على مدى عقود طويلة كانت مصر هى المسرح واللحن والصوت والصورة وكانت الفنّانة المصرية مدرسة، والمطرب المصرى قبلةً للطرب، والفيلم المصرى مرآةً لوعى الأمة العربية كلها. كانت القاهرة وحدها تصنع وجدان العرب من المحيط إلى الخليج... صوت أم كلثوم، وصدى عبدالوهاب، وضحكة إسماعيل يس، ودمعة فاتن حمامة، كانت هذه هى القوة الناعمة التى جعلت لمصر مكانة لا ينافسها فيها أحد. فأين ذهب هذا السلاح ولماذا خمد وهجه؟ ولماذا أصبحت الساحة الفنية مزدحمة بالضجيج وفقيرة فى القيمة؟ الحقيقة أن مصر لم تفقد الموهبة... فالمواهب هنا كالنيل، لا تنضب ولا تجف، لكننا فقدنا مَن يكتشفها ويؤمن بها ويصنع منها نجمًا. زمان، كان لدينا رجال يعرفون قيمة الفن، يفهمون أن النجم لا يُولد صدفة، بل يُصنع بالاحتضان والرعاية والفرصة. كان رمسيس نجيب يرى فى وجه جديد مستقبلًا كاملاً للسينما، فيقدمه للعالم بثقة وذكاء، وكان محمد فوزى لا يخاف أن يمنح ملحنًا شابًا مثل بليغ حمدى فرصة العمر أمام أم كلثوم، فتصنع مصر مجدًا موسيقيًا جديدًا. أما اليوم، فالموهوب الحقيقى لا يجد بابًا يطرقه، ولا يدًا تمتد نحوه، بينما تتصدر المشهد أصوات بلا مضمون، وأسماء بلا تاريخ. لقد آن الأوان أن نعيد للفن هيبته، وأن نؤمن من جديد بأن الفن ليس ترفيهًا، بل أمن قومى. القوة الناعمة لمصر هى التى جعلت العرب يحلمون بعيون القاهرة، ويغنون بلهجتها، ويقلدون نجومها. هى التى جعلت العالم يعرف مصر من خلال فنها قبل سياستها، ومن خلال صوتها قبل خطابها. نحن بحاجة إلى كيان وطنى كبير لصناعة النجم المصرى الجديد، كيان يرى فى الموهبة استثمارًا ثقافيًا واقتصاديًا، ويعيد تشكيل الخريطة الفنية على أساس من الجودة والقيمة. نحتاج مَن يحتضن الأصوات الحقيقية، ويدرب المواهب الشابة، ويمنحها منصة تليق بمصر وريادتها.