رسالة الشارقة: أحمد عبد اللطيف فى كلمة الافتتاح أعلن سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى عن الانتهاء من الموسوعة العربية الشاملة فى العلوم والفنون والإعلام، وأنجزها المجمع اللغوى بالشارقة، وتهدف الموسوعة لعمل توثيق يسد ثغرات الفراغ الأرشيفى والمعرفى العربي لو أن ثمة ملمحًا يمكن أن يميز معرض الشارقة للكتاب (5 نوفمبر-16 نوفمبر 2025) سيكون بالتأكيد هذا الزخم من التنوع المعرفي، التعرُّف على الثقافة بشكلها الأشمل، الجولة بين الكتب والطبخ والعرض البصرى والموسيقى، وضيوف متنوعون بين كُتّاب وممثلين وكُتّاب سيناريو وموسيقيين، بين كُتّاب عرب وأجانب من جنسيات مختلفة، وبين ندوات أدبية وأسئلة حول التكنولوجيا الجديدة والعالم الجديد فى ظل تطور الذكاء الاصطناعى وموقع الإنسان العربى بداخله. احتلت فكرة الورش، وطموحها لتحفيز الخيال والخروج من ضيق الواقع، مساحة قيّمة تشير كذلك إلى أهمية الإفادة من المتخصصين فى المجالات المختلفة، والتواصل مع الجديد، ففى ورشة «محقق من العصر الرقمي» يتحول المشاركون إلى محققين رقميين بأدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعى ويعتمدون على التفكير المنطقى لحل لغز إنها عملية تحليل للأدلة الرقمية والتعرف عبر تقنيات الذكاء الاصطناعى وأساليب التحرى الحديثة. وفى ورشة «مدينة الورق ثلاثية الأبعاد» يتحول الأطفال إلى معماريين يبنون مدنًا بقوالب مطبوعة وعبر القص والطي. استلهام فكرة رواية كان نموذج ورشة «مصابيح اللافا» لتوماس ويليت، وفيها صنع المشاركون مصابيح لافا متوهجة تضيء غرفهم وتحفظ قصصهم وذكرياتهم وأحلامهم فى سبيل خلق عالم خيالي بالإضافة إلى ورش أخرى فى التحرير الأدبى والسيناريو السينمائي، يهدف كل منهما تأسيس جيل جديد من الكُتّاب على دراية بتكوين الكتاب من الألف للياء وطرق كتابة السيناريو. ثمة حضور لافت للمستعربين، الإسبان تحديدًا، وعلى رأسهم البروفسورة لوث جوميث، مترجمة محمود درويش للإسبانية، وذلك فى جلسة استدعت المجد الأندلسى بعنوان «تأليف الحديقة: قراءة فى القصيدة الأندلسية» تناول فيها المتحدثون الوشائج بين ثقافتين بينهما تاريخ طويل مشترك. تنوع جلسات المعرض ما بين صورة المثقف فى الإعلام العربى وعلاقته بالجمهور، وهى ندوة شارك فيها كُتّاب مثل كريمة أحداد وعبيدو باشا وأنفال الدويسان، وتناولت الاختلافات فى الظهور على الشاشة والوسائل الجديدة الآن مقارنة بزمن ما قبل الإنترنت، وقرب المثقف من الجمهور مع وسائل التواصل الجديدة. وراحت ندوة «السرد الجديد والتجريب»، وشارك فيها ميس العثمان وهيا صالح وريما بالى وكاتب هذه السطور، إلى سؤال الكتابة الجديدة فى العالم العربى وما تطرحه من أسئلة، سواء تخص الذاكرة أو الهوية، أو تخص الشكل ومقدار تعبيره عن المضمون، فيما ركزت نهى محمود وبن لورى على قدرة الخيال والخفاء فى الكتابة السردية فى ندوة أدارتها لمياء توفيق، وتناول جيفرى ماسون وهويدا صالح وبولينا شيزيانى فكرة الانتماء وحكاياتها عبر أعمالهم الأدبية. فى سياق آخر تحدث الفنان خالد الصاوى وظافر العابدين عن تجربة كل منهما فى الكتابة والتمثيل وألقى الصاوى قصائد له بالعامية المصرية لاقت استحسان الجمهور. كان شخصية معرض الشارقة الكاتب الكبير محمد سلماوي، وألقى كلمة عبّر فيها عن التزامه بالقضية الفلسطينية وانتقد الإجرام الإسرائيلى والدول الغربية التى وقفت موقف المتخاذل. وفى كلمة الافتتاح أعلن سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى عن الانتهاء من الموسوعة العربية الشاملة فى العلوم والفنون والإعلام، وأنجزها المجمع اللغوى بالشارقة، وتهدف الموسوعة لعمل توثيق يسد ثغرات الفراغ الأرشيفى والمعرفى العربي. منح المعرض مساحة لافتة للفنون البصرية، فقدم عروضًا جذابة مثل «وجه واحد ومئة ذراع"، وهو استعراض تتشابك فيه الأشكال، وأحدثت فرقة الاستعراض النسائية «بلاك ويدو» عروضًا تستحيل فيها الحركات الدقيقة لوحةٍ حية لابتكار وهم بصرى خلّاب، ثمة أذرع تنبسط كالأزهار المتفتّحة مع أجسام تتمايل، ليتحول المسرح إلى عالم من العجائب. فيما قدمت فرقة بينج بونج بانج الاستعراضية عرضًا لأشخاص يحملون المضارب والكُرات تميز بالدقة فى اتّباع الإيقاع والمفاجآت البصرية. بدأت فرقة «بينج بونج بانج» مسيرتها على خشبة مسرح برنامج إيطاليا جوت تالنت 2023، كما حصدت «الباز الذهبي". كذلك شارك عرض الضوء الراقص، وقدمته فرقة مكوّنة من 4 أفراد، بملابس مضيئة بتقنية LED، فكانت حركاتهم المتزامنة وحضورهم المتوهج يشبه السفر إلى المستقبل وبالإضافة للعروض، قدم أربعة موسيقيين موهوبين مجموعة عروض حيّة وهم يرتدون رؤوس شخصيات ضخمة بمعزوفات مبهجة. لقد وازن المعرض بين النشاط الأدبى والفكرى وطرح قضايا معاصرة وتراثية، وامتد ليشمل الثقافة العربية خارج أرضها، وبين الورش الفنية والبعض منها خُصص للأطفال، وبين البعد البصرى من مسرحيات وعروض، والبعد السمعى المتمثل فى الموسيقى لقد قدّم بذلك صورة شاملة عن الثقافة وتكاملها، وقدّم للجمهور وجبة متنوعة تسمح له بالعديد من الاختيارات، وكان نتيجة ذلك إقبالًا لافتًا على المعرض وليس فقط على دور النشر والكتب، فتحوّل بذلك إلى كرنفال ثقافى يحصل رواده على المتعة بطرق مختلفة. ولعل اللافت هنا الاحتفاء بما تمثله مصر من تاريخ وأدب وفن، بدايةً من اختيار سلماوى كشخصية للمعرض، ومرورًا بالحضور القوى لخالد الصاوى وزاهى حواس والإقبال على ندوتيهما، ثم يأتى حضور كُتّاب مصريين فى العديد من الجلسات سلطوا الضوء على تجاربهم الإبداعية ثمة توازن حدث كذلك بحضور ندوات مشتركة بين كتاب عرب وكتاب أجانب، خاصة من الهند وتركيا، أظهر، وهو ما يهم، اختلافًا فى وجهات النظر حول التعامل مع الهوية والذاكرة، أو مساحات الخيال والواقع فى العمل الأدبي، وهو تلاقح ثقافى يبدو فى الظاهر أنه يمر مرور الكرام، غير أنه شديد العمق والتعبير عن التراث الأدبى والسياق التاريخى المرتبط بكل بلد وبكل كاتب. ولعل اللافت كذلك ثراء برنامج المعرض، والمراوحة ما بين الحاضر والمستقبل دون نسيان الماضى والتراثي، واستضافة كتاب ومتخصصين لهم باع طويل فى كل مجال، فالذكاء الاصطناعى يتجاور مع سؤال الأندلس والقصيدة العربية القديمة، والتسويق وسوق النشر وحقوق المؤلف، يتجاور مع سؤال التجريب والرواية الجديدة فى سياق مختلف ثم يأتى التنظيم والانتقال داخل المعرض وتوفير مرشدين داخليين لتسهيل حركة الضيوف كل ذلك أدى إلى كرنفال ثقافى هادئ وممتع وثري.