في تجربة درامية تحمل مزيجاً من الطرافة والوجع الإنساني، يخوض الفنان محمد سلام أولى بطولاته المطلقة في مسلسل «كارثة طبيعية» ، في عشر حلقات قصيرة ويُعرض عبر منصة WATCH IT من تأليف أحمد عاطف فياض وإخراج حسام حامد. لا يقدّم المسلسل الكوميديا كغاية، بل يستخدمها كمرآة يرى فيها المشاهد نفسه، يضحك لوهلة، ثم يتأمل: ماذا لو كنت أنا مكانهم؟ من خلال حكايةٍ تبدو في ظاهرها طريفة ، زوجان يكتشفان أن القدر قرّر أن يمنحهما سبعة أطفال دفعة واحدة ، يفتح العمل نوافذه على أسئلة عميقة عن الحلم والمسؤولية، عن ضحكٍ يخفي وجعاً، وعن بشرٍ يحاولون النجاة من فيضان الواقع بقدرٍ من الطرافة والدهشة ، بهذا التوازن الدقيق بين السخرية والصدق، بين العبث والوجع، يدخل محمد سلام عالم البطولة من أوسع أبوابه، مقدّماً عملاً يجمع بين العفوية والوعي، ويعيد للكوميديا الاجتماعية معناها الأصيل بوصفها فناً يُضحك ليُفكّر. يطرح «كارثة طبيعية» فكرة غير مألوفة في الدراما المصرية، إذ يجد شاب بسيط نفسه على أعتاب «كارثة» حين يكتشف أن زوجته حامل في خمسة توائم دفعة واحدة، وعندما تلد يكتشف أنهم سبعة توائم، لتبدأ سلسلة من المواقف المليئة بالمفارقات الكوميدية والضغوط الاجتماعية. يقدّم المسلسل صورة شديدة الواقعية لشريحة من الشباب المصري الذي يعيش بين مطرقة الحلم وسندان الواقع، البطل «محمد شعبان»- محمد سلام- شاب يسعى لأن يصبح كاتب سيناريو ناجحاً، بينما يواجه أعباء الحياة الزوجية وضغوط الإنفاق واستقبال سبعة أطفال دفعة واحدة، من خلال هذه المفارقة الساخرة، يفتح العمل باباً واسعاً للتأمل في أحلام الجيل الجديد وصراعه مع متطلبات الحياة اليومية. رغم الطابع الكوميدي الذي يميّز المسلسل، فإن النص لا يكتفي بالإضحاك، بل يقترب من مناطق إنسانية حساسة تتعلق بالأسرة والعلاقة بين الزوجين، وكيف يمكن للحب أن يصمد أمام «كارثة» بهذا الحجم، وقد نجح محمد سلام، ببساطته المعهودة، في تجسيد شخصية تجمع بين الطرافة والعفوية والارتباك، مقدّماً أداءً يجمع بين خفة الظل والصدق الداخلي، بينما جاءت جهاد حسام الدين في دور الزوجة "شروق"التي وجدت نفسها في قلب الكارثة، أداؤها الرقيق الممزوج بالقلق والدفء جعلها نقطة توازن إنساني في قلب الفوضى، وأضفى على العمل صدقاً أنثوياً واضحاً، أدّت الدور بإحساس عالٍ دون انفعال أو افتعال، لتصبح أحد أسباب تعاطف الجمهور مع القصة. أما حمزة العيلي، فكان حضوره بمثابة صمام توازن بين الجدية والعبث، مقدماً أداءً يثري المشاهد التي يشارك فيها بحس درامي عالٍ، وبقدرة على نقل الانفعال دون مبالغة، استطاع أن يضيف طبقة من العمق إلى الخط الكوميدي العام، مؤكداً مكانته كأحد الوجوه القادرة على التنقل بسلاسة بين الدراما والضحك. وكان ظهور كمال أبو رية، بمثابة بوصلة درامية تُعيد توازن الأحداث كلما انجرفت نحو الكوميديا المفرطة، بخبرته وحضوره الراسخ، قدّم نموذج الأب المصري الواقعي، القادر على المزج بين الحكمة والعصبية، فكان أداؤه بمثابة عمود فقري يمنح العمل ثقلاً درامياً في لحظاته الجادة. يُحسب للمخرج حسام حامد اختياره لغة بصرية بسيطة تُقرّب الحدث من المشاهد، مع توظيف لقطات داخلية تُبرز ضيق المكان والوقت، في دلالة رمزية على اختناق الواقع الاجتماعي، كما أن اعتماد المسلسل على عدد محدود من الشخصيات أضفى تركيزاً على التفاصيل الإنسانية أكثر من الأحداث المتشعبة، وهو توجه يتماشى مع موجة الدراما القصيرة التي تغزو المنصات الرقمية حالياً. ورغم نجاح الفكرة في جذب الانتباه، يظل خطر المبالغة قائماً، فالحمل والإنجاب لسبعة توائم دفعة واحدة قد يتحول إلى فانتازيا كوميدية، إن لم يُوظّف بحذر، خاصة حين تُختزل الأزمة في مواقف ضاحكة فحسب، ومع ذلك، فإن العمل ينجح في إبراز التناقض بين ضحك السطح وقلق العمق، وهو ما يمنحه طابعاً مختلفاً عن كثير من المسلسلات الكوميدية السائدة. لا شك أن «كارثة طبيعية» تمثل منعطفاً مهماً في مسيرة محمد سلام، الذي يخرج من عباءة الأدوار الثانية إلى بطولة تحمل اسمه، وقد استطاع أن يبرهن على قدرته في المزج بين الكوميديا والموقف الإنساني دون افتعال أو استعراض، وإذا استمر على هذا الخط، فقد يفتح العمل له الباب نحو تجارب أكثر نضجاً وجرأة في المستقبل. «كارثة طبيعية» ليس مجرد عنوان ساخر، بل هو توصيف لحالة جيل بأكمله يعيش تحت ضغط الأحلام المؤجلة والواقع الصعب، عمل يضحكنا لنفكر، ويسخر من الواقع ليكشف عمقه، وفي زمنٍ باتت فيه الدراما القصيرة ساحة لتجارب غير تقليدية، يضع محمد سلام توقيعه على واحدة من أكثر تلك التجارب دفئاً وإنسانية.