لم يكن الأسبوع الأول من قمة المناخ (COP 30)، المنعقدة فى مدينة بيليم البرازيلية، مجرد أسبوع من الاجتماعات الدبلوماسية المعتادة، لقد تحولت الأمازون إلى مزيج معقد من الاحتجاجات، التجاذبات السياسية، ومعارك التمويل المناخي، والجدل المحتدم حول مستقبل الوقود الأحفوري. ولعل أكثر ما يميز هذا الأسبوع هو أنه جمع بين أحداث درامية غير مسبوقة، وخطابات حادة وتصريحات قوية، وقرارات مالية طموحة، وصدام بين الوفود الرسمية وممثلى الشعوب الأصلية، بلغ اقتحام المؤتمر بالقوة. يأتى ذلك بعد أن انطلقت 10 نوفمبر 2025، أعمال الدورة الثلاثين لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ(COP30)، برئاسة لولا دا سيلفا، رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية. وقد تميز حفل الافتتاح بمراسم تسليم رئاسة المؤتمر من الرئيس المنتهية ولايته لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29)، معالى السيد مختار باباييف، وزير البيئة فى جمهورية أذربيجان، إلى خلفه معالى السيد أندريه أرانيا كورّيا دو لاغو، أمين المناخ والطاقة والبيئة فى البرازيل. وفى كلمته، أكد الرئيس البرازيلي، على أهمية التزام الدول بتنفيذ تعهداتها المناخية من خلال إعداد وتحيين المساهمات المحددة وطنياً، وتعزيز نقل التكنولوجيا والتعاون بين بلدان الجنوب، ودعم جهود التكيّف مع التغيرات المناخية وبناء صمود المجتمعات الهشة، إلى جانب تسريع تنفيذ خارطة الطريق الوطنية للعمل المناخي، القائمة على الانتقال الطاقوى وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. اقرأ أيضًا | البرازيل.. بدء أعمال قمة المناخ ومصر صوت إفريقيا فى المؤتمر وهذه بعض الملاحظات المهمة على فعاليات القمة: 1- اقتحام المؤتمر: اللحظة الأكثر توتراً فى (COP 30) شهدت قمة هذا العام واحداً من أكثر الأحداث إثارة منذ إنشاء مؤتمرات (COP 30) فى منتصف الأسبوع، ومع تصاعد الغضب بين ممثلى الشعوب الأصلية، وآخرين يلوحون بالأعلام التى تحمل شعار حركة شبابية برازيلية يسارية تدعى جونتوس، حيث حاول العشرات منهم اقتحام المقر الرئيسى للمؤتمر، مطالبين بحضور فعلى فى المفاوضات المتعلقة بحماية الأمازون وحقوق الأراضي. حيث اندلعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، استخدم خلالها الأمن الحواجز المعدنية و»درعاً بشرياً» لمنع الاقتحام، وردد المحتجون:»هذه غابتنا... وأنتم تتفاوضون عليها من دوننا.» وقال زعيم من السكان الأصليين من مجتمع توبينامبا لرويترز «لا يمكننا أكل المال» وإنهم مستاؤون من التنمية فى الغابات المطيرة. وأضاف «نريد أراضينا خالية من الأعمال الزراعية والتنقيب عن النفط وعمال المناجم غير الشرعيين وقطع الأشجار غير القانونيين». ورغم احتواء الموقف لاحقاً، إلا أن هذا الحدث ترك صدمة سياسية داخل المؤتمر، ودفع البرازيل «الدولة المضيفة» إلى تقديم تطمينات رسمية بزيادة مستوى إشراك السكان الأصليين، وهذا الاقتحام ليس مجرد حادث جانبي، بل يمثل الصراع الحقيقى بين الشعوب التى تحمى الأمازون منذ آلاف السنين والمؤسسات الدولية التى تقرر مستقبلها. 2- غياب الدور الأمريكي.. حضور ضعيف من الأحداث اللافتة هذا الأسبوع أن الولاياتالمتحدة «القوة الأكبر فى الانبعاثات التاريخية» حضرت بدون وفد رسمى رفيع المستوى. حيث حضر غافين نيوسوم، حاكم كاليفورنيا، حمل راية «الديمقراطيين الخضر»، وسط غياب إدارة واشنطن الفيدرالية، هذا الغياب أثار إحباطاً واسعاً بين الوفود. 3- تمويل المناخ.. 300 مليون دولار لحماية صحة البشر أعلن عدد من المؤسسات عالمية من بينها مؤسسة «بيل جيتس»، تخصيص 300 مليون دولار لتمويل أبحاث متعلقة بتأثير تغير المناخ على صحة الإنسان: «موجات الحر القاتلة «تلوث الهواء» انتشار الأوبئة والأمراض المصاحبة لارتفاع الحرارة» كانت رويترز قد نشرت تقريراً يؤكد أن هذا التمويل يأتى عقب سنة شهدت أعلى معدل وفيات من الحر فى التاريخ الحديث. حيث شهد المؤتمر خطوة تاريخية فى ملف الخسائر والأضرار، عبر إعلان بدء عمل صندوق تمويل سريع لأول مرة، مع أول طلب رسمى بقيمة 250 مليون دولار لدعم دول منكوبة. 4- الأمازون.. قلب المؤتمر النابض لم يكن اختيار مدينة بيليم صدفة؛ فالقمة تُعقد لأول مرة داخل منطقة الأمازون، لذا كان ملف حماية الغابات محوراً أساسياً. البرازيل بدورها أعلنت عن خطط جديدة لإعادة تشجير مساحات واسعة ودعم آليات مراقبة إزالة الغابات بالذكاء الاصطناعي. لكن هذه الخطوات لم تمنع انتقادات نشطاء البيئة الذين أكدوا أن وتيرة إزالة الغابات ما تزال مقلقة. وقد تصاعدت المطالبات بأن أى اتفاق عالمى يجب أن يتضمن التزاماً مالياً صارماً لحماية الأمازون، التى توصف بأنها «رئة الكوكب». 5- أزمة الثقة.. المناخ يتراجع فى أولويات الشركات العالمية العديد من المشاركين فى القمة أعربوا عن قلقهم من أن القطاع الخاص، الذى يجب أن يكون شريكاً أساسياً فى التحول الأخضر، بدأ يتراجع لصالح مصالح قصيرة الأجل. 6- التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى فى خدمة المناخ على هامش القمة، أطلقت البرازيل مبادرة «Green Digital Action Hub» لتعزيز الحلول الرقمية، إلى جانب معهد الذكاء الاصطناعى للمناخ، الذى يهدف إلى دعم الدول النامية فى التنبؤ بالكوارث وبناء خطط تكيف فعالة. 7- الوقود الأحفورى.. معركة لم تُحسم بعد ربما كانت أبرز الملفات التى أشعلت النقاشات فى الأسبوع الأول هى الدعوات المتزايدة من ائتلاف دولى تقوده «ألمانيا والدنمارك وكينيا» لإقرار خريطة طريق عالمية للخروج من النفط والغاز. التحالف طالب بخطوات واضحة ومحددة زمنياً، وهو ما أثار انقساماً كبيراً داخل القاعة الرئيسية للمفاوضات. البرازيل، حاولت لعب دور «الوسيط الهادئ»، لكنها لم تُخفِ قلقها من أى التزام صارم قد يضر بصناعات الطاقة لديها، خصوصاً بعد اكتشافات النفط البحرى الحديثة. فى المقابل، شدد الناشطون على رسالة واضحة: «إذا لم نوقف الوقود الأحفوري، فنحن لا نفاوض على المناخ... نحن نفاوض على أعمارنا.»