كشف تقرير تحليلي واسع نقاشًا متزايدًا داخل الأوساط العسكرية والاستراتيجية حول مدى قدرة الولاياتالمتحدة على الانخراط في حرب واسعة النطاق مع الصين، خصوصًا في حال تصاعد الصراع حول تايوان. وحول هذا الجدل تتقاطع ثلاثة محاور رئيسية، وهم: «أسلوب الحرب الذي تفضله القيادة الأمريكية (الضربات الدقيقة الواسعة والشنّ الموجّه على أنظمة القيادة والاتصالات)، وهشاشة الإمدادات والذخائر الأساسية لسلاح الجو والبحرية لدى واشنطن في سيناريو استنزافي طويل، ومخاطرُ التصعيد — بما في ذلك خيار بكين استخدام أسلحة نووية تكتيكية أو استعراضية — كرد فعل على هجمات تُستهدف منشآتها الصاروخية. وأفاد مخططون عسكريون وخبراء استراتيجيون أن الجمع بين الهجوم التكنولوجي المتقدم من جهة، وضعف الترسانة النووية النسبية للصين مقارنة بالولاياتالمتحدة من جهة أخرى، يخلق ما وصفه بعضهم ب«معضلة مستحيلة»: خطة أمريكية تبدو ناجحة على الورق قد تفتح باب تصعيد نووي غير مرغوب فيه، بحسب مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية. وأكدت التقارير المستندة إلى محاكاة حربية، أن سيناريوهات النصر السريع قد تتحول إلى كابوس لوجستي وإنساني إذا تحولت المواجهة إلى حرب استنزاف تقليدية أو — الأسوأ — إلى مواجهة نووية محدودة. اقرأ أيضًا| فيديو| كل ما تحتاج معرفته عن جولة ترامب الآسيوية.. «صفقات وتحالفات ورسائل» مخطط القتال الأمريكي.. ضربات دقيقة وفرضية النصر السريع أفاد محللون عسكريون أن نسخة مخططة من المواجهة الأمريكيةالصينية تفترض بدايةً ضربات دقيقة بعيدة المدى تستهدف السفن، ومراكز القيادة، والمراكز اللوجستية الصينية. وفي هذه الفرضية، يُستخدم عشرات آلاف الذخائر الموجّهة لاستهداف آلاف المواقع في موجات افتتاحية واسعة، مع هجمات إلكترونية تقطع شبكات القيادة الصينية وتشلّ قدرات الاتصالات. ويصوّر هذا السيناريو «انتصارًا سريعًا» ظاهريًا وتقليلًا في الخسائر البشرية الأمريكية، لكن الخبراء يُحذرون من أنه يبقى نموذجًا افتراضيًا قائمًا على قدرات تكنولوجية لا تضمن منع ردود فعلٍ خطيرة من الطرف الآخر. مخاطر التصعيد النووي.. لماذا قد يتحوّل السيناريو إلى كارثة؟ أفاد خبراء نوويون واستراتيجيون أن المشكلة الجوهرية ليست في عقيدة الصين النووية، لكن في تداخل الأهداف العسكرية التقليدية والقدرات النووية. فالصين، رغم نمو ترسانتها النووية بوتيرة سريعة، لا تزال تُقدّر ترسانتها الفعّالة أضعف بكثير من الترسانة الأمريكية؛ حيث أشارت تقديرات عام 2024، إلى نحو 600 رأس حربي صيني مقابل نحو 3,700 رأسًا أمريكيًا مُقدّرًا. وهذا الفارق — إلى جانب وجود منصات صاروخية صينية مزدوجة القدرات (تسوّغ برؤوس تقليدية أو نووية) — يجعل القيادة الصينية أكثر ميلاً لاستخدام خيار نووي استباقي أو استعراضي إذا رأت أن وجود رادعها النووي مُعرَّض للانهيار. عامل الغموض.. وخطر التفسير الخاطئ أفاد محللون أن أنظمة مثل صاروخ DF-26 تُعد نقطة تشابك حرجة، لأنها مصممة لإطلاق رؤوس تقليدية أو نووية وغالبًا ما تُنشَر في قواعد تستخدم لإطلاق كل من الضربات التقليدية والنقدية. وإذا استهدفت القوات الأمريكية مواقع إطلاق هذه الصواريخ لمنع هجمات تقليدية، قد تفسّر بكين ذلك كضربات تستهدف رادعها النووي، مما قد يدفعها إلى ردٍ نووي محدود أو استعراضي — وهو سيناريو يُعدّ أخطر نقاط الفشل في خطط الحرب التقليدية. قيود الموارد والواقع اللوجستي.. لعبٌ في ورق ضعيف أفاد ضباط ومختصون أن ألعاب الحرب الأخيرة أظهرت محدودية خطيرة في مخزون الولاياتالمتحدة من الذخائر الحرجة، وهي توقعات أثبتت أن مخزون صواريخ الضربة البحرية قد يُستهلك خلال ثلاثة أيام فقط، ومخزون أسلحة الهجوم البري عن بُعد خلال 10–14 يومًا. ورغم تقارير عن ضغوط عاجلة من البنتاجون لرفع إنتاج الذخائر (مضاعفة أو حتى أربعة أضعاف لبعض الأنواع الحيوية)، فإن هذه التحركات لا تعالج فورًا مشكلة احتمال تحول الحرب إلى استنزاف طويل، حيث يتطلب الصراع الصناعي والزمني واللوجستي قدرة تصنيع وطاقة إنتاجية لم تُبنى بعد على مستوى يكفي لصراع ممتد. لماذا التفوق التكنولوجي لا يكفي؟ أفاد مؤرخون ومحللون أن أمثلة من ميدان المعارك تُظهر أن فقدان قيادات أو أنظمة اتصال لا يضمن زوال قدرة القتال عند الخصم. والاستشهاد بنماذج معاصرة — مثل استمرار قوات ما رغم خسارة عدد من قادتها في أزمات مسلحة — يبيّن أن الحشود والتنظيم والقدرة على مواصلة العمليات يمكن أن تستمر حتى في ظل ضغوط قصفية مكثفة، مما يحول أي سيناريو سعيًا للانتصار السريع إلى حرب أطول وأكثر دموية. اقرأ أيضًا| أهداف ملتبسة.. 3 أسئلة تكشف غموض «حرب ترامب ضد قوارب المخدرات» في الكاريبي امتداد المخاطر إلى حلفاء الناتو.. انعكاسات استراتيجية واسعة كشف تقارير عن ورش عمل شارك فيها مخططون من حلف الناتو وكبار ضباط ألمان أن فجوةً مقلقةً قائمة بين الخطط الحربية الموضوعة ومستوى فهم صانعي القرار المدني في بعض العواصم. ويشير ذلك إلى أن آليات التصعيد المدمجة في المفاهيم العملياتية الأمريكية قد لا تكون مفهومة جيدًا حتى داخل الحلفاء، ما يزيد مخاطر اتخاذ قرارات خاطئة في أوقات الأزمات. جدل الاستراتيجيين.. «الردع مقابل المخاطرة» أفاد استراتيجيون نوويون أنّ تبنّي تكتيكات جريئة تحت شعار الردع هو سياسة يقبل عليها البعض، معتبرين أن مجرد احتمال التصعيد النووي لا يجب أن يمنع الولاياتالمتحدة من الدفاع عن حليف أو موقف جيوسياسي. وفي المقابل، يرى آخرون أن عدم تحديد واضح للأهداف النهائية ومستوى التضحيات المقبولة سيجعل أي قرار بالخوض في صراعٍ من هذا النوع بمثابة مقامرة قد تكلف الولاياتالمتحدة وحلفاءها ثمناً باهظًا للغاية. مقترح بديل.. «نهج الاستنزاف الذكي» وآليات تطبيقه أفاد خبراء أن بديلًا عمليًا هو ما وُصف ب«الاستنزاف الذكي»؛ استراتيجية تكيّف أدوات الردع والمنع مع التركيز على منع اجتياح شامل دون تنفيذ ضربات واسعة النطاق على أصول القيادة والتحكم التي يمكن أن تُفسر كتهديد لردع نووي. وتبنى هذا النهج الأولويات التالية: توسيع القدرة الصناعية للأسلحة الملائمة للحرب القريبة والمتوسطة (طوربيدات، أنظمة مسيّرة قصيرة ومتوسطة المدى، دفاعات جوية وصاروخية مُوزعة)، والحفاظ على الضربات العميقة لتشكيل ساحة المعركة بدلاً من الاعتماد عليها كطريق مباشر للحسم. الحاجات السياسية والاجتماعية.. لماذا المسألة ليست عسكرية فقط؟ كشف أمنيون ومحللون أن تبني نهج طويل الأجل يتطلب إجماعًا سياسيًا واجتماعيًا — وهو ما يفتقده المشهد الأمريكي حاليًا. إذ لا يزال السؤالُ الأساس قائمًا، ألا وهو: «ما هي التضحيات التي يقبلها المجتمع الأمريكي للحفاظ على استقلال تايوان؟». وأشار محللون إلى أن الإجابة على هذا السؤال يجب أن تُسبق بحوار وطني صادق حول الأهداف والبدائل والتكاليف. كما أفاد مختصون بأن أي سياسة عسكرية تجاه تايوان أو مواجهة محتملة مع الصين لا يمكن أن تُبنى على أوهام التفوّق التكنولوجي وحده. وأن الانتقال من مناقشات التخطيط إلى بناء قدرة صناعية لوجستية واستراتيجية يتطلب قرارًا سياسيا واضحًا، ووعيا مجتمعيا بتكاليف الصراع، وتبني مفاهيم عملياتية تقلّل من مخاطر التصعيد النووي. وفي غياب هذا الحوار الوطني والإجماع السياسي، تبقى فرضيات «النصر السريع» أكثر عرضة لأن تتحول إلى كوابيسٍ عملية على أرض الواقع...