«غسل الأموال» مصطلح يطلق على إعادة الاستثمار فى المال المكتسب بطريقة غير مشروعة ومحرمة فى الإسلام، ويختلف حكمه الشرعى فى أن الأصول المكتسبة من مصادر غير مشروعة هى أموال محرمة حتى بعد غسلها، ثم يقوم على التحايل والتلاعب لإضفاء الشرعية، مما يُعد اعتداءً على المال والأوطان وقد برز مؤخرا تورّط بعض المؤثرين على منصة «تيك توك» فى جرائم غسل أموال ملوّثة، مستخرجة من مصادر محرّمة.. وعن ذلك يقول د. محمود مهنى عضو هيئة كبار العلماء: إن الإسلام أولى المال مكانة عظيمة، وشدّد على ضرورة تحصيله من الطرق المشروعة، فحرّم الكسب الخبيث، وأباح من المعاملات ما فيه نفع وبُعد عن الظلم والغرر، كالبيع، والمرابحة، والمضاربة، والإجارة، والهبة، وسائر صور الكسب الحلال، فضلاً عن ما يَرِد من طريق الإرث، وقد حفّز الشرع على العمل والسعي، فقال تعالى: ﴿وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ وقال النبى : «إن خير ما أكل ابن آدم من عمل يده، وإن نبى الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده».. اقرأ أيضًا| الداخلية تضبط 5 عناصر جنائية غسلوا 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات ومع ما قرّره الإسلام من مشروعية السعى لتحصيل المال واستثماره بالطرق الحلال، فقد شدّد فى المقابل على تحريم كل وسيلة محرّمة لكسبه، كالسرقة، والربا، والغصب، والرشوة، والتزوير، وسائر الوسائل التى تندرج تحت باب أكل أموال الناس بالباطل، وهو مما نهى الله تعالى عنه صراحةً فى قوله: ﴿ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل﴾، فالشريعة الإسلامية توازن بين فتح أبواب الكسب الحلال، وسدّ ذرائع الفساد المالي، حمايةً للحقوق، وصيانةً للعدالة، وتطهيرًا لحركة المال فى المجتمع من الظلم والاعتداء، وفى زماننا المعاصر، برزت على الساحة الإعلامية، وبالأخص عبر منصات التواصل الاجتماعي، قضية قديمة فى حقيقتها، متجددة فى مظهرها، أثارت الرأى العام المصري، وهى تورّط بعض المؤثرين على منصة «تيك توك» فى جرائم غسل أموال ملوّثة، مستخرجة من مصادر محرّمة، وهى صورة من صور التزييف المالي، التى يُجمَّل فيها القبح، ويُشرعن فيها الباطل بلباس «المحتوى» و«الترند»، وهى لا تقل خطورة عن الجرائم الصريحة، بل تزيد إذ تخدع الجمهور وتؤثر فى الأجيال الناشئة، ورغم أن جريمة غسل الأموال ليست جديدة على ذاكرة المجتمع. إلا أن عودتها اليوم بثوب جديد عبر منصات التواصل الاجتماعي، وظهورها على أيدى من يُسمّون ب«المؤثرين»، يجعلها أشد خطرًا وأوسع تأثيرًا، فهؤلاء المؤثرون، الذين لا تمت صورتهم المصطنعة بصلة إلى قيم المجتمع المصرى ولا إلى عاداته وتقاليده، قد اتخذوا من مظهرهم المزيّف وسيلة لجذب داعمين يمطرونهم بمبالغ طائلة تُودَع فى حساباتهم، بينما تحتفظ منصة «تيك توك» بنسبة من هذه الأموال، فى إطار ما يبدو كدعم للمحتوى، أما «تيك توك». فقد جعل من منصته غسّالة تُطهّر المال الملوّث، فيأخذ منه نصيبًا، ثم يُدخل الباقى فى أنشطة ظاهرها مشروعة، كشراء السيارات أو العقارات، فيتحول المال إلى أداة استثمار تبدو قانونية، والأخطر أن ما يتبقى من هذه الأموال يُعاد إلى الداعمين أنفسهم، عبر تحويلات بنكية رسمية، فيأخذ المال صفة المشروعية، بعدما خرج من رحم التجارة المحرّمة، سواء فى السلاح أو المخدرات، وبهذا يتحوّل المال الحرام إلى مال نظيف فى نظر القانون، وتُفتح له الأبواب ليُستثمر، ويُقدَّم أمام المجتمع باعتباره دعمًا لمحتوى رقمي، فى حين أن كثيرًا من هذا المحتوى تافه، مبتذل، بل قد يكون صادمًا للدين والأخلاق، داعيًا للمنكر، ظاهرًا وباطنًا، لفظًا وصورة. اقرأ أيضًا| تفاصيل جريمة غسل أموال ب15 مليون جنيه وحذر عضو هيئة كبار العلماء من أن الهدف الخفى لا يبدو ظاهرًا لأغلب مستخدمى منصة «تيك توك» من المتابعين، إذ لا يرون إلا مظاهر الثراء الفاحش التى تطفو على سطح حياة هؤلاء المؤثرين فى غمضة عين، وفى غمرة الانبهار، يغيب عن أذهان الشباب مصدر هذا المال، ويظل السؤال فى وجدانهم: ما جدوى التعليم والتعب والسهر للحصول على شهادة جامعية، إن كان فى الإمكان جنى آلاف الجنيهات، وربما الملايين، من مقطع راقص أو محتوى هابط؟ وهنا تكمن الخطورة، حين يُقارن الشاب بين سنين الدراسة الطويلة وعائدها المحدود، وبين التحول المفاجئ لأحد المؤثرين من إنسان عادى إلى ما يشبه رجل أعمال يفوق بثرائه من أفنوا أعمارهم فى العمل والاستثمار، فإن الميزان يختلّ، والقيم تهتز، وقد ابتُلِى هؤلاء، لا بالمال فحسب، بل بكشف سترهم؛ فلم يُخفوا ثراءهم، ولم يستتروا بما اقترفوه، بل جعلوا من مظاهر الغنى الفاحش أداةً للفت الأنظار، ورسالةً غير مباشرة تُغرى الشباب بأن يسلكوا ذات الطريق، وأن يلهثوا خلف السراب ذاته، إننا نُناشد قوة الدولة، وضمير المشرّع، أن يتصدّوا لهذه الظاهرة المدمّرة، بسنّ قوانين رادعة، تُغلق الأبواب فى وجوه هؤلاء العابثين. اقرأ أيضًا| الحكم ببراءة رجل الأعمال حسن راتب في قضية غسيل الأموال وأكد د. نورالدين الشحات من علماء وزارة الأوقاف أن الإسلام يحرم كل كسب بطريق غير مشروع فدعا الإسلام إلى تحرى الحلال الطيب فى المأكل والمشرب والملبس والصدقة فقال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا الِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» وقال صلى الله عليه وسلم «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا»، فدعانا الإسلام إلى الحلال الطيب بعيدًا عن الحرام الخبيث ومما شاع ويتعلق بموضوع المال الحرام والمكتسب بطريق غير مشروع ويطلق عليه غسل الأموال أو غسل وتبييض الأموال القذرة والأموال التى تخضع لعمليات الغسل وهى التى تنشأ عن الجرائم كالسرقة والرشوة والتزوير والدعارة والمخدرات والاعتداء على ممتلكات الغير بالسطو والنهب، كل هذه الوسائل المحرمة لا يقرها الإسلام، مخطئ وواهم صاحب الغسل فكأن هذا المال الذى حصل عليه صاحبه من مصدر غير مشروع إذا أدخل فى عمل يقره القانون تحول من مال حرام قذر إلى مال حلال نظيف كالثوب المتسخ إذا وضع فى الماء أصبح نظيفًا، وأضاف أن غسل المال الحرام بهذا المعنى يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية، فالإسلام يحرم كل كسب عن طريق محرم ولذلك فإن كان المال مسروقًا أو مغتصبًا يجب رده إلى صاحبه أو ورثته وإن لم يعرف صاحبه يتصدق بهذا المال عنه.