هؤلاء الذين يتصدون لاستكشاف أدغال المجهول، ويرتادون المناطق غير المأهولة، ليعبدوا الطرق أمام مسير أممهم الناهضة، الباحثة عن مكانة فى عوالم الغد، والمرتحلة إلى محطات الارتقاء البعيدة، ولاشك فى أن المفكر الفذ، والأديب الاستثنائى د. طه حسين - عميد الأدب العربى غير مدافع - واحد من هؤلاء المتقدمين، الرواد المتصدرين، الذين حملوا عبء الاستشراف، وانبروا لمهمة الاستكشاف فى مطالع القرن الماضى، ومع أن جل ظروف حياته، بدت غير متسقة مع الدور والرسالة، وغير مناسبة للمقصد، والاتجاه، ولا تلائم المهام الشاقة التى استقرت على كاهله، الا أن « طه حسين»، روض هذه الظروف، وصهر تلك الصعاب، وامتطى ظهر أيامه، موليا وجهه شطر نهضة بلده، ورفعة وطنه، وازدهار أمته، فتمثل نموذجا انسانيا فذا «أسطوريا»، تتأسف به الأجيال، ليس فى مصرنا وحدها، بل فى عالمنا بأسره، وتلك هى القيمة الباهرة، التى تستدعيها - دوما - ذكرى العميد، وكما حاول «طه حسين» فى رسالته التى نال عنها درجة الدكتوراه من الجامعة المصرية فى بواكير نشأتها، تجديد ذكرى صديقه الشاعر والحكيم الأشهر « أبى العلاء المعرى «، دعونا نرفع اليوم راية تجديد ذكرى العميد، ليس بالسرادقات الزائلات المنفضة حتما، بل بالمبادئ الحية، والأفكار النابضة التى عاش « طه حسين « مخلصا لها، متيم فى إثرها، داعيا لتبنيها وإحيائها، وفى صدارتها: العقلانية، والتفكير العلمى، والتشبث بالهوية، ورفع لواء اللغة العربية، ومن أجل هذه المنطلقات خاض العميد المعارك الشرسة، ولم يلق سلاحه إلا حين أسلم الروح إلى بارئه، فدعونا اليوم بعد أيام قلائل من مناسبة الرحيل، نجدد ذكرى العميد باستلهام مبادئه الهادية، ومنطلقاته البناءة.