هذا ليس مقال رثاء، بمناسبة مرور21عاماً على استشهاد الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، رغم أنه يستحق.. ولا كتابة فى التاريخ، مع الادراك الكامل لأهميته، ولكنه حديث عن المستقبل، فقد فرضت الذكري، والتطورات الأخيرة على الساحة السياسية الفلسطينية، فيما يخص خلافة الرئيس محمود عباس، التأكيد على نهاية حقبة القادة المؤسسين، إلى بداية مرحلة قيادات الصف الثاني، والإسمان الأشهران المطروحان هما حسين الشيخ بعد صدور قرار بقانون من أبو مازن، بتوليه المنصب فى حالة شغوره، ومروان البرغوثى الذى لمح الرئيس الأمريكى ترامب بالتفكير فى الإفراج عنه، مما يدخله فى المعادلة من جديد، خاصة وأنه سبق أن طرح نفسه فى الانتخابات الرئاسية، التى لم تتم وهو فى المعتقل، وبالعودة قليلاً إلى الماضي، يمكن أن نكتشف وبسهولة أننا أمام استنساخ لتجربتى أبو عمار، وأبو مازن، وهما اللذان توليا المنصب منذ إنشاء السلطة الفلسطينية، ويمثل كل منهما تياراً مهماً داخل الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ظهورها فى ستينيات القرن الماضي، تيار (الكفاح المسلح) وعنوانه ياسر عرفات، وامتداده مروان البرغوثي، و(التسوية السياسية) والذى عبر عنه منذ البداية محمود عباس، والذى يلتزم به حسين الشيخ، المرشح بقوة لخلافته. فقد استهدفت تل أبيب وأجهزتها الأمنية - خاصة الموساد - أبو عمار منذ عام 1964، بعد أن شكل مع عدد محدود من الفلسطينيين، أبرزهم الشهيد خليل الوزير أبو جهاد حركة فتح، باكورة النضال المسلح الفلسطينى ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم إبعادهما، وعاد ياسر عرفات ليقود أول عملية فدائية هى (نفق عيلبون)، فى اليوم الأول لعام 1965 فى عمق الأراضى المحتلة، من خلال قوات العاصفة الجناح العسكرى للحركة، وتبنى الميثاق الوطنى فى يونيو 1968 الكفاح المسلح، باعتباره الطريق الوحيد لتحرير فلسطين. وفى اطار التنوع الفكرى فى الحركة، فقد سمحت لمحمود عباس، التحفظ على هذا التوجه منذ بداية التحاقه بها، مفضلاً العمل السياسي، والدخول فى عملية تسوية سلمية، على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242، وأعلن موقفه بصراحة ووضوح، فى أعمال الدورة ال11 للمجلس الوطنى الفلسطينى التى انعقدت بالقاهرة فى يناير1973، واقترح وتابع مسار الاتصالات مع اليسار الإسرائيلي، المنحاز للحقوق الفلسطينية، ولهذا كان من الطبيعى أن يشرف أبو مازن، على المباحثات التى أدت إلى التوصل لاتفاقيات أوسلو فى سبتمبر1993، كما تولى رئاسة أول حكومة فلسطينية، بعد الضغوط التى مارستها على الزعيم الفلسطينى الشهيد ياسر عرفات، بعد حصاره فى مقره بمدينة رام الله، والذى بدأ فى سبتمبر 2002، واستمر لأشهر عديدة، بعد أن كان العرف على الجمع بين منصب رئيس السلطة والحكومة، وتولى رئاسة السلطة خلفاً لأبوعمار بعد استشهاده، فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى يناير من عام2005، وكان لإسرائيل مصلحة فى تسهيل إجرائها لأسباب عديدة، ليس هذا وقت طرحها، فالكلام فيها يطول. وهكذا بدأت دورة جديدة، وسؤال كبير، حول من يتولى مسئولية السلطة الوطنية الفلسطينية؟، خاصة مع تقدم عمر الرئيس محمود عباس، وهو على أعتاب التسعين، وقد يعلن اعتزاله العمل السياسي، خاصة أن الخطة الأمريكية والإسرائيلية لا ترى فيه حاكماً مقبولاً لغزة، والمطروح الآن على الساحة وبقوة الاسمان البرغوثى والشيخ، الأول إذا تم الإفراج عنه، وقد دفع مروان البرغوثي، من سنوات عمره ثمنًا لانحيازه إلى خيار المقاومة، منذ أن كان فى السابع عشر من عمره، حيث تم اعتقاله لمدة عامين عام 1976، بتهمة الانتماء إلى حركة فتح، والمشاركة فى المظاهرات، وكان له دور ميدانى فى الانتفاضة الأولى، وساهم فى تشكيل القيادة الموحدة لها، وتم اعتقاله وإبعاده إلى تونس لسنوات طويلة، وعاد إلى الضفة مع السلطة الفلسطينية، بعد أوسلو عام 1994، ليقوم بنفس الدور فى الانتفاضة الثانية، حيث اتهمته إسرائيل بالمسئولية عن عدد من عمليات شهداء الأقصى، الجناح العسكرى لحركة فتح، وظل مطارداً حتى منتصف أبريل عام 2002، حتى تم اعتقاله، والحكم عليه بخمس مؤبدات، وحقيقة الأمر أن قناعات مروان البرغوثى الأخيرة، قد تكون كما هي، خاصة أنه عاصر مرحلتى النضال المسلح، وما بعد أوسلو. أما حسين الشيخ، الذى يمثل الجانب الثانى من المعادلة، فهو من مواليد 1960، اعتقل وظل فى السجون الإسرائيلية لمدة11عاماً بين عامى 1978 إلى 1989. حيث كان عضواً فى القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولي، وبعدها تبنى نفس نهج أبو مازن الداعى للحوار، واستخدام الدبلوماسية، وتولى منذ عام 2007، وحتى فبراير من العام الحالي، رئاسة الهيئة العامة للشئون المدنية، بدرجة وزير، مما أتاح له فتح خطوط اتصال مستمرة مع المسئولين الإسرائيليين، وتم تصعيده بعد استحداث منصب نائب الرئيس فى أبريل الماضي، ليكون أول من تولاه، إلى أن أصدر أبو مازن منذ أيام قراراً بقانون، ينص على أنه سيشغل المنصب الرئاسى فى حالة شغوره. وبعد، علينا أن نعترف بأن الشعب الفلسطينى هو صاحب قرار الحسم فيمن يتولى السلطة بعد أبو مازن، ولكن يبقى السؤال، ماذا عن إسرائيل؟، هل تقبل برجل التسوية حسين الشيخ، أو بصاحب التاريخ النضالى مروان البرغوثي؟، والإجابة وببساطة أنها تسعى لإنهاء الوجود الفلسطينى شعباً وسلطة.