجل من الطبقة العاملة، وهى فئة لا تحظى فى العادة بالاهتمام الكافي.
كما تقدم لنا نوعًا معينًا من الرجال وتدعونا للنظر لما وراء الأقنعة" انضم إلى دويل فى لجنة هذا العام الممثلة سارة جيسيكا باركر، إلى جانب الكُتاب كريس باور، وأيوبامى أديبايو، وكيلى ريد.
هنا حوار مع سالاى حول الرغبة والصمت وأجساد الرجال فى روايته "جَسَد".
"جَسَد" عنوان استفزازي وبرغم تقديم الرواية للكثير من العلاقات الجنسية، إلا أن القصة تبدو مرتبطة أكثر بحقيقة أن جَسَد بطلها ايشتفان القوى والجذاب إما يورطه فى المشاكل أو يجلب له الحظ الطيب، وكيف يؤثر هذا الإطار الخارجى (الجَسَد) على تصرفاته كابن، وعاشق، ومصارِع، ومجرم شاب، وجندي، وزوج، ورجل قادر على العنف ولكنه أيضًا أب حنون. لماذا اخترت هذا العنوان؟
كان هذا هو العنوان الذى عملت به أثناء كتابة الرواية، وتوقعت أنى سأستبدله بعنوان "أدبي" أكثر، إلا أننى قررت فى النهاية التمسك به إنه، كما تقولين، استفزازى نوعًا ما. يبدو مُبتذلًا، بل وركيكًا. لكن ربما يعكس شيئًا ما فى الرواية وبالطبع، فإن للكلمة نسب أدبى قوي-الكتاب المقدس، شكسبير. إنه يجمع بين الرخيص والعميق، المبتذَل والجاد، بطريقة ما شعرت أنه مناسب فهو يشير إلى أحد الشواغل الرئيسية للرواية، الطبيعة الجَسَدية التى لا مفر منها لوجودنا، بكل ما يترتب على ذلك. وبعيدًا عن أى شيء آخر، أعتقد أنه مجرد عنوان قوى ومؤثر ولا يُنسى!
كيف بدأتَ كتابة هذه القصة؟
فى عام 2020، تخلّيتُ عن كتاب عملتُ عليه لعدة سنوات، وكنت قد كتبت معظمه بالفعل كان قرارًا صعبًا فى ذلك الوقت، بالطبع، ولكنه كان القرار الصائب بالتأكيد، وشعرت بارتياح كبير حين اتخذتُ القرار أخيرًا. لكن بقى بداخلى شعور بضغطٍ هائل بضرورة أن ينجح الكتاب التالي.
نما الفصل الأول من الرواية من الكتاب المهجور، من أحد الأجزاء القليلة التى شعرتُ أنها تستحق الاحتفاظ بها. كانت عملية صعبة إلى حد ما لأن ثقتى كانت قد اهتزت.
"جَسَد" روايتك الخامسة، هل تستمتع بعملية الكتابة أم تخوض معركة لإخراج أفكارك إلى الحياة؟
كلاهما، على ما أعتقد. أنا أستمتع بعملية الكتابة بشكل كبير وغالبًا ما تسعدنى التجربة وفى الوقت نفسه، يمكن أن تبدو كمعركة، ليست بالضرورة لمنح الأفكار حياة بقدر ما هى لتحديد الأفكار المناسبة فى المقام الأول؛ وأعنى ب "الأفكار المناسبة" الأفكار التى تجذبنى فعلًا، لا الأفكار التى أشعر أنه يجب أن تجذبني، أو التى أعتقد أنها من المحتمل أن تشد القارئ. يتطلب ذلك قدرًا معينًا من الصدق والإيمان بالذات، ما لا يسهُل استجماعه دومًا، لكن إذا تمكنتَ منه، إذا تمكنتَ من تحديد الأفكار والمواقف والقصص التى تشدك وتحيك حقًا، وكتبت عنها فقط، فغالبًا ما يكون إخراجها للحياة أسهل نسبيًا.
شخصية ايشتفان تحمل أصداء أبطال القصص المُتصلة فى "جوهر الرجل" التى وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر 2016 ما الذى ألهمك لإعادة انتاجها فى رواية كاملة؟
من البداية تصوّرتُ "جَسَد" فى شكلٍ تقليدى لرواية أكثر منها مُتتالية قصصية لكنى أردت أن تتمتع ببعض السعة وتنوع الخبرات والأماكن التى تسمح بها القصص المنفصلة المُتصلة تشترك هذه الرواية كثيرًا مع "جوهر الرجل" كلاهما سلسلة من القصص حول رجال يتقدمون فى السن تدريجيًا، والفرق أن الأبطال رجال مختلفون فى "جوهر الرجل"، أما فى "جَسَد" فهو الرجل ذاته فى أعمار مختلفة. فصول "جَسَد" شبه مكتملة، ويمكن قراءة كل منها كقصة قائمة بذاتها تقريبًا.
كُتبت الرواية بهذه الطريقة، كل فصل كوحدة مُستقلة تقريبًا تتناول "جَسَد" تغيراتنا الكبرى على مدار حياتنا بينما نبقى بطريقة ما الشخص نفسه بنهاية الرواية، نرى ايشتفان مختلفًا تمامًا عن ايشتفان الذى عرفناه فى الفصل الأول، ولكنه الشخص نفسه، ويمكن التعرف عليه.
كما أن أحداث "جوهر الرجل" تدور على مدار عام واحد، بينما تغطى "جَسَد" عقودًا من الزمن، لذلك تقدم مجالًا أكبر لاستحضار الطرق التى تتشكل بها شخصيات البشر بفعل الأحداث التاريخية الخارجة عن سيطرتهم، واستجابتهم لها.
توصف رواياتك بأنها «واقعية» هل أنت سعيد بهذا التصنيف؟
لا يزعجنى أبدًا أن أُوصَف ككاتب واقعي أنا منجذب إلى الواقعية ككاتب، وكقارئ أيضًا ببساطة، أرى أن الواقع أشد جمالًا وجاذبية من أى شيءٍ آخر أنا مهتم بالقصص التى تدور أحداثها بشكل ملموس فى عالمى الخاص – وأعنى بذلك بشكل أساسى كوكب الأرض فى أواخر القرن العشرين/أوائل القرن 21- وبالتالى فهى تتناول على وجه التحديد حقائق العيش فى هذا العالم.
أنت بارع فى كتابة الحوار الذى يبدو مبتذلًا ولكنه يكشف بطريقة ما عن الشخصية من خلال ما لم يُقَل فى "جَسَد"، يخبرنا عجز ايشتفان عن التعبير بالكثير عن شخصيته. كيف وظَّفتَ ذلك فى القصة؟
اتخذتُ قرارًا واعيًا بالكتابة عن شخصية غير مُعبِّرة أعتقد أن هذا جانب من جوانب الواقعية، بطريقة ما، حيث أردتُ أن أكتب بشكل غير واقعى عن شخصيات غير مُعبرة، مَن وجدوا أنفسهم بلا مشاعر محددة ويمكنهم التعبير عنها فى لحظات مناسبة بكلمات مُختارة بدقة فى الواقع، أعتقد أن "جَسَد" تدور بشكلٍ كبير حول الغموض المُربِك للمشاعروتذبذبها، والعلاقة شديدة التعقيد والتقلب بين ما نشعر به والكلمات التى نستعملها للتعبير عنه فالمشاعر الصامتة أو التى لا نُجيد التعبير عنها، أو المشاعر المطمورة فى الأحاديث التافهة، غالبًا ما تترك أثرًا عميقًا ويصعُب تجاوزها.
يمكن قراءة "جَسَد" كاستكشاف للرجولة – بدءًا من ايشتفان المراهق المُتعب بجنسانيته، مرورًا باحترام كيرت له كجندى يواجه الموت، وإلى جرحه عندما يحط توماس من قدره بوصفه الشكل البدائيّ للذكورة- هل الرواية، بصدقها الشديد وواقعيتها، هى دفاع عن الرجولة؟
أعتقد أنى أردت أن تكون الرواية وصفًا صريحًا ولكنه متعاطف بشكل أساسى لما يشبه العيش فى جَسَدٍ رجل –أو فى الواقع أن تكونَ أنت جَسَد رجل - الكثير من أسئلتك تضع حَدًا واضحًا للتمييز بين الجَسَد والعقل وهو تمييز تقليدى جدًا بالطبع، مسيحى جدًا، وديكارتى جدًا، لكنى أردت الابتعاد عن تصوير الوجود الإنسانى كعقل "محاصَر" بطريقة ما داخل جَسَد أردتُ أن أنظر إلى البشر على أنهم أجساد تفكر. ربما يُسَهِّل النظر إلى الأمور بهذه الطريقة فهم المجتمع والتاريخ البشري. وبالعودة إلى الرجولة، نعم، فى الرواية أردت استكشاف ماهية الرجولة، ومآلها، وكان الصراع بين ايشتفان وتوماس وسيلتى لذلك ولا أعرف إن كان هذا يشكّل دفاعًا عن الرجولة. أثناء الكتابة حاولتُ ألا أفكر فى هذه الأشياء بمصطلحات مجردة.
لفتت نظرى أوجه التشابه بين ايشتفان وزوج ابنته توماس، فكلاهما ابن وحيد قليل الكلام ومُهمَل، رغم أن الأول من عائلة فقيرة فى المجر، والثانى ابنًا لزوجين فاحشَى الثراء يعيشان فى إنجلترا هل قصدت هذا الربط بينهما؟
بالطبع يشتركان فى الكثير من أوجه الشبه لكن الأهم التباين بينهما، وبين ظروف نشأة ايشتفان وظروف نشأة توماس ثمة هوة ما لا يمكن ردمها، قد تُبررها السمات الفردية للشخصيتين، ولكنها تتعلق أيضًا بأمور أعَم يسود بينهما قدر من الازدراء، بالإضافة إلى غياب رغبة كل منهما فى فهم الآخر وهكذا أصبح صراعهما لا مفر منه.
يبدو أن سلبية ايشتفان المعتادة فى العلاقات تضع نمطًا لعلاقاته العابرة – غالبًا مع نساء أكبر سنًا منه - لماذا يُعتبر هذا النمط ذا دلالة؟
أعتقد أن حياتنا غالبًا ما تتبع أنماطًا يُرسخ لها فى وقتٍ مبكر، وهى طرق للوجود نقررها بلا وعى ثم تصبح عادة، وفى حالة ايشتفان، حدث ما تَصفينه بأنه نمط. أردتُ أيضًا استكشاف ديناميكيات الرغبة، وكيف أنها لا تثبُت، بل تتغير وتتطور بطرق لا يمكن توقعها أحيانًا.
قد تثير شخصياتك من الرجال التقليديين انزعاج القارئات، رغم أن الشخصيات النسائية لا تمثل نماذج أخلاقية مثالية أيضًا هل تتوقع رد فعل من القارئات، أو تسعى إليه؟
لا أعتقد أننى أحاول عمدًا استفزاز القارئات تحديدًا! لكنى أعترف بأن بعض جوانب الرواية قد تكون استفزازية بشكل عام.
كما قلتِ، لدى إخلاص ما للتجربة الواقعية وهى أحد مبادئى التوجيهية فى كتابة هذا العمل (وكتابة أى شيء فى الحقيقة)، وهذا يقود أحيانًا إلى مواضع شائكة عدم التوقف عند النقطة التى تصبح فيها الأمور غير مريحة هو جوهر هذا النهج وكما أشرتِ، ينطبق هذا المبدأ على الشخصيات النسائية فى الرواية أيضًا.
(رغم أن الكتابة عن النساء بالنسبة لى كرجل ستكون مختلفة قليلًا عن الكتابة عن شخصيات الرجال، كما هو الحال بالنسبة للكاتبات). فيما يتعلق بالقارئات، ربما يجب أن أذكر أن غالبية كلمات الثناء على غلاف الرواية من كاتبات قد يبدو هذا دفاعيًا... ومع ذلك، فهذه حقيقة، وهى تسعدنى لأنها تدحض الزعم بأن كتبى تستهدف الرجال بشكل خاص، لم أفكر فى هذا أبدًا.
فى مشهدٍ هزلى بقدر ما هو مُروِع، تُشتت هيلين انتباهها عن الوضع الصحى الخطير لزوجها فى المستشفى، فتعرض على عشيقها ايشتفان ممارسة الجنس فى فندق. بالنسبة لي، يُعرّى هذا الموقف الشخصيتين ويدينهما باللامبالاة والأنانية هل يُمثل إظهار شخصياتك فى أحلك لحظاتها تحديًا لك، أم أنها تحدٍ لنا كقراء؟
نوقشت هذه اللحظة تحديدًا خلال عملية تحرير الكتاب كان السؤال الأساسى هو هل تماديتُ فى الأمر؟ هل تجاوز الموقف الحد إلى الاستفزاز المتعمد؟ لم أكن متأكدًا. وفى النهاية، كانت الإجابة هى لا لست متأكدًا من أن المشهد يقدم هيلين وايشتفان على أنهما "غير مباليَين، أنانيَين، أو ساقطَين"، يمكن وصف الحدث نفسه بهذه الأوصاف، لكنى لستُ متأكدًا من أننى سأسحب هذا الحكم ليشمل الشخصيات نفسها، وليس بناءً على هذا المشهد وحده على أى حال، تقرر الإبقاء على المشهد، وأنا سعيد بذلك نعم، كنت قاسيًا مع شخصياتي، لأنى أحاول التعاطف معهم كما هم، لا كما قد أريدُ لهم أن يكونوا.
يساعد موجهو ايشتفان فى رفع مكانته الاجتماعية من خلال تعليمه آداب السلوك الإنجليزية تصطحبه هيلين فى جولة بالمعرض الوطني، فيتوقفان أمام لوحة "استعارة لزوال الحياة البشرية"، وهى لوحة من الطبيعة الصامتة الهولندية تظهر جمجمة على الطاولة تطرح اللوحة صلة قوية بموضوع هذه الرواية، حيث الإحساس بالموت وفساد الجَسَد حاضران باستمرار هل يمكننا القول بأن غرور الحياة البشرية هو الموضوع الرئيسى لك ككاتب؟
بطريقةٍ ما، نعم. إدراج تلك اللوحة الصامتة، رغم عدم تسميتها فعليًا فى الرواية، يحمل شيئًا من الأهمية التى أشرتِ إليها. أودُ التأكيد فقط على أنى لا أقلِل من مُتع الوجود بل على العكس، أنا أقدرها بشدة الأمر كله أنى أميل لرؤيتها فى سياق يحكمه الفناء، والزوال، والموت. أجد نفسى متوافقًا مع العديد من مواقف الحضارة الكلاسيكية الأوروبية ما قبل المسيحية أعتقد أننا، فى مجتمعنا ما بعد المسيحي، وصلنا إلى مكان مماثل للمكان الذى وجد فيه سكان تلك الحضارة أنفسهم، وبالطبع هذا أحد الجذور الرئيسية لحضارتنا. من بعض النواحي، "جَسَد" مبنية فى بعض جوانبها على نموذج المأساة الكلاسيكية.
يُظهِر صعود وهبوط ايشتفان ظروفه المتغيرة تدريجيًا، من جندى إلى حارس نادٍ للتعري، إلى سائق خاص، إلى مطور عقاري، لكنك قدمت العديد من المشاهد الدرامية الرئيسية فى حياته بما فى ذلك ذروتها، بعد وقوع الحادثة، لا كجزء محورى من السرد. ما سبب هذا التباعد؟
ربما لاهتمامى بالنتائج التى تتدفق من اللحظات الدرامية العنيفة أكثر من اللحظات ذاتها. كما أرى أن اللغة أكثر ملاءَمةً لهذا النهج كوسيط فني. فالسينما والتلفزيون تتمتعان بفورية التأثير التى يصعُب محاكاتها أو التنافس معها فى الدراما وتمتاز عنهما اللغة حين يتعلق الأمر بإعادة خلق التجربة الذاتية فعلى المستوى الذاتى للبشر، عادةً ما يحدث إعتام ما فى اللحظات العنيفة، فى لحظات الغضب أو الذُعر، والتى قد يصعُب وصفها بالكلمات، وذلك لأن الكلمات قد تتلاشى فى تلك اللحظات وتصبح التجربة بالكامل غير لغوية ربما لهذا السبب ثمة فجوات فى تلك المناطق. أحيانًا تكون فجوات حرفيًا، صفحات فارغة.
ما الذى يكمن وراء سرد ايشتفان الدائري، الذى يبدأ وينتهى من النقطة نفسها؟ يبدو أنه يكتسب بعض المعرفة الذاتية على طول الطريق، بل وربما لحظة من الخلاص. هل فكرتَ فى هذا عندما بدأت كتابة الرواية أم أنه فاجأك؟
لا، كنتُ أعرف طوال الوقت ما سيحدث، على الأقل فى الخطوط العريضة. إن اكتساب ايشتفان لبعض المعرفة الذاتية أو ما يشبه الخلاص بحسب تعبيرك، على الأقل فى نظر المراقب، كان جزءًا من الخطة طوال الوقت قد تصير كآبة القصة بلا معنى بدون ذلك. كان التحدى تفادى المعالجة السطحية للقضايا الأخلاقية. وأعتقد أن شكل السرد الدائرى يؤكد إلى حدٍ كبير مدى التغيير الذى مر به.
نحن لا نسمع صوت ايشتفان سوى مرة واحدة من خلال تقليد هيلين الساخر: "شووور يمكنك أن تثق بي" تقلده بلكنة ثقيلة"، ما يذكرنا باغترابه. هل ساعدت طفولتك المتنقلة فى تعميق فهمك لشعور الوافد، وكيف يؤثر ذلك على كتابتك؟
بالطبع أثَّرت تجربتى الحياتية المتمثلة فى التنقل بين البلدان لعدة مرات وعدم الشعور بالراحة الكاملة فى أى مكان، بشكل كبير على ما أكتب عنه وكيف أكتب عنه. أجدنى منجذبًا إلى القصص عن الأشخاص المتنقلين، ومن يعيشون فى بيئات غريبة بطرق مختلفة وبشكل أكثر تحديدًا، قضيتُ العقد الماضى من حياتى بين المجر وبريطانيا، وأردت كتابة رواية تعكس ذلك وتستفيد منه.
لقد تمكنتَ بطريقة ما من جعل شخصياتك مؤثرة على المستوى الشعورى رغم أفعالهم المستهجنة هل يهم فى النهاية إذا كان ايشتفان "شخصًا غير لطيف" (كما يصفه أحد الشخصيات)؟
هل ايشتفان شخص لطيف؟ هل هو غير لطيف؟ لا أعرف. وربما حاولتُ عَمدًا خلق موقف يكون فيه السؤال غير قابل للإجابة، وربما لا معنى له أصلًا. وينطبق الشيء نفسه على الشخصيات الأخرى فى الرواية ربما لأنى أضجر من القصص التى تكون فيها القضايا الأخلاقية واضحة وسهلة الفهم، وهى القصص التى يسهُل فيها معرفة مَن يستحق استحساننا الأخلاقى ومَن يستحق رفضنا مثل هذه القصص غالبًا ما ترضى غرور جمهور القراء أو المشاهدين وشعورهم بالتفوق الأخلاقي. لا ابالغ إن قلت إن تركيزى ينصب غالبًا على القصص التى تطرح أسئلة أخلاقية صعبة أو ربما مستعصية.
تحتوى روايتك على الكثير من اللحظات الكوميدية أيضًا من يضحكك فعلًا على الجانب المظلم من الحياة من الكُتاب الساخرين؟
أستمتع بكتابات مارتن أميس حين يستهدف الفكاهة بالأساس أعتقد أن أسلوبه لا ينجح إلا فى النمط الكوميدي. بمجرد أن يتوقف عن محاولة أن يكون مضحكًا يتوقف عن أن يكون مثيرًا للاهتمام أيضًا. لكن رواياته المبكرة، وخاصة The Information هى أمثلة رائعة وغريبة ومحسنة للحياة للضحك فى الظلام. وينطبق الكثير من هذا أيضًا على ميشيل ويلبيك –بطريقة غريبة، وبالمثل لأميس، فإن الكوميديا على وجه التحديد هى التى تمنح كتبه عمقها وإنسانيتها - إن حقيقة أن الكثير من الناس يجدون كلا الكاتبين مسيئين بطرق مختلفة ربما لا ينفصل عن نجاحهما كفنانين فكاهيين لكى تكون الكوميديا مضحكة بعمق وبشكل صحيح، يجب أن تتطرق إلى أشياء مؤلمة ومروعة، ويجب أن تخاطر فى الحديث عنها. أعتبر كافكا أيضًا كاتبًا كوميديًا أولًا وقبل كل شيء أستمتع بكتابة مارتن أميس عندما يكون هدفه الرئيسى هو إثارة الضحك. فى رأيي، أسلوبه لا ينجح إلا ضمن الإطار الكوميدي؛ فبمجرد أن يتوقف عن السعى للفكاهة، يفقد جانبًا من جاذبيته مع ذلك، تُعد رواياته المبكرة نماذج رائعة وغريبة تبعث على الحياة وتجسد مبدأ الضحك فى مواجهة الظلام وينطبق هذا إلى حد كبير على ميشيل ويلبيك أيضًا بطريقة غريبة ومماثلة لأميس، تمنح الكوميديا أعماله عمقها وإنسانيتها. ربما لا ينفصل استياء الكثيرين من هذين الكاتبين لأسباب مختلفة عن نجاحهما فى خلق الفكاهة؛ فلتحقيق فكاهة عميقة وأصيلة، يجب عليها ملامسة الأمور المؤلمة والمريعة والمخاطرة بتناولها.أضيف أننى أعتبر كافكا، فى المقام الأول، كاتبًا كوميديًا.
يُشكِّل انضمام المجر للاتحاد الأوروبى خلفية تاريخية لقصة ايشتفان. ما الذى تستمتع به فى العيش هناك؟
أنا أعيش حاليًا فى فيينا، لكنى ما زلت أقضى الكثير من الوقت فى المجر لأسباب عائلية. بودابست مدينة رائعة من عدة نواحٍ، ومكان مثير وممتع للعيش فيه إنها تمتاز بالجرأة والحيوية، ولا تزال توحى بأنها مكان يواصل التشكُّل والنمو فى خضم عملية تحول مستمرة عشتُ هناك لعدة سنوات، واستمتعتُ بذلك كثيرًا لكن من الواضح أن الوضع السياسى فى المجر ليس رائعًا، وبغض النظر عن توجهاتك السياسية، ما لم تكن مؤيدًا فعالًا لانتشار فساد النخبة والديماجوجية التلاعبية الساخرة. لقد أصبح العيش مع هذا الواقع مُحبطًا بعض الشيء، حتى فى بودابست التى تعتبر مدينة معادية سياسيًا للنظام الحاكم.
ما روايتك المجرية المفضلة؟
تعجبنى أعمال لاسلو كراسنوهوركاى وأعتقد أنها تحمل فى جوهرها ملمحًا مجريًا قويًا، ولكن روايتى المجرية المفضلة، مما قرأتُ، هى على الأرجح "لا مصير" للحائز على جائزة نوبل إيمره كيرتيس.
ولدتَ فى كندا، وانتقلت إلى بيروت ثم إلى إنجلترا كطفل، وقضيتَ سنوات من شبابك فى بودابست لكنك تقدم نفسك كبريطاني مجري فأى بلد أو بلدان يُصنَّف عملك ضمن إرثها الأدبي؟
عندما وصلت روايتى إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر عام 2016، سارعت كل من كندا والمجر إلى وصفى بأنى "روائيها". وبالطبع استمتعت بذلك. لا أستطيع ادعاء أنى كنديٌ خالصٌ أو مجريٌ خالص، فأنا أشعر باتصال عميق بكلا البلدين، وكان طيبًا أن يتم الإعلان عن أنه شعورٌ متبادل بهذه الطريقة. لا يمكننى ادعاء أنى بريطانيٌ خالصٌ أيضًا، بالطبع. لذا فإن حالتى مُعقدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.