هناك أحلام تولد من روح الفن وتكبر فى ذاكرة الوطن، وتتحوّل إلى معجزاتٍ على الأرض، أحلام لا تأتى صدفة، بل يصوغها مبدعون يرون ببصيرة الفن ما لا تدركه العيون. هكذا الفنان فاروق حسنى الوزير الذى امتلك خيال شاعر وجرأة قائد، الحالم الذى أراد أن يخلّد روح مصر فى متحفٍ يليق بعظمة حضارتها، فحوّل الفكرة إلى واقع، والمستحيل إلى صرح ينبض بالحياة، وأضحى المتحف المصرى الكبير هدية مصر للإنسانية، وأعظم مشروع حضارى فى القرن الحادى والعشرين. اختار الموقع بعيون الفنان، على مساحة 117 فدانًا، عند مفترق الرؤية بين الأهرامات والسماء، ليكون بوابةً للعالم نحو روح مصر القديمة. وكأنه يرسم لوحةً جديدة للحضارة المصرية. لم ينتظر تمويلًا ولا وعودًا، مضى موقنًا بأن «المشروعات العملاقة تجد من يمولها، أما الصغيرة فلا يلتفت إليها أحد. استقطب 1.5 مليون دولار من الحكومة الإيطالية لتمويل دراسة الجدوى، وأطلق مسابقةً عالمية لاختيار التصميم بعنوان: «متحف فى أهم مكان فى العالم.. يحتاج إلى أعظم معمارى فى العالم «، تقدم لها 2000 مكتب معمارى واستشارى من مختلف الدول، اختارت لجنة اليونسكو والجمعية المعمارية الدولية منها 20 مشروعًا، فاز التصميم الذى اعتمد تصاعدًا رأسيًا تدريجيًا، يرمز إلى الارتقاء نحو الأهرامات، رمز الأبدية، وقاعات العرض فى الطابق العلوى، ليصبح هرم خوفو نفسه جزءًا من معروضات المتحف وأكثرها جذبًا للزائر. بدأ التنفيذ عام 2005، ومعه إنشاء أكبر مركز ترميم فى العالم، مزوّد بأحدث التقنيات والمخازن النموذجية، ليكون المتحف مؤسسةً للعلم والترميم، لا مجرد قاعات لعرض المقتنيات الأثرية. ولأن الدراسات أثبتت أن المتحف قادر على تغطية تكلفته خلال 8 سنوات، منحت اليابان لمصر عام 2006 قرضًا ميسّرًا بقيمة 300 مليون دولار، بفائدة 0.1 %، وفترة سداد تمتد40 عامًا، مع 10 سنوات سماح. لكن المشروع توقّف عام2011 بسبب الظروف التى عاشتها الدولة، فارتفعت التكلفة من 800 مليون دولار إلى 1.6 مليار دولار، حتى جاء اللواء مهندس عاطف مفتاح عام 2016 بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى لو لم يؤازر هذا المشروع إدراكًا لقيمته الحضارية الاستثنائية لما اكتمل حلم كاد يحتضر.. فإنجازات الشعوب سلاسل متصلة لا تنفصل.