جريمة قتل غريبة في أحداثها وتفاصيلها؛ الضحية لم تتعرض فقط لسلب روحها وهي على قيد الحياة بل سلبت جثتها بعد موتها ودفنها باسم قاتلتها في المقابر التابعة لأسرة المتهمة.. هذه الحقيقة فجرتها اعترافات المتهمة هند أمام النيابة عندما أكدت أنها أنهت حياة صديقتها خنقًا ثم شوهت معالم وجهها حرقًا وهربت من منزل أسرتها لتعيش حياة جديدة بهوية مختلفة، في الوقت الذي اعتقدت فيه أسرتها أن الجثة المحترقة التي عثر عليها في منزل المتهمة هي لابنتهم، وكان من الممكن أن تتحول هذه الواقعة إلى جريمة كاملة لولا القدر الذي لعب لعبته وأحبط مخطط المتهمة.. لماذا قتلت هند صديقتها؟ وكيف سقطت في قبضة رجال الشرطة بعد 40 يومًا من ارتكاب جريمتها؟.. تفاصيل مثيرة نسردها في السطور التالية. لم يكن صباح ذلك اليوم عاديًا في قرية عرب العيايدة بمركز الخانكة بمحافظة القليوبية، حين تصاعد الدخان الكثيف من منزل صغير في أحد الشوارع الجانبية.. هرع الجيران في فزع بعدما التهمت النيران أركان المطبخ، وداخل اللهيب كانت هناك جثة متفحمة لامرأة لم يستطع أحد التعرف عليها. الكل كان يصرخ: «دي هند!»... فكانت ترتدي نفس ملابسها، وكانت وحدها في البيت وقت اندلاع الحريق. بكاء، نواح، وصراخ اختلط بصوت سيارات الإطفاء، بينما وقفت أسرتها مذهولة أمام المشهد، لا يصدقون أن ابنتهم احترقت أمام أعينهم.. بعد أيام قليلة، استخرجت الأسرة شهادة وفاة باسم هند، وظن الجميع أن القصة انتهت عند هذا الحد... لكن الحقيقة كانت أكثر رعبًا مما تخيله أحد. هند، صاحبة العشرين عامًا، تخفي وراء ملامحها الهادئة نارًا تشتعل في صدرها.. بدت هند للجميع هادئة ومستقرة، لكنها في الداخل كانت تغلي؛ خلافات عائلية، ومشكلات مع زوجها، وإحساس طاغٍ بالاختناق جعلها تفكر في الهروب من كل شيء؛ من حياتها، من زوجها، من نفسها. وفي لحظة ضعف، انقلبت الفكرة إلى خطة شيطانية: تموت هند ظاهريًا لتولد من جديد باسم آخر. اختارت ضحيتها الأقرب.. صديقتها عُليّة، التي لم تتوقع يومًا أن صداقتها ستقودها إلى مصير بهذه البشاعة. دعتها هند إلى بيتها، وأعدّت كل شيء بعناية: زجاجة بنزين، ملابسها الخاصة، وخطة محكمة لتمويه الجريمة.. في ليلة الواقعة، جلستا تتبادلان الحديث والضحكات، لكن خلف تلك الابتسامة كانت هند تحسب اللحظة التي ستتحول فيها إلى قاتلة. طلبت من عليّة أن تغيّر ملابسها المتسخة، فأعطتها ثوبها هي، ثم أجهزت عليها خنقًا داخل المطبخ. بعد أن فارقت الحياة، جلست بجوار الجثة تتعاطى جرعة مخدرات، وتفكر في الخطوة القادمة، ثم سكبت البنزين على الجثة، وأشعلت النار في أرجاء المنزل. وفي دقائق، التهمت النيران الجدران، وتفحّمت الجثة حتى صارت ملامحها مطموسة. حين هرع الأهالي ورجال المطافئ، لم يجدوا سوى جثمان امرأة ترتدي ثياب هند، فظنوا أنها صاحبة البيت. أُثبتت الوفاة، ودفنت عليّة في مقابر تحمل اسم «هند»؛ لتُدفن الحقيقة معها. هروب بعدما نفذت هند جريمتها، خرجت من البيت الذي اشتعل فيه اللهيب، وراحت تختفي عن العيون في صمت. لكن الهروب كان يحتاج لغطاء جديد، وهوية جديدة، فقررت تخلق لنفسها حياة أخرى. غادرت المكان بخطوات ثابتة، تحمل في حقيبتها ما تبقى من نقودها التي ظنت أنها ستمنحها بداية جديدة. تنقلت من منطقة لأخرى واستأجرت غرفة صغيرة في أحد الأحياء الشعبية، وقدّمت نفسها باسم مختلف. كانت تخرج قليلًا وتعيش في خوف دائم، تخشى أن يقابلها أحد يعرفها أو أن يكتشف أحدهم سرها، حتى قابلت سيدة مسنة تقطن في مدينة نصر، سألتها عن حالها، فردت هند بعينين دامعتين: «أنا يتيمة وكنت عايشة في دار أيتام ماعنديش أهل ولا مكان أروحه»! رق قلب السيدة لكلامها، وقررت تساعدها، فعرضت عليها تعيش معها في شقتها الصغيرة مقابل مساعدتها في شئون البيت. وفعلًا بدأت هند حياة جديدة، لكن الحقيقة لم تختف، خصوصًا عندما بدأت هند تتجنب الكلام عن ماضيها، وتتوتر من أي سؤال بسيط عن أسرتها أو بلدها، وعندما أخذتها السيدة لاستخراج أوراق رسمية ارتبكت هند، فتسلل الشك داخل قلب السيدة المسنة، وعندما ضغطت عليها انهارت هند واعترفت بشخصيتها لكن لم تبح بجريمتها وما فعلته، وتم تسليمها لأهلها. وهكذا انتهت رحلة الهروب التي بدأت من تحت رماد الجريمة، ورجعت هند تواجه الحقيقة التي حاولت الهروب منها، لكنها كانت دائما تنتظرها في النهاية، وتم تسليمها لرجال المباحث، وانهارت هند من كثرة ملاحقة رجال المباحث بالأسئلة لها واعترفت بتفاصيل جريمتها، وتحولت القضية للمحكمة. عقوبة رادعة لم يكن جمال سيد عوض المحامي يعلم أن زيارته الروتينية لمركز شرطة الخانكة ستفتح أمامه باب قضية تهزّ القلب قبل العقل. فبينما كان المحامي ينهي بعض الأوراق الرسمية، لفت نظره صوت بكاء مكتوم لامرأة عجوز تجلس في أحد أركان القسم، تمسح دموعها بطرف طرحتها وهي تردد: «بنتي متغيبة بقالها أكتر من شهر.. بيقولوا ماتت ومش لاقيينها». اقترب منها المحامي بهدوء، وسألها عن القصة، لتكشف له أنها حماة المجني عليها، وأن الأخبار التي سمعتها عن مقتل زوجة ابنها قلبت كيانها. في تلك اللحظة، أدرك أن وراء دموعها حكاية غامضة لم تُكتب نهايتها بعد، فقرر أن يتولى الدفاع عن حق القتيلة التي غابت جسدًا، لكن صوتها مازال يطلب العدالة. ومن هنا بدأت فصول المواجهة داخل أروقة المحكمة، جلسات قصيرة لكنها مشتعلة بالحجج والدلائل، لم تستغرق سوى جلستين فقط، حتى نطقت المحكمة بحكمها العادل: السجن المؤبد لهند، التي حاولت أن تخفي جريمتها بالنار، لكن الحقيقة خرجت من تحت الرماد. يقول جمال سيد عوض المحامي: «تفاصيل القضية أشبه بفيلم سينمائي، المتهمة استطاعت أن تخدع الجميع، استدرجت الضحية وأنهت حياتها، وشربت المخدرات بجوار جثتها وفكرت في تشويه معالم وجهها حتى لا يتعرف عليها أحد، اعتقدت أنها ستفلت بجريمتها، لكنها إرادة الله». وأضاف: «أما الضحية علية، عانت في حياتها كثيرا وعاشت حياة صعبة، تركت أسرتها وجاءت تعيش في الخانكة بعدما تزوجت وأنجبت 3 أطفال، مات زوجها، فارتدت عباءة الشقاء وخرجت تبحث عن مصدر رزق لأطفالها وحماتها، حتى وقعت في براثن هند التي أنهت حياتها بدم بارد ويتمت أطفالها، أسرة علية حرروا محضرا بالاختفاء لكنهم لم يعلموا أنها ضحية جريمة قتل، وحتى الآن المجني عليها مدفونة في مقابر عائلة المتهمة». واختتم حديثه قائلا: «نحن كنا على ثقة في القضاء العادل الذي أعاد حق المجني عليها، وقضت المحكمة بالسجن المؤبد للمتهمة». وبحكم المؤبد يكون أُسدل الستار على واحدة من أغرب قضايا القتل التي شهدتها القليوبية، جريمة بدأت بخداع وانتهت بعدالة أعادت للضحية حقها. اقرأ أيضا: في جريمة مقتل سائق.. والده ينفي سبب الجريمة التعدي على فتاة