ربما لا تكون مصادفة أن يقتلع مجهولون رأس تمثال الأديب والمفكر طه حسين الموجود منذ عقود بجوار ديوان عام محافظة المنيا بعد أيام علي قيام مثلهم بالاعتداء علي تمثال الشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري في معرة النعمان بسوريا. والأرجح أن ما يجمع المعتدين علي التمثالين هوالانتصار للظلام علي النور واحتقار العقل الذي ميز الله به الإنسان, لأن ما يصل بين المعتدي علي تمثاليهما هو التحرر الفكري والعقلانية والاجتهاد ونشر المعرفة بغض النظر عما أصاب فيه أو أخطأ كل منهما. فقد كان كل من المعري وطه حسين نموذجا للمفكر الذي يطرح رؤي مثيرة للجدل والحوار. تميز المعري بروح جميلة رغم أن وجهه لم يكن كذلك. كما امتاز طه حسين ببصيرة قل مثلها في تاريخنا الفكري الحديث رغم أنه حرم من نعمة البصر. وربما لم تكن مصادفة أيضا أن ما جمعهما هو الذي دفع طه حسين لكتابة رسالته لنيل درجة الدكتوراه وشهادة العالمية, التي حصل عليها عام1914, عن المعري. وقد نشرت هذه الرسالة في كتاب معتبر تحت عنوان تجديد ذكري أبي العلاء. والحق أن طه حسين لم يجدد ذكري أحد أكبر الشعراء الفلاسفة في تاريخ العرب, بل جدد أيضا في عمله هذا وغيره من الأعمال في استخدام العقل سعيا إلي ما اعتبره كل منهما حقا وخيرا فاختلف معهما من اختلف واتفق من اتفق. فلا يزال كلاهما من أكثر أعلام الفكر العربي إثارة للجدل0 فيرميهما معارضوهما, سواء ممن قرأوهما أو سمعوا تحريضا عليهما; بأشد الاتهامات وأخطرها. ويري فيهما من يقدرونهما, وهم غالبا ممن قرأوا ما بقي من أعمال الأول وهو قليل وكتابات الثاني وهي كثيرة, نموذجان لأصحاب الفكر الذين لم تتقدم الأمم التي تتصدر العالم الآن إلا بمثلهما. ولذلك فالأكيد أنها لم تكن مصادفة أن يعكف الأوروبيون في بداية عصر نهضتهم علي ترجمة لزوميات المعري وبعض رسائله وخاصة رسالة الغفران; بينما يعتدي بعضنا الان علي تمثاله وينزعون رأس طه حسين بدلا من أن يعكفوا علي دراستهما بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع أفكارهما. ومع ذلك سيذهب المعتدون عليهما إلي مزبلة التاريخ الذي سيخلد ذكري من أطلق علي أحدهما شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء وعلي الآخر عميد الأدب العربي.