قبل أن تُضاء أنوار المتحف المصري الكبير، في حفل افتتاحه العالمي المنتظر، هناك آلاف الأيادي التي لم تُسلّط عليها الكاميرات، ووجوه لم تظهر على المنصات، لكنها كانت وراء كل حجر وقطعة فنية تُبهر العالم اليوم. «مطار سفنكس الدولي».. بوابة مصر الفرعونية إلى العالم هؤلاء هم أبطال الكواليس، "الجنود المجهولون" الذين حوّلوا الصحراء إلى صرح حضاري خالد، من مهندسين وفنيين وعمال وفنانين، جمعهم شغف واحد هو حب مصر، ومن بينهم، يبرز اسم الفنان التشكيلي حسام جمال، أحد بناة هذا الحلم، الذي حكى لنا من قلب المتحف قصته مع المكان الذي أصبح بيته الثاني. - من فنان إلى "جندي ميداني" يقول الفنان حسام جمال بابتسامة فخر ممزوجة بالحنين: "اشتغلت هنا في المتحف خمس سنين، ومع الوقت مبقاش مجرد شغل.. المتحف بقى بيتي، وكل حجر فيه حاسس إنه جزء مني". بدأت رحلة حسام منذ أكثر من خمس سنوات، عندما انضم إلى الفريق الفني المسؤول عن تنفيذ أعمال الرخام ومتابعة أدوات الرفع والتحميل الدقيقة المستخدمة في نقل القطع الأثرية وتثبيتها في مواقعها داخل القاعات الضخمة. كانت مهمته، كما يصفها، مزيجًا بين الفن والدقة الهندسية، بين الانبهار والمسؤولية، "كل قطعة أثرية كانت بتتعامل كأنها كائن حي، بنحسب كل زاوية وكل ميل قبل ما تتحرك. كان في خوف مقدس إن أي غلطة صغيرة ممكن تأذي كنز عمره آلاف السنين". - كواليس العمل.. فخر لا يُنسى لم تكن أيام العمل سهلة، فالمتحف لم يُبنَ في يوم أو شهر، بل بعرق وسهر سنوات طويلة. يتحدث حسام، عن رفاقه من العمال والفنيين قائلاً: "كل واحد مننا كان بيحس إن له دور مهم. محدش كان بيحسب تعب أو ساعات، كنا بنشتغل بروح الفريق، بنضحك وبنغني وبنحلم مع كل حجر بيتحط". كانت الروح السائدة كما يروي هي الفخر والانتماء، حتى في لحظات الإرهاق، كان مشهد التماثيل العملاقة والقطع الأثرية وهي تُعاد للحياة أمام أعينهم كافيًا لأن يُنسي الجميع التعب.. "اللي اشتغل في المتحف ده عمره ما هينساه.. كلنا كنا بنقول لبعض.. إحنا مش بس بنبني متحف، إحنا بنكتب صفحة جديدة في تاريخ مصر". - الفن في قلب المشروع رغم أنه فنان تشكيلي بالأساس، إلا أن حسام جمال لم يتعامل مع العمل الفني داخل المتحف كمجرد ديكور أو تشطيب، بل كرسالة فنية قومية.. يقول: "كنت دايمًا شايف إن كل لون في الحوائط وكل ملمس للرخام بيحكي قصة. المتحف مش مكان للعرض بس... ده روح مصر بتتجسد في تفاصيل الحجر" . ويرى حسام أن المتحف المصري الكبير جمع بين الهندسة والفن والعلم والروح المصرية في توليفة غير مسبوقة، وأن العمل فيه كان بمثابة "مدرسة" لكل من شارك فيها. - وداع البيت الذي صنعوه مع اقتراب لحظة الافتتاح الرسمي، يعيش حسام وزملاؤه مزيجًا من الفخر والحنين، "إحنا فرحانين جدًا إن العالم كله هيشوف اللي بنيناه، بس في نفس الوقت حاسين إننا بنسيب بيتنا، كل ركن في المتحف له ذكرى وموقف وضحكة" . يسترجع حسام لحظات ما قبل الافتتاح قائلاً: "كنا بنقف في البهو العظيم ونبص حوالينا، نقول لبعض: فاكر أول حجر اتحط هنا؟ دلوقتي كله بقى جاهز.. حلم اتحقق بإيدينا" . - أبطال بلا أسماء.. لكن بخلود ربما لن تُذكر أسماء كل من ساهم في بناء المتحف في نشرات الأخبار، لكن بصمتهم باقية للأبد. يقول حسام في ختام حديثه: "وراء كل قطعة أثرية، في عرق عامل وفنان ومهندس اشتغل بإخلاص علشان العالم يشوف جمال مصر. إحنا الجنود المجهولين.. بس فخورين إننا كنا جزء من التاريخ" . بينما تُفتح أبواب المتحف المصري الكبير أمام العالم، تظل الحكاية الحقيقية مختبئة بين جدرانه، حكاية أبطال خلف الكواليس، حملوا الحلم على أكتافهم بصمت، ليُعيدوا للعالم وهج الحضارة المصرية، ويُثبتوا أن مجد الفراعنة لم يكن يومًا ماضيًا.. بل روحًا خالدة تسكن أبناءها حتى اليوم.