مجلس الأمن يصوت الجمعة على طلب فلسطين الحصول على "العضوية"    اعتراض ثلاثي على تأجيل مباراة الهلال والأهلي في الدوري السعودي    الصين قادمة    لبنان.. 6 غارات جوية إسرائيلية وأكثر من 70 قذيفة مدفعية استهدفت مدينة الخيام    استمرار نمو مخزون النفط الخام في أمريكا    عاجل...كبير أوروبا يعود ويكسر شوكة مانشستر سيتي    إبراهيم سعيد يوجه رسالة نارية ل كولر    سيد معوض: الأهلي يعاني بسبب غياب ياسر إبراهيم والشناوي    أكثر من 50 مليونا.. صفقة نارية على رادار الزمالك    سامسونج تثير الجدل بإطلاق أسرع ذاكرة في العالم .. فما القصة؟    "راجع ألماني تالتة ثانوي من هنا".. مراجعات الثانوية العامة 2024    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    منة عدلي القيعي: «حققت حلم حياتي بكتابة أغنية لعمرو دياب»    دعاء الرياح والعواصف.. «اللهم إني أسألك خيرها وخير مافيها»    الكشف على 1433 شخصاً في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    7 علامات بالجسم تنذر بأمراض خطيرة.. اذهب إلى الطبيب فورا    رشة من خليط سحري تخلصك من رواسب الغسالة في دقائق.. هترجع جديدة    طريقة عمل مربى الفراولة، زي الجاهزة للتوفير في الميزانية    البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء ل 300 مليون إفريقي    مجموعة السبع: نشعر بالقلق إزاء الأزمة في غزة.. وندعو إلى إعادة الاستقرار في الشرق الأوسط    «البيت بيتى 2».. عودة بينو وكراكيرى    عيار 21 الآن بعد الانخفاض.. سعر الذهب في مصر اليوم الخميس 18 أبريل 2024    الأرصاد: الحرارة تتجاوز ال46 درجة الأيام المقبلة ووارد تعرض مصر إلى منخفض المطير الإماراتي (فيديو)    بعد 24 ساعة قاسية، حالة الطقس اليوم الخميس 18-04-2024 في مصر    مطار القاهرة يهيب وسائل الإعلام بتحري الدقة حول ما ينشر عن الرحلات الجوية    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق منزل في العياط    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024.. 5 أيام متصلة مدفوعة الأجر    رئيس حزب الوفد ناعيا مواهب الشوربجي: مثالا للوطنية والوفدية الخالصة    بسبب منهج المثلية | بلاغ للنائب العام ضد مدرسة بالتجمع    مدير أعمال شيرين سيف النصر يكشف أسرار الفترة الأخيرة من حياتها قبل وفاتها.. فيديو    أنت لي.. روتانا تطرح أغنية ناتاشا الجديدة    فستان لافت| نسرين طافش تستعرض أناقتها في أحدث ظهور    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران    علي جمعة: الرحمة ليست للمسلمين بل للعالمين.. وهذه حقيقة الدين    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    استعدادا لمواجهة مازيمبي| بعثة الأهلي تصل فندق الإقامة بمدينة لوبومباشي بالكونغو    مفاجأة.. مارسيل كولر يدرس الرحيل عن الأهلي    بينهم 3 أطفال.. ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي على رفح إلى 5 شهداء    شعبة الأجهزة الكهربائية: الأسعار انخفضت 10% خلال يومين وتراجع جديد الشهر المقبل (فيديو)    «معلومات الوزراء»: 1.38 تريليون دولار قيمة سوق التكنولوجيا الحيوية عالميًا عام 2023    ارسنال ومانشستر سيتى آخر ضحايا الدورى الإنجليزى فى أبطال أوروبا    حظك اليوم برج الميزان الخميس 18-4-2024.. «كن مبدعا»    طارق الشناوي: اللغة العامية لم تجرح «الحشاشين».. وأحمد عيد كسب الرهان    تراجع سعر كارتونة البيض (الأبيض والأحمر والبلدى) واستقرار الفراخ بالأسواق الخميس 18 ابريل 2024    مصرع طفل غرقًا بنهر النيل في المنيا    بحجه تأديبه.. التحقيق مع بائع لاتهامه بقتل ابنه ضربًا في أوسيم    أسباب نهي الرسول عن النوم وحيدا.. وقت انتشار الشياطين والفزع    لقد تشاجرت معه.. ميدو يحذر النادي الأهلي من رئيس مازيمبي    تراجع سعر الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء الخميس 18 ابريل 2024    موعد بدء التوقيت الصيفي 2024 في مصر (اضبط ساعتك)    الجامعة البريطانية في مصر تعقد المؤتمر السابع للإعلام    فلسطين.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدة صوريف شمال الخليل    المتحدث الإعلامي للإخوان : الجماعة تجدد الدعوة إلى وقف الحرب في السودان    نشرة منتصف الليل| خفض سعر الرغيف الحر وتوجيه عاجل للحكومة بشأن الكلاب الضالة    "ضربها طلقتين في بيت أبوها".. قصة مقتل ممرضة على يد زوجها لطلبها الطلاق بعد الزفاف    إطلاق النسخة الأولى من المهرجان الثقافي السنوي للجامعة الأمريكية بالقاهرة    عدد أيام إجازة شم النسيم 2024 .. «5 بالعطلة الأسبوعية»    أبرز أدعية شفاء المريض.. تعرف عليها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقائق الغائبة عن أعين النقاد فى دراما رمضان 2019
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 06 - 2019

مما لاشك فيه أن الدراما التليفزيونية أصبحت الآن واحدة من أهم الفنون الاتصالية الإنسانية فى عصرنا الحالى، فلم تعد مجرد فن يعنى فقط يملأ أوقات الفراغ أو لمجرد الترفيه والتسلية، وإنما غدت أحد الفنون الإعلامية المهمة التى تتطرق لكبريات القضايا والظواهرالحياتية وتدخل فى صميم اهتمامات الفرد داخل البيئة التى يعيش فيها، وقد تجاوز دورها تكوين الانطباعات عن الأشخاص والجماعات المختلفة، فى ظل ما تمتلكه من جاذبية الصوت ودهشة الصورة فى غاياتها القصوى نحو تجسيد الواقع بسحرية غير معهودة فى ظل عصر التطور التكنولوجى الذى نعيشه، واعتمادها فى ذات الوقت على المشاهد التى تجسد الشخصيات والأحداث الدرامية، وكأنها عين الواقع الفعلى لحياة الإنسان فى بلوغه أهدافه ومراميه.
.......................................
ولعل التطور الذى شهده الفن عموما وصناعة الدراما بصفة خاصة مؤخرا أكد أن رسالتها السامية أصبحت تؤثر عميقا على النفس الإنسانية، ولها مغزى أساسى فى الحياة، حيث يكمن الإبداع، والتميز، والأصالة، والتفرد، وهى الوسيلة الأكثر تعبيرا عن الأفكار والمشاعر والمعنية أيضا بكتابة التاريخ فى ظل تراجع نسب القراءة، ومن هنا فإن الفن له دوره الفعال فى بناء الحضارة، وهو دافع مستمر فى التطور والنمو، بل يعد عاملا أساسيا فى يقظة المجتمع من الركود، وفى قيادة العالم فكريا، اذا اعتبرناه أداة مهمة للتعلم، أو علامة يستدل بها الناس على طريقهم، فالرسالة التى يحملها الفن أقوى رسالة مفهومة لدى الشعوب، وانتشار الفن ومدى توسعه فى الوسط الاجتماعى يعكس التطور الحضارى الذى نراه، إذا الفن هو مطلب حياتى قبل أن يكون متنفساً للوجود، فنعيش فى الواقع مثل مانتخيل، ونستمتع بما تصنعه أيدينا من إبداع، ونحلم للمستقبل البعيد بما يفوق قدراتنا حتى نستعيد طاقاتنا الكامنة بداخلنا من جديد.
موسم درامى جيد
الآن ودعنا شهر رمضان بموسم درامى أراه جيدا على جميع المستويات وبكل المقاييس الفنية الدقيقة، رغم ما اعتراه من نتوءات طفيفة يمكن تلافيها فى المواسم القادمة، ولقد رأى البعض بعين قاصرة، أن ملامح الدراما التليفزيونية فى مصر رمضان 2010 تبدو ضعيفة فى شكلها ومضمونها ونجومها الكبار الذين غابوا عن المشهد، والحقيقة أن هذا النوع من النقد يبدو فى مجمله نقدا انطباعيا لايقبل الاختلاف، ولا يراعى الرأى الآخر، كما أنه نقد مضمونى، ورغم أن المضمون هو أحد مستويات التحليل الفنى إلا أن طبيعة معالجته وبطريقة ميكانيكية، بعيدا عن سبر أغوار العمل الفنى بأسلوب علمى أو أكاديمى صحيح كى يسمح لهم بتوضيح الحقائق والأهداف والرسائل التى يرمى إليها العمل الدرامى، بعيدا عن التعصب لدى من يدعون أنفسهم نقادا للدراما.
هؤلاء فى الواقع لايشاهدون سوى بضع حلقات لاتزيد على أصابع اليد الواحدة، ومن ثم إعتادوا النقد للنقد رغم أنهم لايدركون جوهر العمل الدرامى من حيث البناء والحتمية والرسالة أوالهدف الذى يرمى إليه، فضلا عن أنهم يزيدون الطين بلة عندما يقعون أسرى لآراء انتشرت مؤخرا على صفحات «السوشيال ميديا» قبل بدء الموسم الرمضانى وربما من بعده أيضا، وذلك فى إطار سعى الجماعة الإرهابية لضرب القوى الناعمة المصرية، بعد فشلهم الذريع فى تنفيذ مخططاتهم العدوانية التى تتصدى لها بحزم قوات الجيش والشرطة، وذلك فى محاولات حثيثة من جانب الكتائب الإلكترونية «الذراع الإعلامية للجماعة» بزرع بذور الفتنة بين صناع الدراما والمشاهدين، عن طريق الادعاء باطلا بسيطرة الدولة على صناعة الدراما، فى ظل سوق مكدسة بالأعمال تخضع بالأساس لمنطق العرض والطلب.
رؤية أخلاقية للفن
ظنى أن محتوى معظم الأعمال الدرامية فى رمضان 2019 يأتى متناغما ومتوازانا إلى حد ما مع رؤية الدولة للدراما، تلك الرؤية الأخلاقية للفن فى رسالته الإنسانية السامية، والتى ترى أن البطل الأحادى البعد، إما الخير أو الشرير فقط، لم يعد له وجود فعلى فى ظل صناعة تتجه إلى أن البطولة الجماعية أصبحت واقعا جديدا، والدفع بجيل جديد من الممثلين والمخرجين أصبح فرض عين لأجل تطور الدراما المصرية العتيقة، ومن ثم يصبح العزف على أجور النجوم الكبار لحنا نشاذا وسط ضجيح وعاصفة الهجوم غير المبرر، فمثل تلك العبارات التى تحاول النيل من موسم دراما رمضان 2019 تطرح أسئلة كثيرة حول حرية صناعة الأفكار بشكل عام، والدراما والإعلام بشكل خاص فى مصر، فكيف يمكن أن نضمن حرية المحتوى المقدم على الشاشة من دون أن نفكر فيما حدث وراء الشاشة، وبين سطور السيناريو المكتوب؟ وكيف يمكن تجاهل كم المسلسلات بمحتواها الذى يبعث للمشاهد برسائل محددة تجاه رؤية العالم حوله؟ وكيف يمكن لسوق صناعة الدراما أن يحيا فى ظل المنافسة الشرسة من جانب الدراما العربية والتركية والعالمية؟ والعجيب فى الأمر أن يكتفى البعض منهم بالقول: «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، ومن هنا وعلى حد علمى تبرز حقائق غائبة عن أعين النقاد فى هذا الموسم الدرامى، والتى سأوضحها باعتبار أن هذا الموسم يعد نقطة تحول فى تاريخ الدراما المصرية لأنه يهدف لتغيير واقعها الرتيب منذ سنوات على مستوى تكلفة المسلسلات ووضع سقف لأجور النجوم الكبار.
دراما تتصدى للمؤامرات
ومن ضمن تلك الحقائق التى لمستها فى قلب الموسم الدرامى لرمضان 2019 الذى انتهى منذ أيام قليلة أن غالبية الأعمال جاءت حاملة فى طياتها الأحلام والطموحات ومواكبة لأفكار وتطلعات الشباب على مستوى البطولة التى توافرت فى هذا الموسم بشكل أوضح لنجوم يمثلون الHero بالنسبة لهؤلاء الشباب الذين يشكلون الغالبية العظمى لسكان مصر والعالم العربى، أمثال «أمير كرارة وياسر جلال»، فضلا عن نجوم يحظون بالشهرة مثل «محمد رمضان - مصطفى شعبان - هانى سلامة - عمرو سعد - محمد رجب»، وحملت فى ذات الوقت رسائل توعية كاشفة عن المؤامرات التى تحاك ضد الوطن والمواطن، كما شاهدنا ذلك على الطبيعة فى مسلسل «كلبش 3» باعتباره أول مسلسل مصرى يلامس الحقائق المرة فى مكافحة الإرهاب، ويعرفك قيمة المؤسسات الساهرة على أمن الوطن والمواطن، ولأنه المسلسل الوحيد الذى يتطرق لظروف وملابسات وصعوبة حياة هؤلاء الأبطال الذين يعملون فى تلك الأجهزة، فقد حظى بنوع من التشكيك فى مصداقيته، رغم أنه فى جوهره يسعى لغرس قيم جديدة لدى الشعور الجمعى العام حول طبيعة عمل ضابط الشرطه الذى يواجه الأهوال التى ربما تكلفه الشهادة فى سبيل الوطن، وذلك على جناح التشويق والإثارة التى تفاعلت معها ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعى، وذلك بوصفه دراما تعزف على أوتار المشاعر الوطنية المصرية، وقد برع فى الأداء كل من بطله «أمير كرارة»، والقدير أحمد عبدالعزيز، ومفاجأة العمل كانت فى «أحمد العوضى» الذى أدى دور «بروسلى» ببراعة،ناهيك عن حبكة جيدة للغاية من جانب السيناريست»باهر دويدار»، وجهود حثيية فى تحسين الصورة والحركة لخلق الإثارة والتشويق من جانب المخرج «بيتر ميمى».
وكذلك الحال بالنسبة لمسلسل «لمس أكتاف» الذى نالته سهام استهدفت التشويش على الرسالة الأساسية التى يهدف إليها العمل الدرامى شديد الخصوصية على مستوى الصناعة فى تعرضه الحثيث لأوكار المخدرات وأباطرتها من التجار والمتعاطين من فئة الشباب، ويبقى الهدف الرئيسى للمسلسل هو كشف النقاب عن هذه الظاهرة التى تنامت بشكل هائل خلال السنتين الأخيرتين، ولعل القصة التى كتبها المؤلف «هانى سرحان» نجحت فى رسالتها التحذيرية من كارثة الأدوية غير المجدولة، والتى تستخدم فى علاج بعض الأمراض العصبية والنفسية وتباع فى الصيدليات، ويستخدمها الشباب كمخدر لأنها غير مجدولة وبالتالى يصبح من السهل شراؤها، كما لفت الأنظار إلى قضية إدمان مخدر «الاستروكس» وضرورة وجود تشريعات وإجراءات لوقف هذا الخطر، وقد أظهر «ياسرجلال» من خلاله قدرات هائلة فى التجسيد الدرامى الحى، على مستوى الشكل والمضمون، وقد ساهم فى نجاحه الإداء الاحترافى من جانب «فتحى عبدالوهاب» و«حنان مطاوع» فى ذهابهما مع الشخصيات إلى مناطق من الإحساس والقدرة على التعبير عن واقع تجار المخدرات فى تحديهم للمجتمع وأجهزة الشرطة، ما يوضح خطورة انتشار السموم التى تغتال زهرات شبابنا.
أكشن الإثارة والتشويق
على مستوى الأكشن أيضا برز مسلسلا «قمر هادى ولآخر نفس» واللذين ذهبا بالمشاهد على جناح التشويق والإثارة إلى مناطق غير مطروقة من قبل فى دراما رمضان، فالأول ينتمى إلى «السيكودراما» المطعمة بعناصر الحركة، وقد غاص فى عوالم تبدو منطقية فى بعض الأحيان، وفى كثير منها تذهب إلى الخيال الذى لايرقى كثيرا إلى الواقع المر، الذى نعيشه فى ظل وجود شخصيات سلبية موجودة بيننا، حيث تدور الأحداث فى إطار درامى ملىء بالتشويق والإثارة حول تاجر المخدرات «هادى أبوالمكارم»، الذى يمتلك معرض سيارات فارهة، يديره كستار لغسل الأموال من تجارة المخدرات، وتنشب بينه وبين التجار عدة أزمات.
ومع تصاعد الأحداث تبدو حالة الاضطراب النفسى التى يعيشها، وقد جسدها «هانى سلامة» باحترافية شديدة القوة والتأثير، عندما انشغل بأداء تهيمن عليه الإيماءات والحركات المتأزمة والمتوترة، كما بدا واضحا فى أدائه، من خلال جو من الحوارات المتبادلة بين ذات الممثل الساكن خلف القناع وأدائه الذى يلعب الكلام فيه دورا جوهريا مدعوما بحركة الأيادى والإيماءات الدالة على الشخصية التى يقوم بدورها، ولقد ساهم فى نجاح «قمر هادى» أداء كل من «هادى الجيار، ومحسن محيى الدين ويسرا اللوزى، والمخضرم رشدى الشامى صاحب اللمسات القوية فى الدراما الرمضانية، تماما كما فعل فى مسلسل «طايع» العام الماضى.
أما «لآخر نفس» فتلك قصة أخرى، فقد شعرت النجمة «ياسمين عبدالعزيز» بأنها منذ فترة طويلة لم تقدم مسلسلات تراجيدية توضح قدراتها كممثلة احترفت اللون الكوميدى،، فحاولت أن تخلع الشخصية الكوميدية وتستبدلها بشخصية أخرى خطوة جريئة جدا راهنت عليها فى مسلسلها «لآخر نفس»، حيث إنها خرجت عن القالب الذى نجحت فيه وحققت من خلاله نجوميتها وهو القالب الكوميدى، لتخوض تجربة بعيدة تماما عن الكوميديا بحيث أثبتت أنها ممثلة موهوبة، بل معجونة بأداء تمثيلى من نوع السهل الممتنع، دون أى انفعال زائد أو باهت، ومن هنا فقد قدمت أداء عاليا بكل المقاييس وفى أكثر من مشهد أظهرت قدراتها التمثيلية عن كثب فى التلوين والقدرة على إقناع المشاهدين.
وهذا النوع من الأداء يعكس بالطبع دراستها لأدق تفاصيل ما تقدمه فى شخصية «سلمى» تلك السيدة التى تنقلب حياتها رأسا على عقب بمجرد وفاة زوجها، وتكتشف عقب وفاته الكثير والكثير من الأسرار والألغاز والشفرات التى تسكن رواية «صورة دوريان جراى» للكاتب الإنجليزى الشهير «أوسكار وايلد، فالشخصية صعبة ومركبة وتتحول مع كل مشهد وكل حلقة ما يعكس امتلاكها قدرا من الذكاء فى التعامل مع الشخصية، فهى لم تهتم بمنظر الشخصية ومشيتها وطريقة كلامها فقط، لكنها اهتمت بكيفية تفكير «سلمى» فى المواقف التى تتعرض لها وشعورها وانفعالاتها وما تحبه وما تكرهه وما تعجب به وما تستحقره، بالإضافة لماضى الشخصية وسنها وثقافتها ومركزها الاجتماعى، ولقد أثبتت أنها ممثلة من طراز خاص تجيد تمثيل كل القوالب التمثيلية جنبا إلى جنب.
أداء كوميدى معقول
مع غياب نوع الكتابة الكوميدية القادرة على انتزاع الضحك من رحم الأحداث الأكثر تراجيديا، يبقى عنصر الأداء هو المعيار الحقيقى لنجاح المسلسل الكوميدى فى لوحة رمضان 2019، وأبرز المبدعين فى لوحة رمضان هذا العام ستة، هم «دنيا وإيمى سمير غانم - مى عز الدين - مصطفى خاطر- حسن الرداد – ومحمد عادل إمام»، ونأتى للأولى وهى النجمة «دنيا سمير غانم»، والتى تقدم لنا هذا العام مسلسلا مختلفا عما قدمته من قبل، «دنيا» تمتلك موهبة وقدرة وإمكانات تم اكتشافها مبكرا، كما ظهر لنا فى تنوع أدائها من عمل إلى آخر، سواء كان على مستوى الكوميدى أو التراجيدى، وفى «بدل الحدوتة ثلاثة» وبفضل إدارة المسلسل بقيادة المخرج «خالد الحلفاوى» الذى ساهم كثيرا فى إنجاح التجربة الكوميدية واكتمالها عناصرها الفنية وساعد «دنيا» فى إنجاح المسلسل «محمد سلام» الذى صنعت معه دويتو فكاهيا ضاحكا من رحم بعض المواقف العادية، وكذلك مع الكوميديانة خفيفة الظل «شيماء سيف»، فضلا عن «عمرو وهبة وأحمد سلطان» اللذين يتطوران إلى حد كبير فى الأداء الكوميدى الخفيف الظل.
ويحسب نفس الأداء الجيد ل «إيمى سمير غانم» فى «سوبر ميرو»، وكذلك «مى عز الدين» فى شخصية «بيسة»، رغم مواجهتها حملة سخرية غير مسبوقة، من خلال حملة ممنهجة استهدفت إقصاءها من المنافسة بعد تصدر الإعلان التشويقى للمسلسل قائمة الأكثر مشاهدة قبل بداية ماراثون دراما رمضان 2019، لكنها الحق يقال أخفقت فى شخصية «سكسة»، وعلى درب الأداء الجيد يأتى «مصطفى خاطر» فى «طلقة حظ» بمداد من الكوميديا الرشيقة، فقد استطاع إيجاد شكل فنى مبتكر لشخصية «عبدالصبور»، والتى يبدو من خلالها أنه يتمتع بتكوين نفسى متفرد وقدرات تخيلية وانفعالية خاصة تكسبه سمة الإبداع الفنى، كما تبدو لنا فى عينى «خاطر» اللتين تمتازان بقدر من البراءة المطعمة بسذاجة محببة تكسب أداءه عذوبة خاصة، باستخدام اللغة الحية التى تؤثر فى الإقناع،، وفى النهاية حقق الفوز بقلوب الآخرين، واستطاع إضحاكهم وجعلهم يستمعون له بقلوبهم.
وكذلك الحال مع محمد عادل إمام فى مسلسل «هوجان»، والذى جاء بخليط يجمع بين التراجيدى والكوميدى فى قالب واحد ومختلف يؤكد موهبته بعيدا عن والده زعيم الكوميديا «عادل إمام»، ويبدو حسن الرداد فى مسلسل «الزوجة 18» ممثلا كوميديا قادرا على إضحاك الجمهور دون افتعال ليبقى هنالك ممثل كوميدى يسعى لإثبات قدرته على الإضحاك، ويعرف كيف يكتشف البؤرة الفنية فى الشخصية، وفى حركتها وفى قولها وفى الطريقة التى يود أن يؤدى فيها صفاتها بطريقة تنتمى إليه، كما تنتمى إلى ما يسرده أو يشخصه من أدوار.
الترجيديا بطعم اجتماعى
وفى مجال المسلسل الاجتماعى حاول «مصطفى شعبان» فى مسلسل «أبو جبل» تكرار نجاحه فى العام الماضى من خلال مسلسل «أيوب»، والذى غير من خلاله طابعه الكوميدى الخفيف الذى لازمه طوال سنوات طويلة إلى التراجيدى الغارق فى المأساوية، وأطلت الممثلة «ياسمين صبرى» هذا العام فى أول بطولة مطلقة لها من خلال عمل رومانسى «حكايتى»، ومنذ البداية لاحظت أن «ياسمين» حاولت أن تمسك بخيوط لعبة الأداء الناعم بأسلوب ينبئ عن موهبة أتمنى أن يتصاعد نجمها مع أعمال قادمة توضح قدراتها أكثر، وحاول «محمد رمضان» أن يكون مختلفا هذا العام، وكان الرهان على السيناريست المبدع «عبدالرحيم كمال» لاحتلاله صدراة السباق، من خلال أحداث مسلسل «زلزال»، لكنه خانه تقديره - كالعادة - فى تغير مسار الدراما بالتدخل السافر فى الكتابة الأمر الذى أفسد العمل ووضعه فى خانة البلطجى الذى يسعى للحصول على حقه بيده ودون مراعاة للقانون.
بعد غياب يزيد على عشر سنوات يعود الفنان «محمد رجب» مجدداً إلى قلب المنافسة الدرامية الشيقة، فى تجربة درامية من نوع «السيكودراما» بعنوان «علامة استفهام» والتى تنتمى بالضرورة إلى جنس الدراما النفسية المعقدة، وقد حقق بالفعل الحصول على نسبة كبيرة من مشاهدى الدراما المصرية، والدخول من جديد فى السباق الدرامى اعتمادا على أداء يبدو منذ الوهلة الأولى أنه من النوع الاحترافى الذى نفتقده فى كثير من نجوم هذه المرحلة، وأظنه نجح فى استعادة «رجب» لبريق نجوميته التى أصابتها عوامل الاضطهاد والاستهداف والظلم الذى أوقعه فى شرك التراجع عن القمة سنوات طويلة أخرته عن المنافسة الحقيقية.
«غادة ودينا» يغردان خارج السرب
على الرغم من حالة التطابق بين أحداث المسلسل المصرى «زى الشمس» ونظيره الإيطالى «Sorelle»، أو«الشقيقتان»، الذى تدور أحداثه حول شقيقتين الأولى محامية تعيش فى لندن «نور» التى تجسدها «دينا الشربينى» و«فريدة» التى تلعب دورها «ريهام عبدالغفور»، لكن «زى الشمس» بدا لى ولكثيرين غيرى متقن الصناعة، خاصة مع حبكته المثيرة، والاجتهاد فى تقديم تاريخ شخصى ثرى لشخصيات العمل الرئيسية، مع أداء إخراجى وتمثيلى منضبط، لكن مع التقدم فى الحلقات بدأ العمل يفقد كل ما يميزه، رغم أن ورشة الكتابة التى عكفت عليه بقيادة «مريم ناعوم»، حيث ترهل إيقاعه ووقع فى فخ الاستسهال والمط والتطويل كعادة الدراما المصرية، ومع ذلك يحسب حسن الأداء لكل من «دينا الشربينى» فى تجسيدها للشخصية على النحو الجاد والصحيح، و»ريهام عبدالغفور» فى براعتها غير المعهودة فى هذا الموسم الدرامى، ومعها أحمد دواد الذى يمتلك تكنيك خاص يضعه فى مصاف النجوم الشباب الواعدين، وكذلك أحمد صلاح السعدنى فى اللعب على أعصاب المتفرج طوال الوقت، وأيضا بفضل حنكة وخبرة «جمال سليمان» كتب النجاح للمسلسل وأجتاز الاختبار الصعب ليحتل مكانته ضمن افضل أعمال رمضان 2019.
وشيئا من هذا القبيل يبدو فى أداء «غادة عبدالرازق» عبر مسلسلها «حدوتة مرة»، عبر أدائها المتقن لدور «مرة» التى تحولت فيما بعد إلى «مروة سلطان»، والذى لجأت من خلالها إلى تباين كبير فى الانفعالات ما بين الغضب واليأس والحزن والخوف والقلق والترقب والانتقام، وذلك عبر ثلاثة مراحل من التحولات فى حياتها على مدار عشرين عاما من «مزينة أفراح للسيدات، إلى خادمة منكسرة، ثم فى النهاية سيدة أعمال جشعة لا تتحكم فى دوافعها الشريرة الكامنة بداخلها»، ومن ثم ظهرت «غادة» فى كل مشهد بوجه مختلف، لكنه فى ذات الوقت لا يشذ عن الحالة الدرامية العامة وسياق الأحداث المتسارعة التى يسير عليها المسلسل، فقدت تمكنت بالفعل من أن تقدم أداء احترافيا وصل إلى حد كراهية الناس لشخصيتها المستفزة فى غالب الأحيان، المتعالية طوال الوقت رغم حالة الاضطراب النفسى التى تعانيها، وهو الأمر الذى جعلها تتربع بذلك الأداء البطولى على عرش الدراما المصرية والعربية كأفضل ممثلة.
أعمال فشلت رسالتها
ويبدو لى أن هنالك أعمال لم تنجح فى تقديم رسالة فنية أوحتى إنسانية، جراء ضعف السيناريو وترهل الأداء مثل «ولد الغلابة» و«ابن أصول» و«الواد سيد الشحات»، و«بركة»، و«فكرة بمليون جنيه»، والأخير جاء مستندا إلى كوميديا الموقف عبر إفيهات تميز موقعه، فضلا عن حركات بهلوانية لاطائل لها ويبدو لى افتعال تمثيلى واضح للأسف طال الكبار المشاركين فى هذا العمل، ونفس الشىء ينطبق على مسلسل «قابيل»، خاصة فى الجزء الثانى منه، حيث ضعفت الحبكة مع تطور الأحداث وسط تفاصيل كثيرة ضاعت فى إطار النقل عن عمل أجنبى فشل المؤلف فى ترجمته على النحو الصحيح، علاوة على مخارج الألفاظ غير الواضحة من جانب «محمد ممدوح» ورغم ذلك يحسب له أداء متميز فى كل من «ولد الغلابة» و«قابيل» ما يعكس وجود موهبة حقيقية يمكن استغلالها من خلال ورق جيد يبين لنا قدراته كممثل محترف.
أشياء تؤخد فى الاعتبار
بعد كل ما مضى بحلوه ومره يبقى لنا بعض الملاحظات التى كان ينبغى تجنبها فى دراما رمضان لهذا العام، وهى:
أولا: عدم التنوع فى المعروض من مسلسلات، حيث غلب عليها طابع الأكشن على حساب الاجتماعى الذى يركز على العائلة التى تعد العمود الفقرى فى الحياة المصرية، وكذلك الرومانسى الذى يبعث على البهجة والتفاؤل لانتشالنا من حالة التمزق والانكسار التى أصابت الذائقة المصرية بالعطب.
ثانيا: اللجوء فى بعض الأعمال إلى طابع العنف والإسراف فى تناول المخدرات على نحو يبعث على الجزع فى أثناء المشاهدة، فضلا عن التعبير بقسوة عن حال المرأة المصرية فى أعمال تتسم بمعاداة المرأة المكافحة فى ظل الحياة الصعبة الحالية.
ثالثا: افتقاد الموسم الدرامى إلى أعمال تاريخية على غرار الأعمال السورية التى جاءت بجودة عالية، مثل «مقامات العشق، الحلاج، حرملك» وهى بالمناسبة دراما عزفت بمهارة على أوتار الماضى العربى العريق بعبقه وبريقه الذى لايقاوم.
رابعا: غياب أعمال من نوعية «الفانتازيا» التى تتمتع بالإثارة والتشويق على غرار «سبع وصايا – كفر دلهاب – ساحرة الجنوب» وغيرها من أعمال كانت تحظى بمشاهدة كبيرة فى المواسم السابقة، وكذلك أعمال ال «نوسالجيا» التى تعبر عن الحنين للماضى.
خامسا: الغياب التام لموضوعات تتناول قصص البطولات العسكرية المصرية، وخاصة شهداء القوات المسلحة والشرطة، والتى تحمل فى طياتها أبعادا ومعانى إنسانية غاية فى الروعة والبراعة والكفاءة القتالية التى سطرت بحروف من نور فى سجل فخار هذا الوطن.
وأخيرا:
أستطيع القول بأن الموسم الدرامى عام 2019 اجتاز مرحلة التحول التدريجى بنجاح يحسب لصناعه رغم أنف الكارهين والمحرضين على الدولة، على أمل أن تكون الصورة أفضل فى المواسم القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.