تعثرت قدم الصبى حسين عبد الرسول فى حجر عندما كان يحمل الماء لتوصيله لخيمة «هوارد كارتر» والمجموعة التى كانت معه، وكان وقتها يجمع مقتنياته للرحيل من المكان عندما فشل فى العثور على مقبرة الملك الذهبى الصغير «توت غنخ آمون»، وكتبت العناية الإلهية أن يكون الصبى حسين عبد الرسول هو أول من أبلغ هوارد كارتر بالمكان الذى اكُتشفت فيه المقبرة، وهناك قصة طويلة تبين كيف تدخلت العناية الإلهية عندما وضعت مرقص باشا حنا وزير الأشغال الوفدى فى طريق «كارتر» قبل أن يتم تهريب كنوز المقبرة، ووضعها تحت حراسة الحكومة المصرية الدقيقة، ولولا ذلك كانت كنوز الملك الذهبى منهوبة ومبيعة للعديد من المتاحف!. واليوم نقدم قصة الجندى المجهول فى فك رموز حجر رشيد وهو الكاهن القبطى المصرى يوحنا الشفتشى الذى تعلم على يديه «شامبوليون» اللغة القبطية التى وصل عن طريقها لفك شفرة اللغة المحفورة على حجر رشيد، ونتضامن مع من يطالب بعودة حجر رشيد إلى مصر ليسكن فى المتحف المصرى الكبير، والآن من هو القس يوحنا الشفتشى؟ وما حكايته مع شامبليون وحجر رشيد ؟ وتقول المراجع: إن القس يوحنا الشفتشى وُلد بالقاهرة لعائلة تحترف صياغة وتشكيل الذهب، وكانت هذه الحرفة متوارثة بين أقباط مصر من أقدم العصور، وتشير كلمة «الشفتشى» فى اللغة العربية إلى صائغ الذهب الماهر فى صنعة النقوش الدقيقة المُفرغة، وتشير السيرة الذاتية للقس يوحنا إلى أنه كان يعمل مترجماً فورياً بمنطقة الجيزة وكاتباً أول فى محكمة الشئون التجارية ؛ وتشير الوثائق إلى أنه عمل بناء على توصية من عالم الرياضيات « فورييه » مترجماً عند اللجنة اللى شكلها «كليبر» لجمع مواد تاريخ الحملة الفرنسية، ولما خرج الفيلق القبطى بقيادة المعلم يعقوب من مصر إلى فرنسا خرج معهم القس يوحنا، ويؤكد العالم المصرى د. أنور لوقا أنه عثر فى مخطوطات المكتبة الوطنية بباريس على إشارة مُقتضبة وردت فى خطاب من وزير الداخلية الفرنسى الى واحد من العلماء بالمدرسة المركزية يسأله رأيه فى الاستعانة بكاهن قبطى اسمه يوحنا يقال إنه واسع العلم باللغات الشرقية؛ وعُثر على توصية من عميد مدرسة اللغات الشرقية يشيد فيها بفضل هذا الكاهن القبطى وعلمه ويزكى الاستفادة من علمه، وعُثر على تزكية مؤرخة بتاريخ 6 أبريل 1816 تحمل توقيع سبعة من أشهر العلماء الفرنسيين يقدمون فيها الثناء على ثقافة الكاهن القبطى يوحنا مع الإشارة لزهده وتواضعه من خلال عمله كراعٍ للأقباط المهاجرين لفرنسا بكنيسة بشارع «سان روك» بباريس، وقصده الطالب «شامبليون» لينال على يديه دروساً فى اللغة القبطية ولازمه حتى انتقل فى عام 1825 الى مرسيليا التماساً لمناخ يناسب صحته، وتوفى القس يوحنا فى نفس السنة التى انتقل فيها إلى مرسيليا، وتؤكد المراجع أن شامبليون لم يكن أول من حاول فك رموز اللغة الهيروغليفية من خلال الفهم الدقيق المشترك مع اللغطة القبطية، لأن الراهب اليسوعى الألمانى « أثناسيوس كرش » المولود فى عام 1601 سبقه فى ذلك وكتب عن هذا كتاباً عام 1636 حاول أن يثبت فيه العلاقة بين الهيلوغرافية والقبطية ورحل عن الدنيا عام 1680، وربما يكون شامبليون اطلع على الكتاب الذى لفت انتباهه للعلاقة التى جعلته يذهب لتلقى دروس القبطية على يد القس يوحنا الذى كان يراجع معه النصوص التى توضح وتفسر وتشرح ذلك مما سهل على شامبليون فك رموز اللغة الهيروغليفية على حجر رشيد بالاكتشاف الذى خلد اسمه، ويبقى الكاهن القبطى يوحنا الشفتشى الجندى المجهول فى هذا الإنجاز التاريخى، وتبدأ قصة خروج حجر رشيد من مصر إلى لندن بعد مغادرة نابليون لمصر وظلت قوات الحملة الفرنسية تحت ضربات العثمانيين والإنجليز، إلى أن نزلت القوات البريطانية فى مارس 1801 فى خليج أبى قير فأتجه الجنرال مينو بقواته إلى شمال مصر وأخذ معه الآثار التى جمعها علماء الحملة الفرنسية، لكنه هُزم فى المعركة البحرية وتقهقرت قواته إلى الإسكندرية حاملين الآثار المصرية ومن بينها: حجر رشيد الذى عثر عليه الجندى «بيير فرانسوا بوشار» عام 1799، وتم وضع حجر رشيد فى مخزن بالإسكندرية باعتباره من ممتلكات القائد مينو الذى مُنى بهزيمة ساحقة، وتم توقيع معاهدة الاستسلام فى 30 أغسطس 1801، وتسليم الآثار التى فى حوزة الفرنسيين للمنتصر البريطانى بموجب المادة 16 من الاتفاقية، وقام معهد الآثار بلندن بعمل 4 نسخ من جصية النصوص المنقوشة على حجر رشيد فى عام 1802 أعطيت إلى جامعات أكسفورد وكامبردج وادينبورج وترينتى كولج فى دبلن، وتم عمل طبعات من الحجر وزعت على الباحثين فى أوروبا ونقش باللون الأبيض على الحافة اليمنى واليسرى إشارة إلى أن الحجر تم الاستيلاء عليه بواسطة الجيش البريطانى عام 1801 وأهُدى بواسطة الملك جورج الثالث، وفى نهاية الحرب العالمية خشيت إدارة المتحف على القطع الأثرية ومن ضمنها حجر رشيد فظلت فى قاعة أسفل محطة قطارات تبعد 16 متراً عن سطح الأرض فى ماونت بلزانت. وما يعنينا هنا أن العالم الفرنسى فرانسوا شامبليون نجح فى فك رموز اللغة الهيروغليفية فى 14 سبتمبر 1822 وسجل فى مذكراته السطور التالية التى يعترف فيها بفضل تعلمه للقبطية على يد القس يوحنا الشفتشى قائلاً : «سلمت نفسى بالكامل الى اللغة القبطية، أصبحت قبطياً الى درجة أن تسليتى الوحيدة هى ترجمة كل ما يخطر على بالى الى اللغة القبطية، وأتحدث الى نفسى بالقبطية فتمكنت من هذه اللغة لدرجة أننى أصبحت قادراً على أن أعلم قواعدها لأى شخص خلال يوم واحد، لقد تتبعت تسلسل الروابط التركيبية لهذه اللغة، والعلامات التى يصعب ملاحظتها، وحللت كل شيء تحليلاً كاملاً بما أعطانى المفتاح اللازم لحل اللغز وفك شفرة نظام العلامات الهيروغليفية عن طريق اللغة القبطية المتطورة منها». ذكر شامبليون فضل الكاهن القبطى يوحنا الشفتشى فى مذكراته عندما بعث خطاباً الى شقيقه يقول له فيه : «إننى ذاهب الى كاهن قبطى يسكن فى سانت روش فى شارع سانت هونورى وهو الكاهن الذى يعلمنى القبطية وكيفية نطق حروفها وأنا أكرس نفسى كلية لتعلم اللغة القبطية على يديه لكى أتقنها مثلما أتقن الفرنسية، ونجاحى فى دراسة البرديات المصرية سيعتمد على إتقانى لهذه اللغة القبطية، وهو أمر ذو أبعاد كبيرة»، ومن الجدير بالذكر أن اسم القس يوحنا الشفتشى ورد ضمن مجموعة العلماء الذين ساعدوا فى إعداد كتاب وصف مصر، وذكر هذه الحقيقة وزير داخلية فرنسا فى خطاب مُؤرخ عام 1802 قال فيه: «جاءتنى تزكية عن الكاهن القبطى المدعو يوحنا الشفتشى بأنه يتمتع بسمعة طيبة كعالم متمكن من اللغات الشرقية، وأدركت أنه ممكن الاستفادة من كفاءته فى العمل العظيم الذى ينكب عليه العلماء الراجعون من مصر». رحم الله القس المصرى يوحنا الشفتشى الذى لولاه ما كان شامبليون قد تمكن من فك رموز حجر رشيد.