بقلم : داليا فهمى تحولت منصات التواصل الاجتماعى خلال الساعات الأخيرة إلى ما يشبه مهرجاناً رقمياً للحضارة المصرية القديمة، بعدما اجتاحت موجة «التحول الفرعونى» تطبيقات الذكاء الاصطناعى، حيث ظهر الآلاف من المصريين والعرب والأجانب وتحديداً المشاهير من نجوم السياسة والفن والرياضة وهم يرتدون الزى الفرعونى فى صور مذهلة أعادت ملوك وملكات الفراعنة إلى الواجهة من جديد.. وبينما رأى البعض أن الظاهرة مجرد موضة عابرة، أكد خبراء الاجتماع أنها ظاهرة ثقافية عميقة تعبّر عن وعى متجدد لدى المصريين بهويتهم، وعن رغبة فى استعادة رموز الماضى بشكل معاصر يتناغم مع روح العصر الرقمي، خصوصاً مع اقتراب افتتاح المتحف المصرى الكبير الذى يُتوقع أن يعيد تسليط الضوء على مجد الحضارة الفرعونية. اقرأ أيضًا | نقيب السياحيين: افتتاح المتحف المصري الكبير رسالة حضارية للعالم متحف مفتوح قالت د. سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن السوشيال ميديا تحولت فعلياً إلى متحف مصرى رقمى مفتوح، يعرض تاريخ مصر العريق عبر ملايين الصور التى أعادت روح الملوك والملكات إلى الحياة. . وأضافت «ما نراه اليوم هو شكل جديد من أشكال الوعى الوطني، حيث يوظف المصريون التكنولوجيا الحديثة للتعبير عن فخرهم بحضارتهم.» وأشارت إلى أن الحماس العالمى لمصر ليس صدفة، فمعظم قادة العالم يحرصون على حضور الفعاليات الثقافية الكبرى مثل افتتاح المتحف المصرى الكبير، وهو ما يعكس مكانة مصر الفريدة بين الأمم. وأضافت «تحويل الرموز التاريخية إلى تريند عالمى يبرز عمق الانتماء والاعتزاز بالحضارة المصرية التى لم ولن تنطفئ جذوتها أبداً.» وأكدت خضر أن هذه الظاهرة تسهم بشكل غير مباشر فى تنشيط السياحة المصرية، إذ تدفع الفضول العالمى للتعرف على الحضارة التى ألهمت البشرية، وقالت: «كل صورة يتحول فيها شاب إلى ملك فرعونى هى فى حد ذاتها دعوة لزيارة مصر، واكتشاف سر الجمال والقوة فى حضارتها القديمة.» وشددت على أن الذكاء الاصطناعى أصبح وسيلة للحفاظ على الهوية وليس طمسها، موضحة أن التفاعل الإيجابى من الشباب يعكس رغبتهم فى الارتباط بالجذور بطريقة عصرية، وتابعت: «المصريون اليوم لا يهربون من ماضيهم بل يعيدون إنتاجه بلغة العصر.» مشروع وطنى ومن جانبها، وصفت د.عزة فتحى، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الظاهرة بأنها ليست مجرد موضة عابرة، بل حالة ثقافية تستحق الدراسة والتخطيط للاستفادة منها.. وقالت إن المصريين لم يعودوا وحدهم فى هذا التريند، فالعرب والأجانب والأطفال حول العالم شاركوا فيه. وأضافت فتحى أن هذه الظاهرة يمكن أن تكون بوابة لإحياء السياحة الثقافية، إذا تم توظيفها إعلامياً وسياحياً بالشكل الصحيح، وأوضحت: «التحول إلى الشخصيات الفرعونية لا يقلل من قيمتها، بل يعزز حضورها فى الوعى الجمعى، ويعيد التذكير بالأخلاق المصرية القديمة التى قامت على احترام الطبيعة ونقاء النيل وتقديس الأسرة.» وأشارت إلى أن المصريين فخورون بتراثهم الذى علم العالم فنون العمارة والرياضيات والطب، قائلة «شكلنا الذهب، قطعنا الحجارة، ودوّنا التاريخ، واليوم نعيده للحياة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.» وشددت على أن التحول الرقمى للرموز الفرعونية يمكن أن يتحول إلى مشروع قومى للهوية، من خلال تنظيم مسابقات ومعارض رقمية عالمية تحت شعار «أنا مصرى فرعوني»، لتشجيع الأجيال الجديدة على الوعى بتاريخها.. وأضافت أن هذه الموجة الرقمية يجب ألا تتوقف عند حدود الصور، بل يمكن أن تمتد إلى الإنتاج السينمائى والألعاب الإلكترونية والمناهج الدراسية، قائلة: «إذا أحسنا توظيف الظاهرة، يمكن أن تتحول إلى أداة ناعمة لتعزيز الانتماء الوطنى وتنشيط السياحة الثقافية فى آن واحد.» وأشارت إلى أن المصريين سجلوا أعلى معدل عالمى فى استخدام خاصية التحول الفرعونى عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ما يعكس وعيًا متزايدًا بالهوية الثقافية والتاريخية، فالمشهد لا يتعلق فقط بالصور الرقمية، بل برسالة رمزية مفادها أن الحضارة المصرية قادرة على التكيف مع أدوات العصر والبقاء حاضرة رغم مرور آلاف السنين.