يبدو أن فلسطين تستعد لمرحلة ما بعد رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن) وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، إذ تداولت في الأيام الأخيرة أسماء لشخصيات قد تتولى حكم المرحلة الانتقالية في غزة بعد انتهاء الحرب. حسين الشيخ أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أول أمس الأحد، إعلانًا دستوريًا يقضي بتولي نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مهام رئيس السلطة الوطنية مؤقتًا لمدة لا تزيد على 90 يومًا، حال شغور المنصب. وذكر الإعلان، أنه "خلال تلك المدة تجري انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقًا لقانون الانتخابات الفلسطيني، وفي حال تعذر إجراؤها خلال تلك المدة لقوة قاهرة تمدد بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لفترة أخرى، ولمرة واحدة فقط". يُشار إلى أن نائب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ونائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، هو حسين الشيخ. وفي هذا الشأن يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي وأستاذ حل النزاعات الإقليمية والدولية، الدكتور علي الأعور، إن مرسوم الرئيس عباس يتجاهل القانون والنظام الأساسي الفلسطيني ويساهم في مركزية القرار الفلسطيني وهذا يتطلب إعادة هيكلة وبناء نظام سياسي فلسطيني جديد يقوم على التعددية والتداول السلمي للسلطة ودخول كل مكونات الشعب في النظام السياسي، بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وفق قوله. ويرى الأعور خلال حديثه ل"مصراوي"، أن حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي صرح به في وقتٍ سابق من أكتوبر الجاري، بشأن إمكانية إطلاق سراح القيادي مروان البرغوثي من سجون الاحتلال، قد سرع من إصدار مرسوم الرئيس الفلسطيني بشأن حسين الشيخ. وفي أبريل الماضي، تم تعيين الشيخ نائبًا لعباس، وجاء اختياره على ضوء تفويض من حركة فتح للرئيس باختيار نائبه قبل جلسة "مركزي المنظمة" الذي صادق على توفير نائب للرئيس. وعُين حسين الشيخ في عام 2022 لشغل منصب أمين سر حركة فتح، وشغل عام 2017 منصب وزير الهيئة العامة للشؤون المدنية ورئيس لجنة التنسيق المدنية العليا. ويُوصف الشيخ بأنه شخص براجماتي، ويرى أن "التعاون مع إسرائيل" هو السبيل لنيل حقوق الشعب الفلسطيني وليس الصدام. أمجد الشوا تردد اسم أمجد الشوا، المدير العام لشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، كمرشح لإدارة قطاع غزة في المرحلة الانتقالية، وهو ما نفاه الشوا. وقال الشوا، في حوار مع قناة "الغد"، إنه لم يتم التواصل معه بشكل رسمي حتى اللحظة حول هذا الشأن، نافيًا التقارير التي أشارت إلى ترأسه حكومة انتقالية لإدارة القطاع في مرحلة ما بعد الحرب. في وقت سابق، صرح الشوا لقناة "العربية"، إنه "إذا كان هناك توافق عربي ووطني فيما يتعلق بهذا الموقع، وعُرضت علي رئاسة حكومة تكنوقراط في غزة سأكون مُستعدًا، وإذا كان هناك أمر آخر، طبعًا سأكون مع أي جهد وطني يتعلق بخدمة أبناء شعبنا الفلسطيني". وكانت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، قد نقلت عن قناة "كان" العبرية، أن حركة حماس والسلطة الفلسطينية اختارتا، خلال اجتماع عُقِد الأسبوع الماضي بينهما مع المخابرات المصرية في القاهرة، أمجد الشوا كرئيس للجنة الحكومة التكنوقراطية الجديد التي ستتولى إدارة حكم القطاع. ومن جانبها، نفت حركة فتح هي الأخرى ذلك، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية. وأكد المتحدث الرسمي باسم الحركة، عبد الفتاح دولة، أن "موقفها الثابت والمعلن يتمثل في أن من يتولى رئاسة هذه اللجنة يجب أن يكون وزيرًا من حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها الجهة الشرعية المسؤولة عن إدارة شؤون أبناء شعبنا في الوطن". ومع تداول اسم الشوا كمرشح لرئاسة حكومة انتقالية في غزة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض للاسم، إذ تساءل البعض عن موقفه من حركة حماس، خاصة بعدما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن من وصفتها بالمصادر الفلسطينية، أن "أمجد الشوا مؤيد لحماس دون أن يكون عضوًا فيها". وفي هذا الشأن يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي، الدكتور علي الأعور، أن "أمجد الشوا لن يكون قائدًا، بل سيبقى في إطار عمل البلديات و ليس عنوانًا سياسيًا". مروان البرغوثي صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مقابلة مع مجلة "تايم" في وقتٍ سابق من أكتوبر الجاري، بأنه "سيتخذ قرارًا" بشأن الإفراج عن القيادي الفلسطيني البارز مروان البرغوثي. وكانت حركة حماس قد أصرت، خلال الاتفاق على أسماء قائمة الأسرى الفلسطينيين الذي سيتم الإفراج عنهم من سجون الاحتلال ضمن صفقة التبادل، على أن تشمل القائمة مروان البرغوثي، إلا أنه لم يكن ضمن الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم. ويقبع البرغوثي (66 عامًا) في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ اعتقاله خلال عملية "الدرع الواقي" عام 2002، على ضوء اتهامات بتأسيس "كتائب شهداء الأقصى" العسكرية وهو الأمر الذي نفاه القيادي الفلسطيني بشكل قاطع. وحُكِم على البرغوثي عام 2004 بخمسة أحكام بالسجن المؤبد و40 عامًا بعدما أدانته محكمة بتدبير كمائن وهجمات انتحارية على إسرائيليين خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية. يُعد البرغوثي أحد أبرز قادة انتفاضة عام 2000 ضد إسرائيل، وقد نجح في الحفاظ على علاقات متينة مع قادة حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى. ويحظى البرغوثي بتقدير واحترام كبيرين داخل حركة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ يرى فيه كثيرون امتدادًا لنهج الزعيم الراحل ياسر عرفات. لماذا أصدر عباس إعلانًا دستوريًا لخلافته؟ يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي وأستاذ حل النزاعات الإقليمية والدولية، الدكتور علي الأعور، أن الرئيس محمود عباس أصدر مرسومًا بتعيين خليفة له لرئاسة السلطة في حال شغور هذا المنصب بوفاته أو بتخليه عن السلطة أو ما شابه ذلك، يعود إلى حالة عدم الرضا الإقليمي (خاصة داخل إسرائيل) والدولي والفلسطيني برئاسة عباس للسلطة الفلسطينية. ويقول الأعور، إن فلسطين أمام معطيات إقليمية ودولية تؤكد أن التغيير قادم في السلطة الفلسطينية بقيادة عباس. ويعتقد الأعور، أن إسرائيل ربما ترى حسين الشيخ شخصية معتدلة إلى حد كبير، وبالتالي فإن هناك إمكانية للتوافق معه في مسائل تتعلق بالأمن والسياسة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وذلك على الرغم من عدم إصدار أي رد فعل رسمي من الاحتلال في هذا الشأن. وفيما يتعلق برد فعل الشارع الفلسطيني على إعلان عباس، يقول الأعور، إن ردود الفعل جاءت معارضة لهذا المرسوم، إذ ينظر البعض إليه على أنه "جزء من الفساد الذي تمر به السلطة الفلسطينية"، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني حر ضحى وقدم عشرات الآلاف من الشهداء، وبالتالي من حقه أن يحظى بالديمقراطية وأن يختار من يحكمه بناء على انتخابات حرة تُجرى. ويوضح الدكتور علي الأعور، أنه على الرغم من أن المرسوم ينص على أن هناك فترة انتقالية وبعدها سيتم إجراء الانتخابات، ولكن في حال تعذر إجراؤها، فإن حسين الشيخ سيستمر في منصبه، مشيرًا إلى أن مرسوم الرئيس الفلسطيني لا يعطي الشرعية لأحد، مؤكدًا أن صندوق الاقتراع هو الفيصل، وأن إجراء انتخابات هي استحقاق وطني. ويختتم الخبير في الشأن الإسرائيلي حديثه، قائلًا: "برأيي، جاء صدور هذا المرسوم عقب إعلان ترامب عزمه الإفراج عن مروان البرغوثي، ما عجّل – في تقديري – بإصدار مرسوم رئاسي لتعيين خليفة للرئيس محمود عباس. وأعتقد أن الأوضاع لن تبقى على حالها، إذ قد نشهد في أي لحظة تغيّرًا دراماتيكيًا في المشهدين الفلسطيني والسياسي العام. فملف غزة لم يُحسم حتى الآن إلا من خلال لجنة إدارية أو تفاهمات محدودة بين حركتَي فتح وحماس، غير أنني أرى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كبيرة تتعلق بقيادة الشعب الفلسطيني وإدارة المرحلة المقبلة في الضفة والقطاع".