في ظل التحولات العالمية المتسارعة نحو النقل المستدام، تعمل مصر على ترسيخ موقعها كمركز إقليمي لصناعة وتصدير وسائل النقل الكهربائية، مستفيدة من موقعها الجغرافى الاستراتيجي، وتكلفة التصنيع التنافسية، إضافة إلى شبكة واسعة من الاتفاقيات التجارية التي تربطها بأهم الأسواق الدولية. يؤكد الخبراء أن الاتحاد الأوروبي ودول الخليج يشكلان الوجهة الرئيسية للصادرات المصرية من المركبات الكهربائية، فيما تبرز الأسواق الأفريقية كفرصة واعدة، وإن كانت مرهونة بتطوير البنية التحتية اللازمة، ورغم ما تتمتع به هذه الصناعة من مزايا، إلا أنها ما زالت تواجه تحديات كبيرة، تشمل صعوبات التمويل، وتعقيدات سلاسل التوريد، ونقص البنية التحتية لمحطات الشحن، فضلاً عن شدة المنافسة مع الصين التى تهيمن على الصناعة عالميًا. ◄ اقرأ أيضًا | 849 راكبًا طاقته الاستيعابية وصديق للبيئة| «ديسيرو» أول قطار بدورين فى مصر ◄ الصفتي: أوروبا والخليج أهم الأسواق.. والمغرب والسعودية منافسان إقليميان أقوياء ◄ تطور البنية التحتية يوضح المهندس شادى الصفتي، خبير استراتيجيات صناعة السيارات، أن الاتحاد الأوروبي يمثل السوق الأهم للسيارات الكهربائية المصرية بفضل تطور البنية التحتية هناك وتوافر محطات الشحن، إلى جانب الشراكة التجارية المميزة بين مصر والاتحاد، إضافة إلى قرب المسافة وانخفاض تكاليف الشحن. ويضيف أن دول الخليج تأتى فى المرتبة الثانية من حيث الأهمية، بينما يُستبعد السوق الأفريقى حالياً بسبب ضعف البنية التحتية وغياب محطات الشحن اللازمة. وأشار الصفتي إلى أن مصر تمتلك ميزات تنافسية بارزة فى مجال التصنيع، أهمها شبكة الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي ودول الخليج والميركوسور والدول الأفريقية، كما يمكن لمصر أن تدخل فى شراكات تصنيع مع الشركات الصينية، لتكون مركزاً إقليمياً لتصدير السيارات المصنعة محلياً دون جمارك، خاصة أن تكلفة التصنيع المنخفضة فى مصر تعد ميزة كبيرة مقارنة بالارتفاع المتواصل فى تكاليف الإنتاج داخل الاتحاد الأوروبي. ويرى الصفتى أن مصر قادرة أيضاً على استقطاب الشركات الأوروبية لنقل مصانعها إليها، ما يمنحها فرصة لزيادة التنافسية أمام السيارات الصينية التي تغزو الأسواق الأوروبية بقوة. وفيما يتعلق بالتحديات، أوضح الصفتي أن أهمها توطين التكنولوجيا المتقدمة وتعميق المكون المحلى، خصوصاً فى الصناعات المغذية مثل هيكل السيارة والبطاريات، موكدًا ضرورة تطوير استراتيجية صناعة السيارات لتشمل البرمجيات، بما يتيح للمبرمجين والمهندسين المصريين اقتحام هذا القطاع الحيوى، خاصة مع اعتماد شركات عالمية مثل "فاليو" على الكفاءات المصرية. واختتم الصفتي بتأكيده أن نجاح التصدير سيعزز مكانة مصر كمركز إقليمى لصناعة المركبات الكهربائية، خصوصاً فى ظل الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين وسعى الأخيرة لنقل مصانعها إلى دول قريبة من أوروبا، لكنه نبه فى الوقت نفسه إلى وجود سباق إقليمى على الريادة فى هذا المجال، حيث تتقدم المغرب بفضل خبرتها واتفاقياتها التجارية القوية مع أوروبا، بينما تراهن السعودية على استثمارات ضخمة تتجاوز 10 مليارات دولار فى صناعة السيارات الكهربائية المتطورة. ◄ حسين: أفريقيا سوق بالمليارات.. وفرص مصر تكمن فى الحافلات الكهربائية ◄ ثلاث دوائر رئيسية في حين يرى الدكتور طارق مصطفى حسين، خبير السيارات، أن أبرز الأسواق القادرة على استيعاب وسائل النقل الكهربائية المصرية تنقسم إلى ثلاث دوائر رئيسية. الأولى هى أفريقيا، حيث تبرز دول مثل إثيوبيا، المغرب، جنوب أفريقيا وكينيا التى تشهد نمواً متسارعاً فى اعتماد المركبات الكهربائية، خاصة الحافلات والمركبات التجارية الخفيفة، ويُقدَّر حجم سوق القارة بنحو 15-16 مليار دولار عام 2023، مع توقعات بارتفاع قوى حتى 2030، ما يجعلها هدفاً طبيعياً لصادرات مصرية من سيارات الركوب، والمركبات الخفيفة، والحافلات المجمعة محلياً، أما الدائرة الثانية فهى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، لاسيما الخليج العربى والأردن والمغرب، حيث تتوافر برامج تحفيزية وبنية تحتية متنامية للشحن مع طلب متزايد على الحافلات والمركبات الخفيفة، بينما تمثل أوروبا الدائرة الثالثة، وبالأخص فى قطاع الحافلات والشركات اللوجستية التى تحتاج حلولاً متخصصة مثل الشاحنات الخفيفة ومركبات التوزيع، وهو ما يفتح الباب أمام تصدير وحدات مجمعة فى مصر للأسواق الأوروبية القريبة. ويقدّر الدكتور طارق حجم الطلب المتوقع وفق سيناريوهين: على المدى القصير (1-3 سنوات)، قد يتراوح بين آلاف إلى عشرات آلاف الوحدات فى أفريقيا والمنطقة، خصوصاً الحافلات والمركبات التجارية الخفيفة، إذ بلغت مبيعات السيارات الكهربائية فى أفريقيا نحو 11 ألف وحدة فى 2024. أما على المدى المتوسط (3-7 سنوات)، فقد يتضاعف الطلب ليصل إلى عشرات الآلاف سنوياً إذا تحسنت البنية التحتية للشحن وتوفرت سياسات دعم وتسهيلات تجارية فى إطار اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية (AfCFTA) وغيرها من الاتفاقيات الإقليمية. ويضيف أن مصر تمتلك عناصر مميزة تمنحها ميزة تنافسية فى التصدير، أبرزها موقعها اللوجستى الاستراتيجى المرتبط بقناة السويس والمنطقة الاقتصادية، ما يقلل تكاليف وزمن الشحن، إلى جانب ذلك، تتمتع مصر بتكلفة تصنيع منخفضة وقوى عاملة مدربة، مما يتيح إنتاجاً تنافسياً مقارنة بالأسواق الكبرى، كما يمكن الاعتماد على نموذج التجميع الجزئى (CKD/SKD) عبر شراكات تقنية مع شركات عالمية، لخفض الرسوم الجمركية وتكييف المركبات وفق احتياجات الأسواق المستهدفة، ويرى أن التركيز على مجالات محددة مثل الحافلات الكهربائية المدرسية والحضرية، مركبات التوصيل والخدمات، يمنح مصر فرصاً أسرع لإبرام عقود حكومية ومؤسسية، كما أن توفير خدمات التمويل والصيانة للمستوردين، بالتعاون مع بنوك إقليمية مثل بنك Afreximbank، يزيد من فرص التبنى السريع. غير أن الدكتور طارق يؤكد أن الطريق ليس سهلاً، إذ تواجه الصناعة المصرية جملة من التحديات أبرزها تأمين التمويل والاستثمارات الكافية فى خطوط الإنتاج وسلاسل التوريد للبطاريات، إلى جانب قصور البنية التحتية للشحن فى الأسواق المستهدفة، خاصة الأفريقية. ◄ قطب: ترسيخ لمكانة مصر كمركز إقليمى لصناعة وتصدير وسائل النقل الكهربائية ◄ الأسواق الإقليمية والدولية بينما يشير المهندس تامر قطب، المدير التنفيذي لشركة أبو غالى موتورز وكلاء جيلي وسوبارو في السوق المصرية، إلى أن أبرز الأسواق الإقليمية والدولية القادرة على استيعاب وسائل النقل الكهربائية المصرية تشمل دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية باعتبارهما من أسرع الأسواق نمواً في هذا القطاع مع ما توفرانه من دعم وحوافز، إلى جانب أسواق شمال أفريقيا مثل المغرب وتونس والجزائر التى تفضل المنتجات الإقليمية لقربها من مصر. كما تبرز أسواق شرق ووسط أفريقيا، مثل جنوب أفريقيا وإثيوبيا، حيث المدن الكبرى التى تحتاج إلى حلول نقل نظيفة، فضلاً عن السوق الأوروبية الضخمة التي تُعد هدفاً مهماً، وإن كانت تتطلب التزاماً صارماً بالمعايير البيئية والجودة. ويقدَّر معدل النمو السنوى فى المنطقة بنحو 30-35% حتى عام 2030. ويرى قطب أن تعزيز القدرة التنافسية فى التصدير يتطلب الاستفادة من انخفاض تكلفة الإنتاج وتوافر العمالة المدربة، إلى جانب الموقع الجغرافى الذى يمنح مصر قرباً لوجستياً من أفريقيا وأوروبا. أما أبرز التحديات التى تواجه صادرات النقل الكهربائية المصرية، فيحددها قطب فى أربعة محاور رئيسية: الحاجة إلى استثمارات ضخمة فى خطوط الإنتاج والبطاريات، محدودية البنية التحتية للشحن داخل مصر وبعض أسواق أفريقيا، صرامة المعايير الدولية خاصة فى الاتحاد الأوروبى فيما يتعلق بجواز البطارية واختبارات السلامة، وأخيراً الاعتماد الكبير على الصين فى توريد البطاريات والمكونات الإلكترونية. ويؤكد قطب فى ختام رؤيته أن نجاح مصر في تصدير وسائل النقل الكهربائية سيعزز مكانتها كمركز إقليمي للتجميع والتوزيع، بما يجذب استثمارات أجنبية مباشرة وشراكات صناعية، ويحسّن من الميزان التجارى عبر توفير عملة صعبة، فضلاً عن تطوير الخبرات المحلية في مجالات التكنولوجيا والبطاريات. ◄ يونس: التصنيع قاطرة حقيقية للاقتصاد الوطنى لتحقيق الاكتفاء الذاتي بينما يؤكد محمد يونس، رئيس مجلس إدارة شركة مودرن موتورز، أن مصر تشهد جهوداً متواصلة من الحكومة والقطاع الخاص لبناء قاعدة صناعية قوية فى مجال وسائل النقل، خاصة تلك المعتمدة على الطاقة الكهربائية التى تُعد مستقبل الصناعة فى السنوات المقبلة. وأوضح أن الأمر لم يعد مقتصراً على السيارات الكهربائية فقط، بل امتد ليشمل وسائل نقل متنوعة مثل سيارات الركوب الخاصة، والأتوبيسات الكهربائية للنقل العام، والدراجات النارية والسكوترات الكهربائية، وهو ما يعكس اتساع نطاق هذه الصناعة. ويضيف أن مصر مؤهلة لأن تصبح بوابة رئيسية لتصدير وسائل النقل الكهربائية إلى الأسواق الأفريقية، سواء فى شمال القارة أو فى عموم دولها، خصوصاً وسائل النقل الجماعى مثل الأتوبيسات الكهربائية التى تمثل أولوية لاحتياجات هذه الدول خلال العقد المقبل وما بعده، إلى جانب السيارات والمركبات الأخرى. وأكد يونس أن التركيز لا يجب أن يقتصر على صناعة المركبات فقط، بل يجب الاهتمام بالعنصر الأهم وهو البطاريات الكهربائية التى تُعد القلب النابض لهذه الصناعة. وأشار إلى أن نجاح مصر فى جذب استثمارات صينية أو دولية لإنشاء مصنع أو أكثر لإنتاج البطاريات محلياً سيشكل نقطة انطلاق حقيقية لنهضة هذا القطاع، ويمهد لوضع مصر بقوة على خريطة التصدير للأسواق الخارجية. ويوضح يونس أن مصر تواجه تحديات فى مجال توطين صناعة وسائل النقل الكهربائية، أهمها الحاجة إلى توفير حوافز تصنيعية جاذبة للمستثمرين الراغبين فى التصنيع والتصدير. واختتم يونس بالتأكيد على أن التصنيع يمثل قاطرة الاقتصاد الوطنى، سواء لتحقيق الاكتفاء الذاتى أو لدعم الصادرات. وأوضح أن التوجهات الحكومية الحالية تُظهر التزاماً واضحاً بدعم التصنيع المحلى، ولا سيما فى قطاع السيارات، من خلال توفير حوافز مشجعة للمصنعين المحليين والأجانب على حد سواء. ويرى أن هذه الجهود قادرة على منح مصر مكانة متقدمة على خريطة صناعة السيارات العالمية، مع آفاق واعدة لأن تصبح مركزاً إقليمياً للتصدير إلى أفريقيا والدول العربية، على غرار تجربة المغرب التى نجحت خلال سنوات قليلة فى أن تتحول إلى أحد أبرز مصدرى السيارات فى العالم.