تواصل القاهرة لعب دورها التاريخي في إدارة الأزمات الفلسطينية، لتؤكد أنها ليست مجرد وسيط بين طرفين، بل حارس البوابة العربية للقضية الفلسطينية، وضامن التوازن الإقليمى فى زمن تتقاذفه المصالح. فبدعوة من مصر، وبرعاية كريمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي استضافت القاهرة اجتماعًا جديدًا لعدد من الفصائل الفلسطينية، فى إطار استكمال جهود الوساطة «المصرية – القطرية – التركية» الرامية إلى وقف الحرب على غزة ومعالجة تداعياتها الإنسانية والسياسية، ومتابعة تنفيذ بنود قمة شرم الشيخ للسلام التى عُقدت فى أكتوبر 2025. وقد جاء الاجتماع فى توقيت بالغ الحساسية، إذ بحث القادة الفلسطينيون المرحلة الثانية من خطة السلام التى تهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار وإطلاق مسار وطنى شامل، تمهيدًا لاستعادة الوحدة الفلسطينية وحماية المشروع الوطنى. ◄ «الفصائل الفلسطينية»: المرحلة الراهنة تتطلب موقفًا موحدًا ◄ «الخارجية»: اجتماع القاهرة امتداد لقمة السلام من أجل التهدئة والإعمار ◄ سياسيون: مصر فرضت صوت العقل في وجه التطرف الإسرائيلي ليست هذه المرة الأولى التى تُجمع فيها القاهرة الفرقاء الفلسطينيين على مائدة واحدة؛ فمنذ توقيع اتفاق القاهرة عام 2011، ثم جولات الحوار الوطنى فى عامى 2017 و2021، كانت مصر هى الأرض الثابتة التى يُعاد فوقها بناء الجسور المقطوعة. واليوم تؤكد القاهرة التزامها الثابت بإعادة اللحمة الفلسطينية، عبر حوار شامل ضم حركتى فتح وحماس وفصائل منظمة التحرير وفصائل المقاومة، وبحسب الدكتور بدر عبد العاطى وزير الخارجية فإن مصر ماضية فى دورها التاريخى لدعم الشعب الفلسطينى، حيث يُعد اجتماع القاهرة امتدادًا لقمة شرم الشيخ التى أرست أسس المرحلة المقبلة نحو تهدئة شاملة وإعادة إعمار غزة، مضيفًا أن القاهرة تعمل على تحويل وقف إطلاق النار إلى واقع دائم عبر ضمانات أمنية وإنسانية وسياسية، بالتنسيق مع الوسطاء الإقليميين والشركاء الدوليين. ■ جانب من اجتماعات قادة الفصائل الفلسطينية وأعلنت الفصائل الفلسطينية المجتمعة فى القاهرة اتفاقها على سلسلة من النقاط المتعلقة بإدارة قطاع غزة وتثبيت الهدنة، أبرزها تسليم إدارة القطاع إلى لجنة فلسطينية مؤقتة. وأكدت القوى الفلسطينية أن المرحلة الراهنة تتطلب موقفًا وطنيًا موحدًا ورؤية سياسية وطنية تقوم على وحدة الكلمة والمصير ورفض جميع أشكال الضم والتهجير فى قطاع غزة والضفة والقدس، واتفقوا على دعم ومواصلة تنفيذ إجراءات اتفاق وقف إطلاق النار، بما فى ذلك انسحاب قوات الاحتلال من غزة، ورفع الحصار المفروض عليه بشكل كامل، وفتح جميع المعابر، بما فيها معبر رفح، وإدخال جميع الاحتياجات الإنسانية والصحية، وبدء عملية إعمار شاملة تعيد الحياة الطبيعية للقطاع وتنهى معاناة المواطنين، كما وافق المجتمعون على تسليم إدارة غزة إلى لجنة فلسطينية مؤقتة من أبناء القطاع تتشكل من المستقلين «التكنوقراط»، تتولى تسيير شئون الحياة والخدمات الأساسية بالتعاون مع الأشقاء العرب والمؤسسات الدولية، وعلى قاعدة من الشفافية والمساءلة الوطنية، وإنشاء لجنة دولية تشرف على تمويل وتنفيذ إعادة إعمار القطاع، مع التأكيد على وحدة النظام السياسى الفلسطينى والقرار الوطنى المُستقل، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحفظ الأمن والاستقرار فى كافة أرجاء القطاع، مؤكدين أهمية استصدار قرار أممى بشأن القوات الأممية المؤقتة المزمع تشكيلها لمراقبة وقف إطلاق النار. ◄ اقرأ أيضًا | مسؤول فلسطيني: مصر تؤدي دورًا تاريخيًا في دعم القضية ووقف العدوان على غزة ◄ المُستفيد الأول ويرى الدكتور أشرف سنجر خبير السياسات الدولية أن بيان الفصائل الفلسطينية عقب اجتماعهم ومشاوراتهم بالقاهرة يعكس مستوى عاليًا من المسئولية، مشيرًا إلى أن المرحلة الحالية تتطلب تسارع خطوات الفصائل الفلسطينية لتوحيد الموقف السياسى بما يتجاوز الانقسام بين غزة ورام الله، مضيفًا أن رد فعل الفصائل يجب أن يكون أسرع من رد فعل الإسرائيليين، لأن الاحتلال يترصد كل لحظة ضعف أو انقسام فى الصف الفلسطينى، مؤكدًا أن المستفيد الأول من استمرار هذا الانقسام هو الاحتلال الإسرائيلى، ولفت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يواجه مأزقًا داخليًا كبيرًا بعد فشل الحرب فى تحقيق أى مكاسب سياسية أو أمنية، وأن الأسئلة التى يطرحها الإعلام الإسرائيلى تعكس فشل الحكومة الإسرائيلية فى تحقيق أهدافها، وشدد على أن المشروع المصرى هو الطريق الواقعى لتوحيد الفصائل الفلسطينية وإدارة غزة، قائلًا إن مصر لا تسعى إلى دور، بل الدور يأتى إليها بحكم مكانتها وثقلها التاريخى، مؤكدًا أن القاهرة نجحت فى تصويب الرؤية الأمريكية والأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، وإزاحة المخطط التهجيرى من فوق الطاولة، وتغليب صوت العقل والحكمة. ◄ قوة القاهرة وتكمن قوة القاهرة حسبما يرى السفير عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق فى قدرتها على الجمع بين المتناقضات؛ فهى تتحدث مع واشنطن، وتنسق مع الدوحة وأنقرة، وتستقبل الفصائل الفلسطينية فى الوقت نفسه، مُضيفًا أن ما يميز الدبلوماسية المصرية هو أنها تقوم على ثقة جميع الأطراف، فلا أحد يشكك فى نواياها أو مصالحها الخفية، لأن موقفها ثابت منذ 75 عامًا: «دولة فلسطينية مستقلة وحل عادل وشامل»، ولفت إلى أن القاهرة توازن بين متطلبات الأمن القومى المصرى والالتزام التاريخى تجاه القضية الفلسطينية، ولذلك فهى تتعامل مع الملف عبر ثلاثة محاور: «إنسانى، وسياسى، وأمني»، مشددًا على أن الاجتماع الأخير للفصائل يأتى ضمن رؤية مصرية أوسع لإعادة ترتيب البيت الفلسطينى الداخلى، ومنع أى فراغ سياسى قد تستغله قوى خارجية لتفجير المنطقة من جديد. وأضاف أن مصر أدارت معارك إنسانية وسياسية فى آنٍ واحد، إذ كانت الممر الوحيد لإغاثة المدنيين، والمظلة الوحيدة القادرة على جمع المتحاربين حول طاولة واحدة، فمن دون القاهرة ما كان لأى وقف لإطلاق النار أن يصمد، لأن الأطراف الإقليمية الأخرى لا تملك وزنًا سياسيًا ولا رصيدًا أخلاقيًا بحجم مصر، وأكد أن الدور المصرى فى غزة ليس ترفًا دبلوماسيًا، بل ضرورة للأمن القومى المصرى، موضحًا أن استقرار القطاع يعنى استقرار سيناء، وأن القاهرة تتحرك وفق رؤية شاملة تربط بين الأمن الإقليمى والأمن الداخلى. ◄ الأكثر تأثيرًا ومنذ أكتوبر 2023، لم تتوقف القاهرة عن العمل على جميع الجبهات، فهى تدير المعابر وتقدم المساعدات وتستضيف المفاوضات الأمنية وتقود التحركات السياسية الدولية، ما جعلها اللاعب الأكثر تأثيرًا فى معادلة الشرق الأوسط بعد الحرب، وفقًا للدكتور طارق البرديسى خبير العلاقات الدولية الذى يشير إلى أن القاهرة تعيد صياغة دورها الإقليمى باعتبارها بوابة القرار العربى، مُشددًا على أن تحرك مصر فى الملف الفلسطينى يعكس رؤية ناضجة تجمع بين الواقعية السياسية والموقف المبدئى الثابت، فهى تدرك أن استقرار فلسطين جزء من استقرارها الوطنى، منوهًا بأن مصر هى الفاعل الحقيقى فى مسار القضية الفلسطينية، وأن اجتماع الفصائل فى القاهرة ليس سوى محطة على طريق طويل من العمل والمثابرة، فالقاهرة لم تكتفِ بدور الوسيط، بل أصبحت الضامن السياسى والإنسانى والأخلاقى لأى اتفاق قادم، وهى التى تتحمل عبء المساعدات وتكلفة الاستقرار فى آنٍ واحد. وعلى الصعيد الإنسانى، تستمر مصر فى لعب دورها المحورى عبر إدخال المساعدات الغذائية والطبية والوقود رغم التحديات اللوجستية والأمنية، ورغم أن معبر رفح مخصص أساسًا لعبور الأفراد وليس البضائع أو الشحنات الإغاثية، لتعكس هذه الجهود التزام القاهرة الأخلاقى والسياسى تجاه القضية الفلسطينية، وتؤكد مكانتها كدولة عربية قادرة على الموازنة بين المسئولية الإنسانية ومتطلبات الأمن الإقليمي. وهو ما يؤكده الدكتور محمد ربيع الديهى خبير العلاقات الدولية الذى يشدد على أن القاهرة لم تتوقف يومًا عن دعم الشعب الفلسطينى حتى فى أصعب الظروف، وأن الأجهزة المصرية تعمل على مدار الساعة لتسهيل مرور القوافل الإنسانية، متجاوزة التحديات اللوجستية والأمنية المعقدة التى تواجهها. وأشار إلى أن الجهود المصرية المستمرة تعكس التزام الدولة بمسئولياتها القومية والإنسانية، وأن مصر لا تتعامل مع القضية الفلسطينية بمنطق المصالح الضيقة، بل برؤية شاملة تضع معاناة المدنيين فى مقدمة أولوياتها. ◄ نموذج للتوازن كما يؤكد أن استمرار الدعم المصري يعكس مصداقية موقف الدولة تجاه الشعب الفلسطينى، ويبرز دورها كبوابة أمل فى المنطقة، حيث تقدم القاهرة نموذجًا للتوازن بين تقديم الدعم الإنسانى وحماية مصالحها الإقليمية، مُضيفًا أن القاهرة تواصل التنسيق مع المنظمات الدولية لضمان وصول المساعدات لمستحقيها بأمان، مؤكدًا أن هذه الجهود ليست مؤقتة أو عشوائية، بل جزء من سياسة ثابتة تهدف إلى تحقيق الاستقرار الإقليمى وتخفيف معاناة المدنيين، كما لفت إلى أن مصر أثبتت خبرتها الطويلة فى إدارة الأزمات الإنسانية، إذ يمكنها التعامل مع أصعب الظروف بشكل منظم وفعال، ما يجعل دورها فى غزة فريدًا على المستويين الإقليمى والدولى. وأوضح أن دعم مصر لغزة يعكس التزامها العميق بالقيم الإنسانية والأخلاقية، ويضعها في مصاف الدول التى تجمع بين الحكمة السياسية والإنسانية فى آنٍ واحد، مؤكدًا أن القاهرة ستستمر فى لعب دورها الإنسانى والسياسى حتى تحقيق الأمن والاستقرار الكامل فى القطاع، بما يعكس مكانتها المتميزة على الساحة العربية والدولية، ولفت إلى أن القاهرة قدّمت ما يزيد على 70% من إجمالى المساعدات التى دخلت غزة منذ أكتوبر 2023، كما تتحمل العبء الأكبر في تنسيق عمليات الإغاثة بالتعاون مع الهلال الأحمر المصرى والأمم المتحدة، وقد شملت المساعدات مواد غذائية وطبية ووقودًا ومياهًا، إلى جانب استقبال آلاف الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات المصرية وتوفير الإقامة والرعاية الكاملة لهم، لافتًا إلى أن القاهرة تتعامل مع الملف الإنسانى باعتباره واجبًا قوميًا وأخلاقيًا قبل أن يكون التزامًا سياسيًا.