ستفتح اليوم أبواب لم تُفتح من قبل داخل المتحف المصري الكبير، حيث وراء الجدران الهادئة، وفي عمق التصميم المهيب، تختبئ أسرار لم يرها أحد بعد، قاعات تحت الأرض، وسفينة فرعونية أُعيد بعثها، وغرفة ذهبية ينتظرها العالم منذ قرن. ورغم التكتم الشديد حول هذه القاعات، إلا أننى كنت محظوظًا بأن أجمع معلومات دقيقة حولها. لم أكن أتخيل أن تحت الطابق الرئيسي للمتحف المصري الكبير تختبئ مغامرة كاملة، عالم لم يره أحد بعد. هناك كل شيء يتبدّل. الإضاءة تخفت، والصمت يتحول إلى همس بعيد، والهواء يحمل رائحة الزمن. كان واضحًا أنني على وشك دخول منطقة لا تشبه أي قاعة أخرى. ◄ اقرأ أيضًا | نجوم الفن يسحرون محبيهم بالزي الفرعوني قبل افتتاح المتحف المصري الكبير | صور ◄ كهف كاهنات حتحور الموسيقى أول ما يطالعك؛ نغمات ناعمة تتسلل من العدم، تحيط بك الأصوات كما لو كنت وسط طقوس مقدسة في معبد قديم. ظلال كاهنات حتحور ترقص على الجدران، وأمامك تظهر رموز الجمال والموسيقى التى كانت تهب الحياة لكل شىء. إنه كهف يفيض بالأنوثة والسحر والقداسة فى آنٍ واحد. ◄ كهف وادي الملوك رهبة تملأ المكان. إضاءة زرقاء باهتة تشق العتمة مثل شروقٍ بطيء داخل المقابر الملكية بالأقصر. على الجدران تظهر نقوش تتحرك تدريجيًا، كأنها تبعث من غفوتها. الزائر هنا لا يشاهد فحسب، بل يُستدعى إلى قلب الأسطورة، يسمع همسات الفراعنة، ويشعر بملوكهم يمرون بجواره فى موكبٍ صامت. ◄ كهف دير المدينة هنا يتحول المشهد اليومى، إلى عالم من ضجيج الأدوات وألوان الطين. ترى الحرفيين الذين بنوا مقابر الملوك رجالًا من لحمٍ ودم، صنعوا الخلود بأيديهم. تعرض الشاشات تفاعلات مذهلة، تريك كيف عاشوا، وكيف تركوا آثارهم فى كل حجر. إنه كهف الإنسان قبل أن يصبح أسطورة. ◄ كهف المدن الغارقة العالم هنا مائى بالكامل. تسير وسط أضواء زرقاء متماوجة تحاكى أعماق البحر، وأمامك أعمدة وتماثيل غارقة تظهر وتختفى كما لو كانت تسبح فى الزمان والماء معًا. كل تفصيلة تدفعك لتسأل نفسك: هل أنا فى متحف؟ أم أغوص حقًا فى تاريخ مغمور ينتظر أن يُستعاد؟ المهندس أندرو وود واكر، أحد المصممين، وصف هذه الكهوف بأنها إعادة تخيّل للمقابر المصرية، لا تكرر الماضى، بل تنطقه بلغة المستقبل. وهو وصف يختصر التجربة تمامًا، فالكهوف ليست عرضًا أثريًا، بل رحلة حسية غامرة بين الحياة والموت والخلود. ◄ القلب الذهبي قاعة توت عنخ آمون مشرقة بالذهب والدهشة. هنا يقف الملك الصغير شامخًا وسط أكثر من خمسة آلاف قطعة تحكى قصته كاملة: طفولته، وملكه، وموته، واكتشافه من جديد. الإضاءة ناعمة، والموسيقى بطيئة، وكل شىء مصمم ليجعلك تشعر بأنك أمام معجزة نجت من الزمن. فى إحدى الزوايا، رأيت صورة هوارد كارتر وهو يرفع المصباح داخل المقبرة عام 1922، وسمعت صوته كأنه يقول: "نعم، أشياء مذهلة". ◄ مراكب خوفو هناك صالة تمتد كأنها أفق لا ينتهى. فى قلب الضوء، تقف مراكب خوفو شامخة بعد أن استعادت مجدها. القاعة الجديدة مصممة لتمنح الزائر الإحساس بأن السفينة مازالت فى رحلتها نحو الأبدية، تبحر بين الزمان والمكان كما أراد ملوك الفراعنة قبل آلاف السنين. الإضاءة تنساب من الأعلى كأشعة فجرٍ أبدى، والهيكل الخشبى الهائل للسفينة يبدو كأنه يتنفس من جديد. كل قطعة خشب فيها تمت إعادة تركيبها بدقة مذهلة، لتبدو السفينة وكأنها تتهيأ للإبحار نحو شمس رع. إنها ليست مجرد قطعة أثرية، بل رمز لعبور الروح من الأرض إلى السماء، معجزة هندسية وروحية فى آنٍ واحد، تجسد عبقرية المصرى القديم فى ترجمة فكرة الخلود إلى خشبٍ ومسمارٍ ورياح.