بين لحظة وأخرى، تطالعنا أنباء عن جرائم صادمة تُرتكب بأيدٍ لم تتجاوز بعد سن الطفولة، حاملةً معها تساؤلات عديدة عن مصدر هذا العنف المبكر، فما الذى يحول أطفالاً فى عمر الزهور إلى قتلة؟! منذ أيام هزت الرأى العام جريمة بشعة، أقدم طفل فى الثالثة عشرة من عمره بمدينة الإسماعيلية على قتل زميله، ثم تقطيع جثته بمنشار كهربائي، مُقلداً مشاهد من لعبة إلكترونية عنيفة، ولم تكن هذه الحادثة هى الأولى من نوعها، ففى القليوبية منذ عدة شهور، حرض طفل فى الخامسة عشرة شاباً على قتل طفل آخر، وقام بتصوير الجريمة بهدف بيع التسجيل على مواقع «الدارك ويب»، فى مشهد يوحى بتبلد الإحساس وغياب الوازع الأخلاقى والدينى. لا يمكننا توجيه أصابع الاتهام نحو الألعاب الإلكترونية الدموية التى يسهل وصول الأطفال إليها فقط، رغم ما تحويه من مشاهد العنف السينمائى، ولكن، الحقيقة أكثر تعقيداً، حيث تؤكد الدراسات النفسية أن الانغماس فى هذا المحتوى غالباً ما يكون عرَضاً وليس سبباً جذرياً، فالطفل الذى يعانى من حرمان عاطفي، ونقص فى التواصل الأسري، وغياب للرقابة الأبوية، يبحث عن تعويض وهمى يشعره بالقوة والسيطرة.. وهو ما تؤكده اعترافات طفل الإسماعيلية، بعد محاولات إنكار، حيث كانت صادمة فى تفاصيلها؛ فقد كشفت أن الجريمة لم تكن مجرد خلاف عابر بين زميلين، بل كانت نتاجاً تراكمياً لأخطاء تربوية ونفسية فادحة منها غياب الاحتواء الأسري، وانعدام المتابعة، وتأثير مضاعف للمحتوى العنيف الذى أصبح شيئا طبيعيا يشاهده الأطفال بشكل مستمر وقد وجد فيه الطفل الإلهام لتنفيذ فكرته الإجرامية. هذه الجرائم ليست سوى جرس إنذار لما يهدد أمننا وحياة أطفالنا، وينبهنا إلى ضرورة مواجهة هذه الظاهرة بجدية، من خلال إعادة النظر فى أساليب التربية، وتعزيز الدور الرقابى والإرشادى للأسر والمدارس، ووضع ضوابط حقيقية للمحتوى الرقمى الذى يتعرض له أبناؤنا، فالطفل الذى يعتاد مشاهدة الرعب والعنف فى ألعابه الإلكترونية وفى الأفلام التى يشاهدها وفى الشارع طوال الوقت تُغتال براءته ببطء، ومع الوقت يصبح العنف بالنسبة له شيئاً طبيعياً ويصبح أكثر قسوة.. مما يحتم على المجتمع أفراداً ومؤسسات العمل بجدية وبلا تقاعس على مواجهة ظاهرة العنف بين الأطفال قبل أن نصل إلى الهاوية لا قدر الله.