منذ فجر التاريخ، وربما قبله، وحلم الخلود يسكن وجدان المصريين، ويحتل جيناتهم. لا جديد.. المصريون يبهرون العالم من جديد؛ فكما شيّد الأجداد الأهرامات التى حارت العقول فى أسرارها وهندستها، يشيّد الأحفاد المتحف المصرى الجديد، الهرم الرابع، ليعلنوا أن عبقرية البناء اختراع مصرى لا يطويه الزمن، وأن هذه العبقرية تتجدد فى كل الأزمنة، وكلما داعب المصريين حلم الخلود. مخطئ من يظن أن المتحف الجديد مجرد معجزة معمارية، بل هو رسالة مصرية للعالم تروى قصة شعب لم يتخل يومًا عن قدرته على صناعة المعجزات، تقول حروفها: إن الشعب الذى صنع أول حضارة فى التاريخ قادر على صناعة المستقبل بما يليق بأمجاد ماضيه. تتجلى عبقرية المصريين فى اختيار موقع المتحف الجديد، حيث يحتضن الأهرامات فى حوار بصرى أخاذ يليق بعظمة الماضى وبهاء الحاضر، لتروى الأهرامات عظمة الحضارة المصرية القديمة، وتروى مائة ألف قطعة أثرية داخل المتحف قصة أبدية الخلود على أرض مصر، وأنها ستظل البقعة التاريخية الأقدس فى العالم. من نقوش الأجداد التى أنطقت الحجر شعرًا يحكى عظمة حضارة لم يخلق مثلها فى التاريخ، إلى عبقرية الأحفاد التى أنطقت الحجر بتقنيات الذكاء الاصطناعى، حيث تتحدث التماثيل وتنطق الجدران وتهمس البرديات بأسرارها بألسنة التقنيات الحديثة يغوص الزائر فى رحلة تفاعلية ساحرة فى أعماق التاريخ، تتحول معها القطع الأثرية إلى رواة يقصون عليه حكايات التاريخ، فى حوار متصل بين عظمة الماضى ونبوغ الحاضر، لتنبض الآثار بالحياة، وتتكلم الحضارة عن قصة أمة لم تعرف طوال تاريخها إلا الخلود. وبينما تنتصب الأهرامات شامخة كشواهد أبدية على عظمة الأجداد الفراعنة وخلود الحضارة المصرية القديمة، ينهض إلى جوارها شاهد جديد على عبقرية الأحفاد، هو المتحف المصرى الكبير، ليؤكد أن الأمة التى علمت الدنيا فن البناء مازالت تمتلك جينات الإبداع والخلود التى لا تفنى، وتعرف كيف تشيد المستقبل بمجد الماضي، وتحول الحجر إلى ذاكرة تنبض بالحياة، والماضى إلى طاقة تصنع الغد. فكما خلد الأجداد تاريخهم فى صخر لا يزول، ها هو الجيل الجديد يخلد روحهم فى صرح ينطق بعبقرية مصر التى لا تشيخ.