بعد قرن من الاكتشاف الذي غيّر وجه علم المصريات، يواصل الملك الذهبي توت عنخ آمون إلهام العالم من جديد، ولكن هذه المرة من قلب المتحف المصري الكبير، الذي افتُتح رسميًا مطلع نوفمبر الجاري في احتفال أسطوري تابعه الملايين حول العالم. وتنشر «آخرساعة» صورًا توثيقية لوكالة التعاون الدولي اليابانية (JICA)، التي شاركت بخبرائها وفِرقها الفنية فى أعمال الترميم والنقل ضمن المشروع المصري الياباني المشترك (GEM-JC)، لتوثّق تفصيليًا رحلة نقل وترميم أبرز مقتنيات الملك الشاب، وفى مقدمتها العجلة الحربية والسرير الجنائزى المذهب، اللذان خضعا لسلسلة دقيقة من عمليات الفحص والتغليف والنقل قبل أن يستقرا في قاعة العرض المهيبة بالمتحف الجديد. ◄ مسح ثلاثي الأبعاد للعجلة الحربية قبل ترميم الأجزاء الهشة ◄ نقل السرير الجنائزي كان المهمة الأصعب بسبب السلالم الضيقة بدأت فصول القصة في 4 نوفمبر 1922، حين اكتشف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر مقبرة الملك توت عنخ آمون في وادي الملوك بمحافظة الأقصر، مكتملة المحتويات كما تركها المصريون القدماء قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة. ◄ اقرأ أيضًا | السيسي يُحيي أمجاد الأجداد بلغة العصر.. مصر تُعيد الحياة لحضارتها الخالدة ومنذ نقل مقتنياته إلى المتحف المصري بالتحرير في ثلاثينيات القرن الماضي، ظلت مجموعة الملك الذهبية من أكثر القطع التى تحظى بالزيارة من عشاق الحضارة والتاريخ فى العالم، كونها تعكس براعة الفن المصرى القديم وجمال رموزه الملكية. لكن بمرور الزمن وبدء تنفيذ مشروع المتحف المصري الكبير، تقرر أن تخضع تلك الكنوز العظيمة التي تخص الملك توت، وعلى رأسها العجلة الحربية والسرير، لعملية ترميم علمي متكاملة تمهيدًا لعرضها فى صرحها الجديد المطل على الأهرامات. في مارس 2018، بدأ فريق المشروع المصري الياباني المشترك للترميم عمله داخل متحف الأقصر استعدادًا لنقل العجلة الحربية الرابعة للملك، وأجرى الفريق مسحًا ثلاثي الأبعاد للعجلة لتوثيق تفاصيلها قبل النقل، ثم بدأ فى الترميم الأوَّلى للأجزاء الهشة باستخدام مواد آمنة علميًا، لضمان سلامتها أثناء الرحلة إلى القاهرة. وفي 10 أبريل 2018، أُنجزت عملية النقل بنجاح وسط استعدادات دقيقة شارك فيها خبراء مصريون ويابانيون من وكالة جايكا وشركة نيبون إكسبريس المتخصصة في النقل الثقافى الدقيق. وبمجرد وصول العجلة إلى مركز الترميم بالمتحف الكبير، بدأت مرحلة التحليل بالأشعة السينية XRF والفحص المجهرى لتحديد مكونات الأخشاب والمعادن والدهانات الأصلية. وبعد أقل من أسبوعين، وتحديدًا فى 22 أبريل 2018، خاض الفريق تجربة جديدة بنقل السرير الجنائزى المذهب من متحف التحرير إلى المتحف الكبير. وكانت المهمة أكثر تعقيدًا هذه المرة، فالسلالم الضيقة فى المتحف القديم لم تكن تتسع لحجم السرير، ما دفع الفريق إلى ابتكار طريقة هندسية خاصة لإنزاله بأمان من الطابق الثانى. وخلال الفحص الأوّلى، رصد الخبراء آثارًا طفيفة لإصابة حشرية فى خزانة العرض، فتم التعامل معها بعملية تبخير علمى قبل النقل مباشرة. في مركز الترميم، خضع السرير لتحليل شامل باستخدام المجهر الرقمى والتصوير الفوتوغرافى عالى الدقة ودراسة تفصيلية لأجزائه المذهبة والمزخرفة. كما أعاد الخبراء تركيب المظلة الخشبية التى كانت تزين السرير بعد مقارنة أجزائها بالمراجع الأثرية الأصلية، لتعود القطعة إلى حالتها الكاملة لأول مرة منذ اكتشافها داخل المقبرة. ويُعد مشروع GEM-JC الذى أُطلق عام 2016 واحدًا من أهم مشاريع التعاون الثقافى فى العالم، إذ جمع بين وزارة السياحة والآثار المصرية ووكالة التعاون الدولى اليابانية (جايكا). أرسل الجانب اليابانى عبر جامعة طوكيو للفنون ومركز التعاون الدولى اليابانى (JICE) نحو 40 خبيرًا فى مجالات تحليل المواد العضوية والترميم المجهرى والتغليف الآمن، عملوا جنبًا إلى جنب مع 280 خبيرًا مصريًا لتأسيس مركز ترميم يُعد اليوم من الأحدث عالميًا. وفي عام 2020، حصد الفريق جائزة يوميورى اليابانية للتعاون الدولى تكريمًا لدوره فى حماية التراث المصرى ونقل الخبرات المتقدمة إلى المرممين المصريين، فى إنجاز يُضاف إلى سجل العلاقات الثقافية العريقة بين مصر واليابان. وبحلول يونيو 2024، وصلت آخر قطع المجموعة إلى مركز الترميم بالمتحف المصرى الكبير - كانت مظلة السرير الجنائزى - لتكتمل بذلك رحلة استمرت قرنًا من الزمن منذ اكتشاف المقبرة. أجرى الفريق تحاليل علمية متقدمة لتحديد أنواع الأخشاب والأصباغ، مع توثيق رقمى شامل لكل تفصيلة استعدادًا للعرض الدائم فى قاعة الملك توت عنخ آمون التى تضم اليوم أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية تُعرض لأول مرة مجتمعة فى مكان واحد. في الأول من نوفمبر 2025، عاش العالم لحظة تاريخية مع الافتتاح الأسطوري للمتحف المصري الكبير، حيث عُرضت كنوز الملك الذهبي في قاعة مهيبة صُمِّمت لتكون بمثابة عرش أبدي يطل على أهرامات الجيزة.