في الآونة الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات لردود مثيرة من نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية الكبيرة، مثل «شات جي بي تي». تُظهر هذه اللقطات طابعًا بشريًا في تفاعل الذكاء الاصطناعي مع المستخدمين، حيث تتنوع الردود بين اهتمام واضح برسائلهم، ورسائل تشجيعية، وأحيانًا كلمات مجاملة رقيقة، مما أثار دهشة المتابعين. التطور السريع والملحوظ في مجال الذكاء الاصطناعي أذهل الجميع؛ فقد باتت الشركات تقدم تجربة تفاعلية مثيرة للمستخدمين، حيث نرى الآن «شات جي بي تي» يقود الحوار، ويطرح أسئلة حول تفاصيل حياتهم عبر خاصية المحادثة الصوتية. وأثارت هذه التجربة جدلًا واسعًا؛ فبينما يرى البعض فيها تعزيزًا لتجربة المستخدم، يخشى آخرون أن يؤدي هذا التطور إلى استبدال الأصدقاء البشر بالذكاء الاصطناعي، معتبرين أنه يشكل تهديدًا للحياة الاجتماعية والسلامة النفسية. وفي هذا الصدد، يرى شحاتة السيد، خبير تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، أن الذكاء الاصطناعي وتسهيلاته التي دخلت مختلف جوانب الحياة والعمل قد يكون لها تأثيرات سلبية على السلوك البشري، خاصة في حالة الاعتماد الزائد عليها. وأضاف في تصريحات خاصة ل«المصري اليوم» أن هذه الأدوات، التي تهدف إلى تبسيط المهام، قد تؤدي إلى تراجع مهارات التفكير النقدي والتحليل الشخصي مع مرور الوقت؛ إذ تصبح المهام أبسط وأقل تعقيدًا، مما يقلل الحاجة إلى إعمال العقل بالشكل المطلوب ويزيد من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي قد يُضعف من مرونة الإنسان في حل المشكلات وتطوير مهاراته. وفيما يتعلق بأسلوب الردود الودية لدى النماذج اللغوية الكبيرة مثل شات جي بي تي، قال السيد إنها تهدف إلى توفير تفاعل إيجابي يُبقي المستخدم مرتاحًا؛ وقد يبدو هذا الأسلوب مهذبًا ومبنيًا على الود من دون مبالغة حقيقية، بل هو طريقة لجعل التواصل مع التقنية أكثر سلاسة وسهولة. فبعض المستخدمين قد يفسرون هذا الأسلوب العاطفي على أنه إظهار لمشاعر وهمية، مما قد يشوش على الفهم الصحيح لطبيعة هذه التكنولوجيا. وحول ما إذا كانت هذه النماذج تسعى لتكون «صديقًا رقميًا» للإنسان، أكد السيد أن الشركات المطورة تسعى أساسًا إلى تطوير تجربة مستخدم عالية التخصيص، حيث تحفظ النماذج اهتمامات المستخدم وتفضيلاته لزيادة فعالية التفاعل وجذب المستخدم لتكرار استخدام الأداة. مضيفًا أن بعض المستخدمين قد يشعرون بأن هذه الأدوات بمثابة رفيق لهم، إلا أن الهدف الأساسي للشركات ليس خلق بديل عن الصديق الحقيقي بقدر ما هو تقديم تجربة رقمية محسنة تلبي احتياجات الأفراد بشكل أعمق وأكثر تخصيصًا. أما عن أثر هذه النماذج على تزايد عزلة المراهقين، فقال السيد إن «هذه النماذج قد تعزز من الانعزال الاجتماعي لدى البعض، خاصة مع ضعف التواصل الاجتماعي المباشر لدى الأجيال الجديدة، إذا اعتمدوا عليها كبديل للعلاقات الحقيقية، مما قد يؤدي إلى تعزيز العزلة وتقليل التفاعل الاجتماعي التقليدي». الذكاء الاصطناعي.. هل يكون صديقا للبشر؟ وفي هذا الصدد، قال جون عزيز، مسؤول الدعم النفسي بمشروع عدالة الأطفال بمكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن ردود نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي ما هي إلا صيغة لردود ذات طابع بشري أنشأها البشر في الأصل، لكنها قد تزيد من نسبة الانعزال وتؤثر على العلاقات الاجتماعية. وأضاف مسؤول الدعم النفسي في تصريحات خاصة ل«المصري اليوم»، أنه حتى الآن لا توجد دراسات علمية منشورة تشير إلى التأثير الفعلي السلبي لردود نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي على المراهقين، مشيرا إلى أنه رغم وجود توقعات سابقة بآثار إيجابية لمواقع التواصل الاجتماعي في تقليل المسافات بين الأشخاص وتسهيل التواصل، إلا أن الواقع أثبت من خلال العديد من الأبحاث والدراسات العلمية أن لها تأثيرات سلبية على المراهقين، مثل زيادة معدلات الاكتئاب وعدم الرضا عن النفس والحياة. معلقًا: «الأيام هي التي ستكشف لنا تأثير الذكاء الاصطناعي على الحياة الاجتماعية، سواء كان سلبيًا أم لا». ودعا «عزيز» إلى توخي الحذر، قائلًا: «يجب علينا أن نقلق من التطور الهائل للذكاء الاصطناعي في فترات قصيرة، لأننا لا نعلم إلى أين سيصل أو ما حجم تأثير هذا التطور السريع على المستوى النفسي للفئات العمرية المختلفة». وبشأن ضوابط استخدام الذكاء الاصطناعي، صرح أخصائي العلاج النفسي بضرورة عدم الإفراط في استخدامه، والتركيز على عدد الساعات، لافتًا إلى أن المبدأ العام في الاستخدام هو عدم الإفراط أو التفريط. معلقًا: «أي شيء نستخدمه بشكل مبالغ فيه يزيد من فرص ظهور سلوكيات إدمانية، حتى لو كان شاتًا أو موقعًا». وأكد عزيز أن البشر يحتاجون إلى علاقات إنسانية حقيقية في حياتهم، وأنه مهما تطورت التكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فإنها لن تُشبع احتياجات البشر بشكل صحيح، مما ينعكس على مستوى النضوج والصحة النفسية للأفراد. وختم قائلًا: «محاولة استبدال العلاقات الإنسانية بتقنيات الذكاء الاصطناعي أو أي شيء آخر، تشبه البحث عن سراب في الصحراء».