على الرغم من أن الصناعة السينمائية بدأت بدعم نسوى على يد الرائدة آسيا داغر ومارى كوين فى القرن الماضى، وأبدعت لنا إرثًا فنيًا ضخمًا يمثل ثروة ثقافية وتاريخية واجتماعية مصرية وعربية، فإن الرجال بعد ذلك استحوذوا على الصناعة، ومع الزمن بدأت تتفتح زهرات فى بستان الصناعة الفنية المصرية والعربية، أثبتن وجودهن وقدرتهن على تقديم إنتاج فنى يحترم عقلية المشاهد المصرى والعربى، يعبر عن واقعه وأحلامه وطموحاته وأسراره الدفينة وسط زحام الحياة، منهن المنتجة «باهو بخش»، لها 6 أفلام من أصل 8 أفلام مصرية تشارك فى الدورة ال46 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، كما تشارك بفيلمين فى مسابقة الأفلام القصيرة باهو كشفت لنا كواليس إنتاج الأفلام، ومعايير اختيارها، وصعوبات الصناعة وطموحاتها. المشاركة بستة أفلام دفعة واحدة فى مهرجان القاهرة رقم غير مسبوق لمنتجة عربية... كيف تنظرين إلى هذه التجربة؟ من غير شك، المشاركة فى 6 أفلام لديها ختم الجودة من مهرجان عريق كمهرجان القاهرة هو سبب للفخر بالنسبة لأى منتجة أو شركة إنتاج، لكن بالنسبة لى، الأهم من استهداف أرقام قياسية هو واقع كونى جزءًا من 6 رحلات منفصلة لمبدعين اجتهدوا وتحقق جزءًا من طموحهم. ما سر هذا الحضور الكثيف فى مهرجان القاهرة؟ بصراحة، ما حصل فى مهرجان القاهرة ليس نتيجة صدفة، لكنه أيضًا ليس حسابًا جامدًا بالأرقام، هو مزيج بين التخطيط وهنا تتحتم الإشارة إلى مخرجى الأفلام أنفسهم وشركائنا من المنتجين وبين الإيمان الشخصى بتجارب نراها تستحق أفضل الفرص، كما أننى أرى أن المهرجانات عمومًا هى منصة الانطلاق الطبيعية لأى عمل سينمائى جيد، بالتالى إنجاز الأفلام فى وقت يسمح بتقديمها هو إحدى أولويات أى منتج يريد أن يحظى القائمون على الفيلم بالتقدير والتحفيز الذى يستحقونه وطبعًا مهرجان القاهرة الدولى هو أحد أهم المهرجانات فى العالم العربى ويحظى بمكانة خاصة بين المهرجانات العالمية، فاستهداف عرض الأفلام فيه واجب، فهو بمثابة حيازة الجودة لعرضه عالميًا. فيلم «ضايل عنا عرض» يمثل تعاونًا فلسطينيًا مصريًا ويعرض فى المسابقة الرسمية... ما الذى جذبك إلى هذه التجربة؟ فيلم «ضايل عنا عرض» هو نتيجة مباشرة لرغبة المخرجة المصرية مى سعد فى التضامن مع غزة أثناء العدوان الصهيونى من خلال خبرتها الفنية، فكرتها التى عرضتها علينا فى ريد ستار كانت تصوير «سيرك غزة الحر»، وهم مجموعة من شباب السيرك الشعبى يجوبون مدارس مهدمة فى غزة ليقدموا عروضا بسيطة تصنع البهجة وسط الركام، وكانت المفارقة مؤلمة وملهمة فى آن واحد فى عروض تحت القصف وفرح يولد من تحت الركام، وأرى أن الفيلم يقدم نظرة قريبة على هؤلاء الرجال، أحلامهم وصراعاتهم الداخلية وحياتهم اليومية التى لا تخلو من الأمل رغم كل شىء، وأشعر بالفخر لكونى جزءًا من تجربة كهذه، الفيلم إخراج مشترك، بقرارها، بينها وبين أحمد الدنف لأنه قام بتصوير الفيلم على الأرض أثناء القصف فى العام الماضى، فهو عمل تضامنى مصرى لغزة، وهنا يمكن القول بأننا ندعم مقاومة أهالى غزة بالفن، وهذا الفيلم بمشاركة محمد حفظى وتوزيع فيلم كلينك وأى عائد للفيلم سيكون لمركز «سيرك غزة الحر». «بنات الباشا» و«شكوى» فى مسابقة «آفاق السينما العربية».. ما الذى يوحد بينهما رغم اختلاف المضمون؟ الأفلام ليست مرآة للواقع بقدر ما هى مساحة لإعادة اكتشافه، بهذا المنطق يشترك «بنات الباشا» و«شكوى 731317 « فى كونهما أفلامًا صادقة تدفع المتفرج للفهم والتأمل، فيلم «بنات الباشا» للمخرج محمد جمال العدل وسيناريو محمد عبية يتناول قصص 6 نساء وهو بهذا المعنى فيلم نسوى بالأساس، لكنه يربط الشخصيات بواقع أوسع فى محاولة لطرح أسئلة قد لا يجرؤ الناس أحيانًا على طرحها فى حياتهم اليومية، أما فيلم «شكوى 731317» للسيناريست والمخرج ياسر شفيعى فهو يتناول الحياة اليومية لزوجين انقلبت حياتهم رأسا على عقب، لسبب يبدو بسيطًا لكنه كشف المخفى تحت قشرة الاستقرار، وبهذا يشترك الفيلمان فى التعبيرعن جزء من الواقع، ومن خوف الإنسان، ومن ذاكرته، ومن حلمه بأن يعيش حياة أفضل. تشاركين بفيلمين قصيرين «اللى ما يتسماش» و«آخر المعجزات»... ما الذى يجعلك تراهنين على الأفلام القصيرة رغم ضعف مردودها التجارى؟ أولًا، أرى أن الفيلمين استثنائيان والمشاركة فى إنتاجهما كان صحيحًا بنسبة 100%، فسيناريو «آخر المعجزات» للمخرج عبدالوهاب شوقى مستلهم من قصة المعجزة للأديب الراحل نجيب محفوظ ببراعة، أما سيناريو «اللى ما يتسماش» لأبانوب نبيل يتناول موضوعًا مؤلمًا من زاوية مدهشة.. وأرى أنه كلما توفرت سيناريوهات ناضجة ومدهشة وملفات للمشروعين تعكس تماسك ووعى مخرجيها وبميزانيات منطقية إذا ما تم تقسيمها على الشركاء. ثانيًا، صحيح أن هناك صعوبة فى تسويق الأفلام القصيرة لكنها تظل مساحة ضرورية للتجريب والمغامرة، ومن صالح أى شركة إنتاج أن يزداد ويتضاعف أعداد المبدعين وبهذا المنطق، يصح القول بأن مردود الأفلام القصيرة، على المستوى التجارى، طويل الأجل، كما هو الحال فى الاستثمار فى أبحاث ودراسات لتطوير أى منتج. كيف تتعاملين مع التحدى بين الطموح الفنى والقيود التجارية فى صناعة السينما؟ طبعًا هذه معضلة دائمة، أحد الحلول هو إبرام اتفاقات بشراكات إنتاجية تقلل حجم المغامرة من كل شركة على حدة، أو التقدم بمشاريع الأفلام لمهرجانات أو جهات فنية مانحة بغرض الحصول على منح تطوير سيناريو أو منح التصوير أو منح ما بعد التصوير. أيضًا، تقوم بعض المنصات بتقديم الدعم لمشاريع بعينها وبالأخص الكبيرة منها وتكون شريكة فى الإنتاج. لو أتيح لك إنتاج فيلم عالمى بميزانية مفتوحة، ما القضية التى ستختارينها؟ ولماذا؟ فى حالة وجود ميزانية مفتوحة، أتصور أننى سأعمل على صناعة فيلم تاريخى، ليس بمنطق استرجاع الماضى، لكن لمحاولة فهم الحاضر من خلال التاريخ يحمل قصصًا عن الإنسان، عن السلطة، عن الصراع والحلم والخوف والحب.