بخطوات صعبة، محسوبة، شاقة، يتقدم الاتفاق الخاص بوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وتحديدًا المرحلة الثانية منه، يواجه هذا التقدم مجموعة من العقبات السياسية، الاقتصادية، والأمنية التى قد تؤثر بشكل حاسم على مسار التهدئة فى غزة. اتفاقات سابقة فى المنطقة أوحت بوجود إمكانية للسلام، ولكن التحديات التى تُطرح اليوم تُثير العديد من التساؤلات حول كيفية العمل لإنجاح هذه المرحلة، بما فى ذلك المواقف المتناقضة بين الأطراف، وتحديات تطبيق الوعود المقدمة، والرهان الكبير الذى تُوليه جميع الأطراف على الوسطاء وشركاء السلام، فى ظل جهود مضنية تقوم بها مصر لتوحيد الموقف والرؤية الفلسطينية ودفع الجانب الإسرائيلى للالتزام بالبنود التى سبق ووافق عليها، من خلال لقاءات مباشرة وعمل مكثّف تُسارع فيه القاهرة الخطى لإزاحة ألغام تُهدد بتفجير الموقف، ووسط عيون تترقب وآمال معلّقة على تلك الجهود. أولًا: المواقف الإسرائيلية بقيادة نتنياهو أحد أبرز ما يُعرقل هذه المرحلة هو مواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ففى حين رحَّبت حكومته بالوقف الأول لإطلاق النار، إلا أن هناك تصريحات صادرة عن الحكومة الإسرائيلية تُشير إلى نية الاستمرار فى سياسات تمسّ جوهر الاتفاق؛ من بين هذه السياسات، مسألة ضم الضفة الغربية والذى قُوبل بتهديد ترامب بقطع المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية عن إسرائيل فى حالة تنفيذ هذا الضم ما يضع نتنياهو فى مأزق داخلى وخارجي. ترامب لم يُخفِ توجّهاته العلنية بشأن هذا الموضوع، حيث كان تهديده واضحًا: «إذا ضمَّت إسرائيل أجزاءً من الضفة الغربية، فإن ذلك سيكون بمثابة طعنة فى اتفاقات السلام المأمولة، وسيتسبّب فى تجميد التعاون مع إسرائيل».. وهذا يفتح مجالًا للتساؤل حول ما إذا كان نتنياهو سيظل متمسكًا بالضغوط التى تُمارس عليه فى الداخل الإسرائيلى من أجل المضى قدمًا فى الضم، فى حين أنه يعلم أن مثل هذه الخطوات قد تضر بموقف إسرائيل على الساحة الدولية. ثانيًا: التصريحات الأمريكية وتهديدات ترامب من جانب آخر، تكمن نقطة التحوُّل الحقيقية فى تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، التى أدلى بها فى شرم الشيخ، حينما قال إن إسرائيل لن تحصل على دعم عسكرى أو اقتصادى أمريكى إذا مضت قدمًا فى ضم الضفة الغربية، فهو بذلك يفتح جبهة جديدة من التأثير السياسى على إسرائيل، ولكن فى نفس الوقت، يخلق نوعًا من الضغط الكبير على حماس والفصائل الفلسطينية للاستجابة لضغوط الهدنة التى يفرضها الطرف الأمريكي. ترامب كان صريحًا فى تعبيره عن أهمية الحفاظ على الهدوء السياسى والأمنى فى المنطقة إذا أرادت إسرائيل أن تُحافظ على دعم الولاياتالمتحدة، وهذه النقطة مهمة جدًا لعدة أسباب؛ أولًا لأنها تجعل المواقف الإسرائيلية تتعرّض لضغط مزدوج: إسرائيل تُواجه تحديًا داخليًا من اليمين المتشدد، وفى ذات الوقت تُواجه تهديدًا خارجيًا من الولاياتالمتحدة. لكن فى الجهة المقابلة، هذا التصريح يفتح الباب أيضًا للحديث عن الخيارات الفلسطينية، حيث إن هذا التهديد قد يُعزِّز من موقف حماس داخل غزة ضد مطالبات القوى الدولية بقبول الهدنة دون شروط واضحة. ثالثًا: الدور العربى فى الأزمة فى حين أن العديد من الدول العربية قد أعلنت دعمها للهدنة، إلا أن هناك تباينات داخل العالم العربى بشأن الخطوات التى يجب أن تُتخذ فى المرحلة المقبلة أظهرت الدول العربية تمسكًا بالحقوق الفلسطينية، لكن هناك شعور بأن البعض الأنظمة قد تكون لديه رغبة فى رؤية «نهاية» حماس كقوة مهيمنة فى غزة، بل إن بعض الدول قد تكون مستعدة لدفع جزء من هذا الاتفاق على حساب التغيُّرات السياسية الفلسطينية الداخلية. ومع تزايد الدور المصرى فى عملية الوساطة، يُعوّل الجميع على القيادة المصرية فى حلحلة الموقف ما يمنح القاهرة مساحتها للعمل وللتأثير فى ظل هذا الترقب والمسئولية بناءً على ما تحقَّق بالفعل فى التهدئة ووقف إطلاق النار، وهو ما قد يُساعد على التوصُّل إلى هدنة أكثر استدامةً ولكن فى الوقت ذاته، هناك تحديات متزايدة تتعلّق بالتنوع السياسى داخل حماس، والانقسامات فى صفوف الفصائل الفلسطينية، والتى تجعل تطبيق أى اتفاق على أرض الواقع أمرًا معقدًا. رابعًا: التحديات الإنسانية والاقتصادية فى غزة فيما يخص الوضع على الأرض، فهناك تحديات اقتصادية وإنسانية ضخمة، فغزة، بعد سنوات من الحروب المتكررة، تُعانى من تدمير كبير فى البنية التحتية، بما فى ذلك المستشفيات والمدارس والبنية الاقتصادية، ورغم محاولات الإغاثة الدولية، إلا أن عملية إعادة الإعمار تظل مشروطة بنجاح الهدنة، وهو ما يعنى أن الآمال فى تحسن الوضع الإنسانى تعتمد بشكل كبير على تعهدات السلام التى قد تُنفَّذ جزئيًا فقط. على الرغم من الجهود الكبيرة من قِبل مصر والأممالمتحدة، فإن قطاع غزة يظل فى وضع هش، مما يُعرقل تنفيذ أيٍّ من بنود إعادة البناء، إلا إذا كانت هناك ضمانات أمنية قوية. الحلول الممكنة لتخطى المرحلة الصعبة إلى أن يتم الوصول إلى حلول مستدامة، تظل المواقف الدولية تتأرجح بين التهدئة والحلول المؤقتة، لكن هناك خطوات يمكن اتخاذها لتخطى هذه المرحلة الصعبة: تعزيز الضمانات الدولية: يجب أن يتم تفعيل دور الأممالمتحدة بشكل أكثر فعالية لضمان تنفيذ الهدنة. دور عربى أكبر فى الوساطة: يجب أن يكون هناك وسيط عربى قوي، مع ضمانات قوية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. تحقيق وحدة فلسطينية: ضرورة توحيد الموقف الفلسطيني، وتشكيل رؤية واحدة لمرحلة ما بعد الهدنة، مع ضمان حقوق الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة. تحقيق التنمية المستدامة فى غزة: فتح قنوات اقتصادية مضمونة للمساعدة فى إعادة بناء قطاع غزة على أرض الواقع. المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة تبقى فى مفترق طرق التحديات السياسية، بما فى ذلك المواقف الإسرائيلية والأمريكية، بالإضافة إلى العراقيل الإنسانية فى غزة، تجعل من التنفيذ الكامل للاتفاق أمرًا غير مضمون بعد، ولكن بتضافر الجهود الإقليمية والدولية، قد يكون هناك فرصة حقيقية للوصول إلى حل مستدام يُعيد الأمل لشعب غزة ويدفع بالمنطقة نحو مستقبل أكثر استقرارًا.