بين جدران منزله في محافظة سوهاج، جلس الدكتور أحمد عيد رضوان تحيط به أسرته، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة يختلط فيها الفخر بالتأمل، وهو يستعيد رحلته من صعيد مصر إلى قوائم العلماء الأكثر تأثيرًا في العالم.. وأدرج تصنيف جامعة ستانفورد الأمريكية في عام 2025، وللعام الرابع على التوالي، د. رضوان ضمن قائمة أفضل 2% من العلماء الأكثر تأثيرًا عالميًا، محتلًا المرتبة 19 فى مجال الجيولوجيا وعلوم الأرض، فى إنجاز يُضاف إلى سجل طويل من النجاحات العلمية. ◄ نمتلك كنوزًا بترولية غير مُكتشفة تنتظر التقنيات الحديثة ◄ الطريق لم يكن سهلًا.. لكنه يستحق كل لحظة تعب وسهر يقول بابتسامة يغلبها التواضع: «ما وصلت إليه هو أولًا بفضل الله، ثم ثمرة عمل متواصل لسنواتٍ طويلة، فالطريق لم يكن سهلًا، لكنه كان يستحق كل لحظة تعب وسهر». ◄ بداية من سوهاج.. وشغف لم ينطفئ تخرج رضوان في كلية العلوم بجامعة سوهاج عام 2006، والتحق بالعمل فى شركة بترول خليج السويس (جابكو)، حيث بدأ شغفه بعالم الجيولوجيا البترولية. حصل على الماجستير عام 2014، ثم الدكتوراة عام 2018 في الجيوفيزياء. وفي 2019 نال منحة ما بعد الدكتوراة من جامعة إنسبروك النمساوية، ثم التحق بجامعة ياجيلونيان البولندية، أعرق جامعات أوروبا، حيث يعمل حاليًا أستاذًا مشاركًا بمعهد العلوم الجيولوجية.. يقول وهو يضع يده على صدره: «ما كنت لأصل إلى هذه المكانة لولا دعم أسرتى وأساتذتى وأصدقائي، فهم شركائى الحقيقيون فى كل خطوة.» ◄ إنتاج علمي غزير وتأثير عالمي نشر الدكتور رضوان أكثر من 160 ورقة بحثية فى مجلاتٍ علمية كبرى مثل: نيتشر والسفير، وحرر خمسة كتب دولية وشارك بتأليف خمسة فصول علمية كمؤلف رئيسى، إلى جانب 30 بحثًا عُرضت فى مؤتمراتٍ عالمية. كما ألقى محاضرات فى جامعات مرموقة منها: جامعة مانيتوبا الكندية وجامعة البترول الصينية فى بكين. ويقول بابتسامة هادئة: «العمل البحثى ليس أرقامًا، بل رسالة نؤديها لخدمة العلم والإنسان.» نال الدكتور رضوان جائزة العالم الشاب المتميز لعام 2025 من وزير التعليم العالى والعلوم البولندى، إلى جانب جوائز أخرى أبرزها: جائزة الاتحاد الدولى للعلوم الجيولوجية، وجوائز جامعة ياجيلونيان للأبحاث والتميز العلمى (2022–2025)، ومنحة أولام من الوكالة الوطنية البولندية، ومنحة إرنست ماخ من وزارة التعليم النمساوية. وشارك فى أكثر من 20 مشروعًا بحثيًا دوليًا فى مجال الجيولوجيا التطبيقية واستكشاف النفط والغاز. ◄ من الميدان إلى المختبر يفتخر الدكتور رضوان بسنوات عمله فى قطاع البترول المصرى، ويعتبرها أساس انطلاقته الأكاديمية العالمية. ومن أبرز إنجازاته: اكتشاف وحدات جيولوجية جديدة عُرفت باسم «تكوين رضوان»، نُشرت تفاصيلها فى مجلة «مارين آند بتروليوم جيولُوجى» العالمية. ويقع التكوين فى خليج السويس ويضم صخورًا مكمنية قادرة على تخزين ونقل النفط والغاز، مما يجعله مكونًا أساسيًا فى النظام البترولى المصري. وعن رؤيته لمستقبل الطاقة فى مصر، يقول الدكتور رضوان بثقة: «مصر من الدول الواعدة فى مجال النفط والغاز، وتمتلك إمكاناتٍ هائلة فى الطاقة التقليدية والمتجددة.» ويضيف: الصراع العالمى على الطاقة لم يعد مقتصراً على النفط، بل يشمل: الغاز الطبيعى والطاقة المتجددة وتقنيات احتجاز الكربون، مشيرًا إلى أن مصر لم تحقق الاكتفاء الذاتى بعد لكنها تمتلك فرصة تاريخية كبيرة فى الخزانات غير التقليدية مثل: صخور الطفلة الزيتيّة، التى بدأت دول كبرى فى استغلالها بتقنيات حديثة. ◄ نصائح من القلب إلى الوطن وحين سُئل عن نصائحه لبلده، أضاءت عيناه وقال بحنين واضح: «مصر دائمًا فى القلب، مهما ابتعدنا عنها، وما أتمناه هو أن تُستثمر ثرواتها بعلم ورؤية مستقبلية». ومن أبرز نصائحه: «التوسع في استكشاف الخزانات غير التقليدية، إعادة تقييم المناطق غير المُستكشفة كالبحر الأحمر وجنوب مصر، تسريع التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى فى أنشطة الاستكشاف والإنتاج، تعزيز الشراكات الاستثمارية والبحثية لجذب رءوس الأموال المحلية والدولية، بناء رأس المال البشرى من خلال تدريب الكوادر الفنية بالتعاون مع الشركات العالمية، إنشاء تحالفات بحثية استراتيجية مع الجامعات الرائدة للتركيز على تقنيات الطاقة الجديدة واحتجاز الكربون، وتطوير قطاع التعدين بإسناد قيادته للكفاءات المتخصصة لضمان الاستغلال الأمثل للثروات». وفي ختام اللقاء، قال بابتسامة هادئة: «ما زلت ذلك الشاب الذى بدأ حلمه من قاعة صغيرة في كلية العلوم بسوهاج، ربما صعدت درجات فى سلم العلم، لكنى لم أنسَ أبدًا من أين بدأت».