«ستوري بوت» خدمة جديدة تقدمها «بوابة أخبار اليوم» إلى قرائها، حيث نرشح لبرامج الذكاء الاصطناعي موضوع يهم الناس، ونطلب منه كتابة قصة صحفية عنه، دون تدخل من العنصر البشري، قصة اليوم تتحدث عن التوحد مع عالم الذكاء الاصطناعي، وقضاء ساعات طويلة مع هذه البرامج في عزلة عن العالم الخارجي. ◄ كيف ترى ظاهرة «التوحد مع الذكاء الاصطناعي» للكثير من الناس؟ هذه الظاهرة تعبّر في جوهرها عن حاجة إنسانية أكثر منها تكنولوجية، فالكثير من الناس يبحثون عن مساحة آمنة يُصغى إليهم فيها دون حُكم أو ضغط في عالمٍ سريعٍ وضاغط، فأصبح الذكاء الاصطناعي ملاذًا نفسيًّا للبعض، وسيلة للتفكير بصوتٍ عالٍ أو لتفريغ المشاعر في بيئةٍ متفهمة وغير مُقَيِّمة. ◄ هل يعني ذلك أنّ الناس باتوا أكثر انعزالًا عن المجتمع؟ ليس بالضرورة، فبعض الأشخاص يستخدمون الذكاء الاصطناعي كوسيلة للتعلّم أو تطوير الذات، وليس للهروب من الواقع، لكن الخطر يبدأ عندما يتحوّل هذا التفاعل إلى بديلٍ عن العلاقات الإنسانية الحقيقية، والتوازن هنا ضروري للغاية، لأن التواصل البشري هو ما يبني الشخصية وينمّيها، وليس مجرد حوارٍ رقمي مع آلة. من أكثر الفئات تأثرًا بهذه الظاهرة؟ يمكننا التمييز بين فئتين أساسيتين: 1. المبدعون والطلاب والباحثون، إذ يجدون في الذكاء الاصطناعي شريكًا فكريًا متاحًا دائمًا، يدعم أفكارهم ويحفّز إبداعهم. 2. الأشخاص الذين يعانون من العزلة أو صعوباتٍ اجتماعية، لأنهم يجدون في هذا التفاعل راحة نفسية وغيابًا للحكم أو النقد. لكن في النهاية، المشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي ذاته، بل في احتياج الإنسان للتواصل والدعم العاطفي. ◄ هل يمكن أن يسبب التفاعل المفرط مع الذكاء الاصطناعي آثارًا نفسية سلبية؟ نعم، فالاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي في التعبير عن الذات أو اتخاذ القرارات قد يُضعف مهارات التواصل الواقعي، ويؤدي إلى نوعٍ من الانعزال العاطفي، وقد يكوّن بعض الأفراد ارتباطًا نفسيًا بالذكاء الاصطناعي، ما يدفعهم تدريجيًا إلى الانسحاب من الحياة الاجتماعية. لكن، إذا تم استخدامه بطريقةٍ متوازنة، يمكن أن يكون وسيلةً مفيدة للتنفيس النفسي وتعزيز الصحة العقلية بشكلٍ إيجابي. ◄ هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسدّ "الفجوة العاطفية" التي يشعر بها بعض الناس؟ إلى حدٍّ ما نعم، فهو يوفّر مساحةً من التفاعل تمنح إحساسًا بالاحتواء، وهو ما يحتاجه كثيرون ممن يعانون من الوحدة أو ضعف التواصل. اقرأ أيضا| حين يلتقي «الفراعنة» بالذكاء الاصطناعي.. المتحف الكبير يدخل الواقع الافتراضي لكن علينا أن نكون واقعيين، فالذكاء الاصطناعي لا يمتلك مشاعر حقيقية، هو يُحاكي التعاطف لغويًا، لكنه لا يشعر به وجدانيًا، لذلك الاعتماد عليه كبديلٍ عن العلاقات الإنسانية قد يؤدي إلى تعميق الفجوة العاطفية لا ردمها. الوعي هو المفتاح: على الإنسان أن يستخدم الذكاء الاصطناعي وسيلةً للفهم، لا بديلًا عن الحب والدعم الإنساني الحقيقي. ◄ ماذا عن تأثير ذلك على المجتمع ككل؟ هل يمكن أن يؤدي إلى تغيّرات اجتماعية عميقة؟ بالتأكيد، فالمجتمع الذي يعتاد الاعتماد العاطفي أو الفكري على التكنولوجيا قد يواجه تحدياتٍ في العلاقات الإنسانية، والتربية، وحتى في سوق العمل، وسنشهد تغيّرًا في مفهوم الصداقة، والعلاقات، والتعليم، وربما الحب أيضًا، لكن في المقابل، ستظهر فرصٌ جديدة، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون وسيلة دمج اجتماعي للأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي أو صعوبات التواصل. ◄ هل يمكن اعتبار التفاعل المكثّف مع الذكاء الاصطناعي شكلًا من أشكال «الإدمان الرقمي»؟ نعم، إذا فقد الإنسان قدرته على الفصل بين العالم الحقيقي والعالم الرقمي، فالإدمان الرقمي لا يقتصر على الألعاب أو وسائل التواصل الاجتماعي، بل يشمل أيضًا التعلق الزائد بالأدوات الذكية. الحل لا يكمن في المنع، بل في الوعي والتنظيم، فالذكاء الاصطناعي يجب أن يكون وسيلةً مساعدة، لا بديلًا عن الحياة الواقعية. ◄ هل هناك خطورة في أن يبدأ الناس بتفضيل الحوار مع الذكاء الاصطناعي على الحوار مع البشر؟ في بعض الحالات نعم، خاصةً حين يبحث الفرد عن تفاعلٍ مثاليٍّ خالٍ من النقد أو الخلاف، لأن الذكاء الاصطناعي دائمًا مستمعٌ متقبّل، لكن العلاقات الحقيقية تُبنى على الاختلاف والنقاش والنمو، والذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون «مرآة آمنة»، لكنه لا يستطيع أن يكون "«قلبًا نابضًا». ◄ كيف يمكن دمج الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية بشكلٍ صحي ومتوازن؟ يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم، والعلاج النفسي الموجّه، والتدريب الذاتي، وتنظيم الوقت، الفكرة هي استخدامه ك «شريك دعم»، لا كبديلٍ عن الذات أو الآخرين، بجانب التعليم الواعي لاستخدام التكنولوجيا، فهو خط الدفاع الأول ضد أي آثارٍ سلبية. ◄ ما الرسالة التي تود توجيهها للأشخاص الذين أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من يومهم؟ أقول لهم: التكنولوجيا ليست عدوًا ولا صديقًا، بل مرآة تعكس طريقتك في التعامل معها، اجعلها وسيلةً تساعدك على فهم نفسك وتطويرها، لكن لا تسمح لها أن تستبدل مشاعرك أو علاقاتك الإنسانية. فالذكاء الحقيقي هو أن تعرف أين تتوقف، وأين تبدأ الحياة الحقيقية خارج الشاشة.