قام صديقٌ بمشاركة فيلم وثائقى، كتبتُ السيناريو الخاص به قبل سنوات، عن رحلة تمثال رمسيس من وسط المدينة إلى ميدان الرماية. بعد ساعات طلب أحدهم من صديقى حذف المنشور، لأن كلمة «الفرعون» وردت ضمن عبارات التعليق الصوتى، ولم يُجهد المُواطن الغاضب نفسه، فى مشاهدة مقاطع مهمة، ردّ فيها الفيلم بحسم على محاولات ربْط فرعون موسى برمسيس الثانى. الحساسية نفسها تنتاب الكاتب الكبير عاطف النمر، الذى تحفظ فى عدة حوارات بيننا على استخدام كلمة «فرعون». وبالمناسبة أنا أستخدمها عادة بحذرٍ شديد، لأن هناك من يسىء فهمها، نتيجة تأويلات دينية منحتها معنى سلبيا، وذلك لا ينفى اقتناعى بصحة الكلمة، لأنها ترمز للحاكم منذ عهد الدولة الحديثة فى مصر القديمة، حسب ما أكده معظم علماء الآثار. الأثرى الكبير سليم حسن نفسه استخدم لفظ «فرعون»، وأطلقه على عدد من ملوك مصر القديمة فى مراحل تاريخية، تسبق بقرون ظهور هذا اللقب رسميا، ولم يسبب ذلك مشكلة، لأن الواقع السياسى بالمنطقة وقت كتابة موسوعة «مصر القديمة» لم يكن مُلغّما بالمؤامرات. الأزمة تصاعدت مع زرْع الكيان الصهيونى بمنطقتنا، وبحثه عن سياقات تاريخية تبرر له سرقة الجغرافيا، والغريب أن ذلك يجرى بدعم شيوخٍ خلطوا بتفسيراتهم الخاطئة، بين ملوكنا العظام وفرعون موسى. تبدأ المشكلة إذن، عندما يُصمم البعض على تعميم ظُلم فرعونٍ واحد، ليمتد إلى كل حاكم حمل اللقب، وكأن كلّ حكام مصر القديمة اتّسموا بالطغيان، رغم أن القصة الدينية تشير إلى حاكم واحد مختلفٌ على انتمائه لحضارتنا، فقد رجّح البعض أن «فرعون» كان اسما وليس لقبا، لملك من عهد الهكسوس طارد بنى إسرائيل، وهو ما يبرر عدم وجود دليل فى آثارنا المصرية على ما ذكرته الكتب المقدسة. دعونا نتخلص من هذه الحساسية المفرطة، عبْر فهم تاريخنا بشكلٍ أكثر عمقا، ووقتها سوف نتأكد أن «الفرْعنة» ليست جريمة ارتكبها الأجداد، ولا تهمة يخجل منها الأحفاد، بل مصدر فخر نتباهى به أمام العالم.. ولو كره الحاقدون!